لا تخفي فدوى، الطالبة الجامعية، شغفها ببرامج التنمية البشرية وتطوير الذات التي استهوتها بالصدفة لدى متابعتها على إحدى الفضائيات العربية. وأكثر ما شد انتباه فدوى، ما تبثه هذه البرامج في النفوس من تفكير إيجابي ونظرة متفائلة الى الحياة. وجدت الشابة ضالتها في هذه البرامج، ومن يومها وهي وفيّة للتزود بزادها من النصائح والوصفات التي تطوّر شخصيتها. كانت في حاجة ماسّة إلى تغيير مسار حياتها رأسا على عقب، فوجدت الحكمة في أفواه أشخاص مثل إبراهيم الفقي على قناة"سمارت واي"الفضائية، وأحسّت بأن أشياء في داخلها بدأت تتغير، أهي السعادة التي بدأت تدقّ بابها بعد طول هجر، أم هي استعادة السكينة الداخلية المفقودة؟ عالم اليوم، مليء بالضغوط وبات يحتاج إلى"واعظين جدد"، يقدمون للناس المترددين والحائرين وصفات جاهزة لتجاوز مصاعبهم في الحياة اليومية، فيما مؤشر الطلب يتزايد لدى الأشخاص الرّاغبين في تسلّق مراتب النجاح، وتفادي السقوط ضحية الإحباط ونوبات التشاؤم. وجدت موجة الفضائيات المتخصصة في صناعة الإنسان الجديد صداها في المغرب، ولو في شكل محتشم وعلى نطاق ضيق، إذ شرّعت بعض المنظمات الأهلية التي تتبنى مشروع"التنمية البشرية وتطوير التفكير الإيجابي"في النشاط، مثل"المنتدى المغربي لصناع الحياة"و"مركز التنمية البشرية"، بيد أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين طلبنا رأيهم في الموضوع، يجهلون وجودها. وفي هذه المنظمات مدربون وبرامج وأتباع ومريدون. ولكل مدرب نافذة في موقع المنظمة الأم، تُظهر مؤهلاته وتدابيره، ونوعية الدورات التي يقدمها، وتندرج كلها في إطار"تنمية مقدرات الأفراد"على مواجهة عالم أكثر تغيراً وتعقيداً. وتبلغ تكلفة يوم تدريب واحد نحو 67 دولاراً، تشمل مصاريف التدريب والتسجيل والتغذية في المكان نفسه. وتركّز كل دورة على تلقين المهارات في موضوع معين، كالقراءة السريعة والمفيدة، أو النجاح الدراسي، أو التفاؤل... استفادت فدوى من دروس تطوير الذات للتزود بالصبر واكتساب التفاؤل، والنظر الى المواقف الصعبة بإيجابية، واقتنعت بأن الإنسان الناجح هو القادر على صناعة التغيير من خلال تحكمه في ذاته أولاً، والتخطيط لحياته، وإلا سيكون ضحية لمخططات الآخرين، وسعت إلى العمل بنصائح تلك البرامج في الحياة اليومية، لكن غالباً ما ابتعدت عنها، لتنقطع في النهاية عن متابعتها بسبب انشغالات الحياة الكثيرة. أما حسن، وهو محامٍ متمرن، فقد شارك في إحدى الدورات التدريبية، بعد أن انتهى في علمه توفر حصصها في بعض الجمعيات المغربية. وبعد انتهاء الدورة، بات يستبعد هواجس الفشل في المرافعات القانونية، ويعتبره مجرد محاولة، ويمكن معاودة الكرّة والاستفادة من عثرات التجربة الماضية. وخالد الموظف، وقعت عيناه على ملصق يُعلن عن"مفاجآت سارة"عند زيارة مكتبته المفضلة، فانتهز الفرصة، وكانت النتيجة"مراكمة خبرات ومهارات لمواجهة المواقف الحرجة، وتحويل العثرات إلى نقط ارتكاز للتقدّم في علاقاته العائلية والمهنيّة". ولم يكتفِ بذلك، بل أدمن قراءة كتب من قبيل"كيف تصبح ناجحاً؟"، التي أصبحت تحظى بمكانة مميزة في المكتبات المغربية، الى جانب الأقراص المضغوطة السمعية البصرية للموضوع نفسه. تمكن مصادفة العديد من قصص النجاح يحكيها أشخاص خضعوا للتدريب، مثل حسن وخالد، في منتديات النقاش على مواقع التنمية البشرية وتطوير الذات، لكن انحسار صدى هذه البرامج وكلفتها المرتفعة يبعثان على التشكيك في النجاحات المثالية لتلك البرامج، وقدرتها على تحقيق النقلة النوعية المتوخاة لدى الباحثين عن تغيير شخصيتهم من خارج ذواتهم. علاء، عاطل من العمل، لا يثق بالوصفات الجاهزة لصناعة النجاح. قراءة كتب النجاح أو إدمان سيَر العظماء، أو تكرار صيغ وعبارات التفاؤل الإيحائية للعقل الباطن لا يكفي لتحقيق الذات، من دون بذل الجهد. ويرى علاء أن الجري وراء النجاح هو نتيجة تفشي رموز الثراء الفاحش، ف?"الكل يبحث عن وسائل وأدوات توصله إلى تحقيق الرقي الاجتماعي المفروض، ولو على حساب سحق المبادئ الأخلاقية". ويشارك الكثيرون علاء رأيه، أو على الأقل جزءاً منه إذ أن حتى المقتنعين بجدوى هذه التدابير، يقرّون بحدودها وعدم كفايتها لتغيير الحياة نحو الأفضل، لأن"تربيتنا السلبية قد تغلب على ما نتعلمه، إذا لم تكن لدينا عزيمة كبيرة"، بحسب فدوى. وتبرر، الشابة"المتفائلة"انقطاعها عن متابعة برامج التنمية الذاتية، بأن من المهم أنها تشبعت بمبادئها وفلسفتها، وتجاوزت سرعة الغضب لأتفه الأسباب، وفي المواقف الصعبة، وابتعدت عن حلّ مشاكلها بالصراخ والعنف.