«القيلة» متعة الحائليين    اليمن تثمّن جهود المملكة والإمارات لدعم الاستقرار    التحالف في اليمن: التحركات العسكرية المخالفة سيتم التعامل معها لحماية المدنيين    هيئة الهلال الأحمر السعودي بالقصيم تكرم روّاد العطاء لعام 2025    الأفواج الأمنية تضبط 3 كيلوجرامات قات في عسير    «واحة الأمن» تستعرض جاهزية الأفواج الأمنية في مهرجان الإبل    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمرضى التصلب المتعدد في حفل "خيركم سابق"    مطالب الأهلي المالية للموافقة على رحيل محترف الفريق    حملات ميدانية تضبط 18,877 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    تشكيل النصر المتوقع أمام الأخدود في دوري روشن    الجبيل تستعرض مقوماتها في مسار الاعتماد العالمي كمدينة صحية    تشكيل الاتحاد المتوقع أمام الشباب في دوري روشن    الكابتن ناصر عسلوف يكرّم الإعلامي محمد الحسين ومدير ومدرب منتخب الدرب    «مهرجان جازان 2026» يجعل الفرح جسراً بين الأجيال    وزير الدفاع: المملكة تعاملت مع القضية الجنوبية باعتبارها قضية سياسية عادلة ضمن جهودها لدعم الحل الشامل في اليمن    منطقة "هذه جازان" تحيي فعاليات مهرجان جازان 2026 وتستقطب الزوار    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    انخفاض أسعار النفط عند التسوية    ألمانيا تعتذر عن تحليل الصندوق الأسود الخاص بطائرة رئيس الأركان الليبي    يايسله: خسارة مواجهة الفتح «قاسية»    مدرب منتخب مصر: نخوض كل مباراة في أمم أفريقيا باعتبارها "نهائي كأس"    مدير هيئة الأمر بالمعروف بجازان يزور التدريب التقني ويبحث تعزيز البرامج التوعوية المشتركة    رئيس مجلس القيادة اليمني يطلب مساندة التحالف لفرض التهدئة في حضرموت    مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور يقيم 6 أشواط للمحترفين في يومه الثاني    هافيرتس قد يعود لتشكيلة أرسنال أمام برايتون    كاميرات محمية تايلاندية ترصد للمرة الأولى منذ (3) عقود قطًا مسطح الرأس    الفتح يكسب الأهلي بثنائية في دوري روشن للمحترفين    عمداء تقنية المعلومات ومدراء الميزانية وكفاءة الإنفاق بالجامعات السعودية يزورون الواجهة الثقافية في جامعة أم القرى    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    السديس: حقوق العباد من أخطر أبواب الظلم ومواقع التواصل بيئة خصبة للبهتان    القاسم: استباق الخيرات دليل علو الهمة وكثرة الجدل تصرف عن الطاعة    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    سعيد بن قزعة أبو جمال في ذمة الله            القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    هيئة محمية الملك سلمان الملكية تدشّن مبادرة الإصحاح البيئي في "وادي نايلات" بحائل .    برعاية أمير منطقة جازان.. مهرجان جازان 2026 يستهل مشواره بانطلاقة كرنفالية كبرى    رئاسة الشؤون الدينية تدعو قاصدي الحرمين إلى الالتزام بآداب وفضائل يوم الجمعة    آل الشيخ: جائزة طارق القصبي نموذج وطني لدعم البحث والابتكار في الهندسة المدنية    واشنطن مُهددة في سباق الذكاء الاصطناعي    من البحث إلى التسويق الجامعات في فخ التصنيفات العالمي    جمعية التنمية الأهلية بأبها تحتفي باليوم العالمي للتطوع واختتام مشاريع 2025 ضمن "رواية عقد"    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمسيرة العطاء مع مرضى التصلب المتعدد    إنفاذ يشرف على 75 مزادا عقاريا لتصفية وبيع أكثر من 900 أصل في مطلع 2026    نائب أمير منطقة جازان يلتقي أيتام "إخاء"    السعودية: تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة تمت دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة التحالف    تطبيق علاج وقائي للحد من تطور السكري    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    نقاشات أمنية وسياسية تسبق لقاء نتنياهو وترامب.. حدود جديدة لإسرائيل مع غزة    الشيباني: العلاقات مع روسيا تدخل مرحلة إستراتيجية جديدة.. الداخلية السورية تتهم «قسد» بالتجنيد الإجباري في حلب    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير المملكة بنيبال    هندية تصلح عطلاً برمجياً في حفل زفافها    40 ألف متدرب مخرجات الأكاديمية الصحية    لوحات مجدي حمزة.. تجارب من واقع الحياة    الإطاحة بطبيبة المشاهير المزيفة    النيكوتين باوتشز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستبد وحقيقته بين جيلين
نشر في الحياة يوم 24 - 06 - 2013

المستبد هو اسم حاكم، وهو اسم تاب. اما الحاكم فيقف اليوم أمام القضاء في مرافعات شبه هزلية تحول فكرة القانون الهباء، بدل ان تكون وسيلة للوصول ال الحقيقة. ولسدّ هذ الفراغ يأتي دور الأدب. وكتاب زهير الجزائري"المستبد"قد يكون محاولة لتجاوز هشاشة القانون.
