عندما غنى شعبان عبدالرحيم "أنا بكره اسرائيل"، قبل مدة، بدا الأمر مثل نكتة. لكن ها هو يغني "يا عم عربي". الأمر جدي إذاً، خصوصاً انه ينتقل في هذه الاغنية الى التحليل السياسي والتحريض الشعبي بعد ان اكتفى، في الاغنية الأولى، بملامسة خفيفة وخارجية لما يُعتقد انه مزاج وطني مصري أو عربي. شعبان عبدالرحيم لا يمزح الآن، انه يظن، ويقول ذلك في كلمات الاغنية، ان أميركا واسرائيل وجهان لعملة واحدة، وانهما متفقتان على ادارة العالم بالحروب على طريقة "فتوات" الأحياء وأشرارها. وهذا كله كان ليهون لولا أنه يعود الى أصل المشكلة المتمثلة في تفجير برجي مركز التجارة العالمي ليقول: "ان أصحابو همّ اللي وقعوه". هذا التحليل ليس من اختراع شعبان عبدالرحيم بالطبع. فالأمر لا يعدو كونه يمثّل بعض ما قيل ويقال من تحليلات عربية وإسلامية تتعلق بنظرية المؤامرة احياناً، وبابتذال التفكير السياسي والفلسفي نفسه احياناً اخرى. ولأن "شعبولا" الإسم الذي يُدلّع به شعبان هو ابن الشعب البسيط "وابن الحتة المكوجي"، فلا بد من ان يكون مزاجه السياسي متماهياً مع مزاج الغالبية التي تبتذل السياسة ومنطقها ولعبتها باسم الحق الذي هو معنا وضد الظلم الذي وقع علينا. ولا بد من ان يكتفي، بالتالي، بحل وحيد وهو ان يتحرّك العرب كأمة واحدة لمواجهة اميركا واسرائيل فيقول: "يا عم عربي إمتى ناويين تتحرّكوا؟". لا يدخل شعبولا في التفاصيل. فالعالم بالنسبة اليه مقسوم الى قسمين، نحن والاعداء. كلمات الاغنية لا تقول شيئاً آخر، لكن خطورتها تكمن في مخاطبتها جمهوراً واسعاً مستعداً للانقياد لفكرة مبتذلة الى هذا الحد، وما يسهم في ابتذالها أكثر هو "كليب" الاغنية الذي تأتي فكرته ترجمة حرفية لكلمات الأغنية. الجديد الذي يمكن استنتاجه من كل هذا هو احتمال ان يقدم شعبان عبدالرحيم نفسه مغنياً ملتزماً لينضم الى فئة الاغنية السياسية او الوطنية التي ظهرت، ثم سادت، في السبعينات مع تصاعد النضال الحزبي والفكري لبعض فئات اليسار العربي، خصوصاً في مصر ولبنان. وعبدالرحيم ليس حزبياً ولا يسارياً ولا مثقفاً بل إنه، بالأحرى، أمي حقيقي الى درجة انه حين سئل مرة في برنامج "من سيربح المليون" عن أسماء الدول الثلاث التي قامت بما سمي "العدوان الثلاثي" لم ينجح في الاجابة لولا مساعدة جورج قرداحي الفاضحة. انه لا يخفي أميته، بل بات يستخدمها في طريقة غنائه وفي ثيابه. فهي جزء من حضوره وشخصيته الفنية الطيبة القائمة على البساطة و"الجدعنة" والسذاجة. هذه هي بضاعة الرجل الذي قد يساعده انتشاره الشعبي الواسع على اكتساب صفة المغني السياسي والملتزم من جمهوره المستعد للرقص على أغانيه، بغض النظر عن الموضوع الذي تتحدث عنه كلمات هذه الأغاني. وأغنية "يا عم عربي" لا تختلف في اللحن والأداء عن أغانيه السابقة، وقد تُطلب منه حتى في حفلات الأعراس التي يحييها عادة. الى هذا الحد بات الالتزام مبتذلاً وسهلاً. ليس ضرورياً ان نبحث في ما اذا كان الأمر عائداً الى الالتزام ام الى الغناء، لكن اجتماع الالتزام مع الغناء، بحسب وجهة نظر شعبان عبدالرحيم وجمهوره، يقدم أكثر صور السياسة ابتذالاً وأشد انماط التحليل الفكري انحطاطاً. ما يفعله "شعبولا" هو ترجمة المزاج الشعبوي المكتفي بالتحليلات الساذجة والسطحية التي تُختزل في نظرية المؤامرة وما شابهها. وهذا المزاج يمثل جمهوراً أوسع بكثير من جمهور الأغنية السياسة أو الملتزمة. كان الشيخ إمام يقول: "شرفت يا نيكسون بابا / يا بتاع الووترغيت / عملولك سيما وقيمة / سلاطين الفول والزيت". وكان الكلام بسيطاً وشعبياً وساخراً لكنه مكتوب بروح شعبية وعامية تخلط السياسة والشعر بالجماهير والعمال والكادحين والطلاب. وكانت تجربة السجن والايمان بأفكار العدالة وراء هذه الكلمات، كما كان هناك الانحياز الى الفقراء و"الغلابه". باختصار، كان هناك يسار وكانت الأغنية السياسية أغنية مثقفين وحزبيين ومعتقدات. والى انحسار اليسار بمعناه السابق، يجيء انحسار الطرب الحقيقي لا بل الغناء الصحيح، ليفسح المجال لأغنية مثل "يا عم عربي" ان تحتل موقعاً مميزاً في وجدان جماهير ال"فيديو كليب"، ليس بسبب كلماتها السخيفة ولحنها الساذج فقط، بل بسبب أسلوب شعبان عبدالرحيم الذي يستطيع ان يُدخل اي كلام، حتى لو كان سياسياً، في منطق أغنيته. وهو منطق يقوم على قالب شعبي واحد يحرّض على الرقص قبل أي شيء آخر. والأرجح ان شعبولا لا يفرق كثيراً بين ان يكره اسرائيل وأميركا وبين ان يحب امرأة في حارة شعبية، واذا كان الغناء نفسه مبتذلاً فلا فرق، حينئذ، بين ان يكون هذا الغناء سياسياً أو عاطفياً.