مراهقو اميركا على وشك ان يرثوا عالماً متغيراً بسرعة كبيرة. حيثما نظرنا، تتحول حياتنا بفعل قوى جديدة، وهموم جديدة وافكار جديدة. وفي مواجهة هذه المتغيرات السريعة، نجد انفسنا مجبرين على اختيار وجهة معينة والمشاركة الفعلية في مجتمعاتنا. وامام الفرص المتاحة لنا، اوجدنا لأنفسنا حيزاً في العالم، ولكننا غالباً ما نواجه صعوبات في اختيار اي نوع من البالغين سنكون يوماً ما. ويتفق المراهقون على ان اصعب قرار يواجههم في هذه المرحلة من حياتهم هو اذا كانوا سيتابعون دراستهم الجامعية. وعلى رغم ان الغالبية تختار ارتياد الجامعة نظراً للرواتب العالية التي يتقاضاها خريجوها، الا ان جزءاً غير قليل ينضم مباشرة الى القوة العاملة او القوات المسلحة. من يتوجه الى الجامعة يجد نفسه للمرة الاولى مضطراً لتحديد هويته وشخصيته. وعندما نحدد دراستنا في اختصاص او اثنين نكون رسمنا لنفسنا طريقاً للمستقبل ونكرس حياتنا لبلوغ اهدافنا. واذا اسعفنا الحظ نختار اختصاصات نحبها وتمكننا من اجراء تغيير ولو بسيط في العالم. اما عدم ارتياد الجامعة فخيار له ايضاً تفرعات، لأنه يشكل بدوره فرصة لاعادة رسم العالم عبر تجارة تعلمناها او خدمة عسكرية اخترناها. الا ان هذه الاشياء كلها تحدث على المدى الطويل. في غضون ذلك، يواجه المراهقون الاميركيون مشكلات تتعلق بحياتهم اليومية. وهذه المشكلات تراوح بين نيلهم حصتهم الكافية من النوم الى عرض المخدرات عليهم... الى الغش في الامتحانات. وليست حياة المراهق اسهل من حياة البالغين، لا بل هي اصعب احياناً. فغالبية المراهقين ينشأون في بيت مع احد الوالدين، في ظروف اقتصادية صعبة. ويأتي الطلاق ليمزق عائلة يعاني المراهق او المراهقة فيها ضغوطاً في المدرسة وفي الحياة الاجتماعية. ولا تمضي سنون الاميركي الاولى من دون اهتمامات عاطفية. الا ان اكبر مصدر للقلق يبقى البحث عن جامعة. فالعلامات وتوصيات الاساتذة والشروط التعجيزية في امتحانات الدخول خلقت ثقافة جديدة من المنافسة الشديدة. ويبدو ان المشكلات التي تواجه المراهق لا تخف مع الوقت، لا بل تزداد يوماً بعد يوم. ويتم ضخنا باستمرار بمعلومات صحية، خصوصاً تلك المتعلقة بالامراض المتناقلة جنسياً، والمخاطر الناتجة من الشراهة او فقدان الشهية. وعلى رغم ان حالات الحمل بين المراهقات تدنت كثيراً في السنوات الماضية، الا ان المعضلة لا تزال قائمة وسط حملات التوعية عن اساليب منع الحمل. وهناك هوس حقيقي ففي الوزن، خصوصاً بين الفتيات. فأبسط الامور، كشراء ملابس، يتطلب جهداً كبيراً للاختيار. وفيما يشغل المظهر المعاصر بال الكثيرين، يتحايل آخرون على الموضة ويعتمدون اللون الاسود باستمرار ليثبتوا وجودهم. وفي شكل عام يدعم المراهقون بعضهم في خياراتهم. وترتاح غالبيتهم في التحدث الى صديق اكثر من الوالدين في مواضيع معينة. فالصديق هو من يفهم الصراعات الداخلية ويمر بالمصاعب نفسها. ويختار المراهقون اصدقاءهم من المدرسة او النادي واماكن مخصصة للنشاطات الاخرى كالرياضة والكتابة. ويشكل