وهو مسعى خاص، بحرفية التعبير، وبمجازيته أيضاً. وهو خاص لأسباب عدة. فهو محاولة لرؤية ما لا يُرى: التنقيب في حقبة البعث التوتاليتارية وهي في عز جبروتها، وذروة هوسها بالتكتم والاسرار. وخاص، بالمعنى المعرفي: فهو يتجاوزمنطق تعذر تحليل المعلومات في بلد ترتعد فرائص الدولة فيه من أي تداول للأخبار، ومن أي افتضاح لبواطنها الملغزة، ناهيك عن عسرالتحليل بوسائل الملاحظة الروائية.
والمسع-، خاص أيضاً، بالمعنى الوجودي: إذ كيف يتأتى للفرد المعزول أن يقف قبالة اللوياثان، الكائن الفاتك، الكلي الجبروت، الكلي القدرة، الكلي الحضور، المسمى دولة شمولية.
إن مجرد التفكير بالكتابة عن الدولة الشمولية، قبل انهيارها، كان يتطلب قدراً من الجرأة، أو مقادير من البله لتوطين تلك اللامبالاة الباردة بالعواقب: الملاحقة بكواتم الصوت، أو سم الثاليوم، أو أخذ
الأهل رهائن. إن مجرد التفكير بالكتابة عن الدولة البعثية، وقتذاك، كان يتطلب ايضاً بحثاً دؤوباً عن التفاصيل في دولة تمنع تداول المعلومات، وتسد أبواب البحث، ولا تسمح بالإحصاءات.
المحاولة جريئة: تنقيب في سوسيولوجيا السلطة بمعول روائي وعين أديب. ولعل هذا يشبه، في عرف البعض، القنص بالقوس والنشاب بالتنافس مع بنادق مجهزة بأحدث ناظور رصد. لكن لهذا الصيد بالنبال امتيازه: إختبار صلابة اليد، وامتحان قدرة العين على التسديد، وأيضاً، القدرة على الإنجاز بوسائل جديدة.
كان ينبغي نشره قبل عقد ونيف، فهو جاهز في الأدراج منذ زمن. وكان مؤلفه يضيف إليه، كلما هزَّ العراق حدث خارق، فصلاً أو مقطعاً لتغطية المستجدّ من الأحداث. وبهذا المعنى، بات النص أشبه بتدوين مذكرات ذاتية، سوى أن السيرة هنا هي سيرة أمة منكودة، وسيرة حاكم هو أقرب الى دراكيولا مصّاص الدماء الأسطوري منه إلى كائن سويّ.
قرأت النص مرتين: بُعيد تأليفه، وقبل السعي الى نشره. وأمتعني في الحالتين، رغم تبرّمي الأكاديمي من"هوسة"الهوامش والإحالات، أو من الإلفة المفرطة التي يخاطب المؤلف قارئه بها، وهي إلفة يستبطنها الكاتب بلا وعي حين يفكر في قارىء مجايل من وطنه، مما يدفعه إلى افتراض وجود مشتركات في الذاكرة الجمعية قد لا تتوفر في الواقع: الحديث، مثلاً، عن أول رئيس بعثي للجمهورية، أحمد حسن البكر، بلغة الإلفة والاعتياد باستخدام كلمة البكر وحسب، هذا الإحالة لن تطرق وتراً لدى الجيل الذي ولد بعد وفاة ذلك الرئيس الابله عام 1982.
ثمة صورة باطنية عن النظام البعثي الشمولي، وهو يفكك، بواقعية، القول الايديولوجي ليرى إلى ما يخفيه هذا القول من وقائع. فالمقارنة، دوماً، لا تجري بين فكرة وفكرة، بل بين فكرة وواقع. أي إن تحليل المعنى يجري في مغطس الحياة، حتى وإن كانت هذه الأخيرة تبدو، من موشور ما بعد الحداثة، نصاً ينتج نصاً في تواشج متصل.
