في النشرة الاخبارية المسائية التي تبثها فضائية إخبارية عربية، يلتصق في الزاوية اليسرى مربع صغير، يقبع فيه رجل لا يتكلم، بل يكتفي برسم الاشارات بيديه، ولا تكف تعابير وجهه عن التبدل مع تبدل الخبر نفسه. نحن الذين نقف على حواسنا كاملة لا ننتبه إليه عادة، وليس في هذا تكبر أو تعال، فالجمهور الذي يتوجه إليه بإشاراته هو جمهور الصم والبكم. هذا الجمهور الذي كان محروماً حتى عهد قريب من تغذية بصره وسمعه بالأخبار المصورة، وبالتالي كان ثمة ما يحجب تماماً عنه ما يدور من حوله، لأن الصورة لا تتكلم دائماً، فبعضها فقير وفي حاجة إلى شروحات سمعية، فكيف الحال إذا لم يكن هناك من يغذيها ويسهر عليها ويتقن تسويقها، كما كانت الحال قبل"الانفجار"البصري الذي نعيشه.؟ في أيامنا العادية، وكثيرها مفزع، لم نكن ننتبه لهذا"المذيع ? المفسر"، حتى أن بعضنا في غمرة انشغالاته كان يبتسم متخابثاً أمام بعض الاشارات التي تنجم عنه، وكان يحاول ? المتخابث ? أن يوازن بين إشارات"المذيع"والكلام الذي يقوله المذيع الآخر الذي يقبع في الشاشة"الكبيرة"، ويكاد بسطوة المتكلم أن يفقد ذلك المسكين احترامه على مرأى من أبصارنا. وعندما يجد"المتخابث"أن الكلام قد يتطابق مع اشارة تبدو له مضحكة، تنفرج الشفتان عن ابتسامة عريضة، حتى لو كان الخبر يغص بالجثث والقتل والدمار. وهذه الأخبار عادة ما تكون اشاراتها كما يخيل إلينا نحن الذين نملك حواسنا كاملة، مضحكة... عدا هذا المشهد، ما الجديد في موضوع المذيع ? المفسر؟ من الناحية التقنية الصرفة لا جديد سوى أن هذا الجندي شبه المجهول أصبح يمتلك اسماً، ويكتب أيضاً في تلك الزاوية مثل جميع المذيعين والمذيعات"الكبار". أصبح له اسم، ويمكن تداوله، وهذا يعني أنه لم يعد مجهولاً، أو شبه مجهول، وان كان سيظل يبعث فينا الحيرة والابتسام، على رغم الأسى المنقول إلينا عبر الشاشة، لا لشيء إلا لأننا لا نفهم اشاراته التي يغدو بعضها مبالغاً فيه عندما يتعلق الأمر مثلاً بطائرة تغير على قطاع غزة. يبدو لنا هنا شكل الطائرة بالاشارات مثل"غول"يبعث على الضحك، فنحن لسنا صغاراً. نحن نتكلم ونسمع وبوسعنا في ثانية أن نصبح مشاهدين تلفزيونيين جديرين باحترام ذلك المذيع ? المفسر الذي عرفنا اسمه أخيراً، ولم نكن في حاجة إلى اشاراته في يوم من الأيام!