أسف المخرج السينمائي بريان دي بالما بعد عرض فيلمه"شغف"في فرنسا، لاختفاء اللغة السينمائية والجماليات عن الشاشة الكبيرة، معيداً السبب إلى خضوعها ل"ديكتاتورية الشاشة الصغيرة". وحمّل المسؤولية ليس فقط للجمهور، ولكن أيضاً للنقاد، إذ قال:"معظم النقاد لا يشاهدون الفيلم، بل يسمعونه، وينتبهون للحوار والقصة وليس لطريقة التصوير". هذا"الانحراف"في النظرة يعود في قسم كبير منه إلى اعتياد الجمهور على الشكل المتبع في تصوير الأفلام التلفزيونية والمسلسلات حيث القصة هي العامل الأول والأخير في نجاح أي عمل. وعلى رغم اعتناء"شكلي"باللقطة وبكادر المشهد في المسلسلات الغربية فإن هذا معدوم في العربية منها باستثناء عدد ضيئل جداً من المسلسلات السورية. ديكتاتورية التلفزيون وفرضه"لجمالياته"على السينما، يشير إليها باستمرار أيضاً سينمائيون عرب يسعون إلى إبداع أفلام سينمائية وليس تلفزيونية في أسلوبها. وقد أعلن المخرج المغربي فوزي بن سعيدي مرة في حوار سابق ل"الحياة"معه، عن"موقف ضد التلفزيون وجمالياته". فمن جهة فرضت الشاشة الصغيرة، ومنذ أن بدأت في تمويل الأفلام، أسلوب التصوير الذي يناسبها على السينما. وباتت مثلاً تستخدم أكثر اللقطات المقربة كونها أنسب للعرض التلفزيوني. ومن جهة أخرى أضحت تلك الشاشة"تسكن العقول"، أو بالأحرى يمكن القول تحتلها. بن سعيدي أيضاً لم يحمِّل الجمهور وحده المسؤولية بل التلفزيون نفسه كمؤسسة كما الوجود الضعيف للثقافة في مجتمعنا والذي يجعل الناس مثلاً لا تفرق بين الفيلم والمسلسل. ولعل هذا يعود أيضاً إلى أسلوب في تصوير معظم الأفلام العربية لا يختلف عن هذا المتبع في المسلسلات. لا بد لهذه القراءات من أن تعود ونحن نتابع خطوة جديدة تعزز سيطرة الشاشة الصغيرة وفرض سلطتها. فها هي جامعة سينمائية فرنسية عريقة تهتم بالفن التلفزيوني! وأخيراً قررت المدرسة العليا للسينما والصوت Femis في باريس بدء دروس تدريبية مخصصة لتعليم تقنية الكتابة الخاصة بالمسلسلات التلفزيونية في أيلول سبتمبر المقبل لمدة سنة. وبررت المدرسة اعتمادها هذا المنهج الوحيد من نوعه في فرنسا، بملاحظة ما لم تفت ملاحظته لأحد وهو ما تتمتع به المسلسلات التلفزيونية، ومنذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، من نجاح جماهيري ونقدي لا سابق لهما. بالتالي كان لا بد، نتيجة لهذه"الفورة المسلسلاتية"، من مجاراة الواقع والسعي نحو تحقيق طموح جديد على المستوى العالمي والمحلي بإضافة هذه الدروس التلفزيونية. فإلى أين يسير التلفزيون بالسينما؟