ثمة لجيل الشباب الذي لم يعش أهوال نشوء الدولة البعثية الشمولية أيام صعودها، أي فترة عزها ومجدها، الكثير من الزاد للتفكير في هذا الذي سبقهم وذاق الذي ذاقوه مرة أو مرتين. ففي تلك الأيام غير السعيدة، كانت الدولة التوتاليتارية قادرة على محق جيل كامل من المعترضين، وإلغائهم من خريطة الوجود. وسيجد جيل الشباب اللاحق الذي عاش أهوال فترة نكوص الدولة البعثية، بما في ذلك انهيارالنسيج المدني، والمعرفي، أن هناك الكثير من المشتركات بين الجيلين.
وفي هذا المعنى، يمكن للكتاب أن يكون جسر تواصل بين جيلنا نحن، جيل الكهول الذي تجرأ على الزعيق في وجه غول الدولة المترعة بعوائد النفط، وعانى من أوجاع صعودها، وجيل الشباب الذي تحمل آلام انحلال الدولة، ودفع ثمن ذلك بالدم والدموع، من دون أن ينعم الإثنان بمسرات الآتي.
وتكمن أكبر المشكلات المعرفية في العراق لا في غياب قاعدة المعلومات، أوضعف حرية تداول المعلومات، وهما الشرطان الأساسيان للمعرفة، بل تكمن أيضاً في انقطاع الصلة بين أجيال الباحثين والكتاب، وهي مشكلة تمنع التراكم المعرفي. فلا تقدم في المعرفة من دون تراكم في منتجات المعرفة، ولا تراكم في المنتجات من دون تواصل اجيال المنتجين. كان منع الكتب في الماضي يكفي لكسر مسارالمعرفة. لكن الشمولية ابتكرت أكبر فخ لعزل الأجيال التي تباعدت بسبب الهجرة القسرية فاخترعت"جماعة الخارج"و"جماعة الداخل". وللأسف، تطوع بعض الكتاب، بقدر كبير من السذاجة أو سوء النية، وربما الغباء، لترويج هذه الفكرة.
هذا الكتاب فرصة للقاء معرفي بين اجيال، وفرصة للمعافاة من الشرخ.
كان بودي الاستطراد في تبيين أهمية الكتاب، لكني على يقين من أنه لا يحتاج الى شرح قط. ولا أود أن أبدو كمن يضع نفسه في منزلة إطراء صديق، فالمؤلف صديق عُمرٍ كما يقال. ومن حق المؤلف، أي مؤلف، أن ينشد الثناء، فهوالمكافأة الأكبر على عنائه. ولا ضير في ذلك، لكن للمديح حدودا.
تقوم فكرة الكتاب على استبطان التفاصيل التي قادت الى نشوء النظام الشمولي البعثي وترسيخه، واندماج نظام الحزب الواحد بالنظام القرابي، أو نظام العشيرة. وهي بمعنى ما سيرة النظام، وسيرة شخصية لرأسه الأول صدام حسين. يرصد المؤلف القادة مثلما يرصد الروائي شخصياته بعين تراقب التفاصيل الحميمة، رغبة في الكشف عن المستور، بروح الفرجة.
ولا عجب في ذلك. فهذا هو الانتقام الوحيد الذي ينتزعه الروائي-الكاتب-الأديب لنفسه من هذه الدولة التي حطمت جيله، وحطمت وطنه، وحطمت حياته الفردية. هتك استار الحقيقة هي انتقام المثقف من الديكتاتور. الحقيقة ثأر كوني. يزول الديكتاتور الفرد، وتزول دولته، وتنطمر الحقائق، كلياً اوجزئياً، إلى حين. لكنها في النهاية ينبغي أن تطفو على السطح. وأقول ينبغي لأنها لن تفعل ذلك تلقائياً. على العكس من ذلك، فديكتاتور الأمس وأتباعه يكرهون الحفر في متعضياتهم المطمورة. إنهم يبغضون الباحث بغضهم عالم الآثار: لأنهم يريدون أن يبقى الماضي مطموراً وأن نراه بعيونهم لا بعيوننا.
لن أضيف الى هذه المقدمة أية كلمة أخرى لاستكمال"الأحداث"التي وقعت منذ أن توقف الكاتب عن إضافة سطر واحد إلى الكتاب. حسبنا ما يرد فيه. إنه شهادة وتاريخ، وينبغي أن نقرأه بهاتين الصفتين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.