الدين جزءاً مهماً في حياة البعض. ولكل مراهق اميركي هواية او اثنتان يمارسها خارج الدوام المدرسي ويكرس لها وقته وطاقته. والمشهد النموذجي هو ان ترى شاباً يمضي ساعات يتدرب على لعبة البايسبول او الشطرنج، بينما يفضل صديقه امضاء الوقت في نادٍ لتلاوة الشعر او التطوع في الاعمال الخيرية. وخلال هذه النشاطات تنشأ روابط بين المراهقين تقويها الاهتمامات المشتركة. فمثلاً قد يكون اعضاء فريق التشجيع في احدى المدارس اعز الاصدقاء، كذلك الامر بالنسبة الى مجموعة من هواة التصوير. وخلال الاحاديث يعرف الشباب عن بعضهم بحسب اهتمامات كل واحد منهم، او الشلة التي يمضي معها وقته. وتشجع الثقافة الاميركية في شكل عام مراهقيها ليس فقط على التفوق في الدراسة، بل ايضاً على تنمية المواهب والهوايات، والانخراط في العمل الاجتماعي خارج اطار المدرسة والمنزل، وان يكونوا اجتماعيين في شكل عام وغير انعزاليين. دور العائلة وتلعب العائلة دوراً كبيراً في حياة المراهق. فمع ازدياد وعي الاخير، تحمله العائلة بعض المسؤوليات داخل المنزل، غالباً ما تكون اعمالاً منزلية من تنظيف وطبخ واعتناء بالمنزل، وهي امور اساسية عندما يحين وقت الانتقال الى الجامعة. اما الطقس الاكثر انتشاراً، فالتمرن لاجتياز امتحان القيادة. ويُعرف المراهقون في شكل عام بطباعهم الثائرة والرافضة لكل ما هو سائد، وهو ما لا تكرسه ثقافة اليوم. والمعروف عن المراهق الاميركي انه يعارض اهله ويخالف مشيئتهم اكثر من غيره من المراهقين في الدول الآسيوية مثلاً. ولكن ثقافة الرفض هذه لا تعمم على مراهقي اميركا كلهم. فإن كنا لبرهة استغلينا فرصة انتقالنا الى مرحلة البلوغ، الا اننا في الغالب نفرح لأننا ما زلنا نستفيد من ايجابيات العيش في كنف والدينا. التنازلات ضرورية من الطرفين، اذا اراد الاهل وأبناؤهم ان يتفاهموا. وتشغل الاهتمامات السياسية فئة من المراهقين. فهم معنيون بأمور اساسية متعلقة بالسياسة الداخلية لبلادهم ويبدون آراءهم فيها، مثل تشريع استخدام الحشيش، وقانون الاجهاض. فالمراهق على شفير الثامنة عشرة يقترب من عمر الانتخاب، وسياسة الادارة الحالية والمواضيع التي تطرحها على بساط النقاش ستدفع بالكثيرين، من دون شك، للتوجه الى صناديق الاقتراع ما إن تسنح لهم الفرصة. اما القضايا الخارجية التي تشغل بعض المراهقين، فهي خطر الارهاب، الذي جعلنا نقف ونفكر في علاقتنا مع بقية العالم، وكثيرون هم المعنيون بسياسة اميركا تجاه الدول الاخرى. وإن وجد بعضنا مكانه في السياسة بعد سنوات دراسية عصيبة في القانون او العلاقات العامة، على الآخرين ايضاً ان يكونوا معنيين بالسياسة كي يصبحوا ناخبين مستنيرين. مراهقو اميركا مشغولون بفروضهم المدرسية وبناء صداقات جديدة، ومحاولة ادارة مصاريفهم وتأمين اقساط الجامعة دفعة واحدة. نحن مراهقو اليوم نشعر اكثر من الاجيال السابقة اننا حقاً نشكل مستقبل هذه البلاد، لذلك ما عاد باستطاعتنا الانتظار اكثر، نريد ان نساهم في انماء بلدنا اليوم قبل غد، لكي ننمو بدورنا وننجح.