كفلت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، حقوق المتضرر، وان كان "بعض" هذه القوانين يصادر حرية الجهر بالضرر، بخاصة في دول العالم الثالث التي يأتي الوطن العربي في مقدمها، ما اخرس الكثير من المتضررين قروناً عدة، وليس بالضرورة ان تكون هذه "القوانين" مجموعة اللوائح التي تنظم علاقة الفرد بالمجتمع والدولة، فالعادات والتقاليد هي الاخرى قوانين سنها المجتمع، وبالتالي فان هذه العادات والتقاليد تساهم في شكل او آخر في مصادرة الحريات، ومنها حرية الجهر بالضرر او الاعلان عنه، وانا متأكد من ان في داخل كل منا رفضاً واستهجاناً لكثير من العادات، اما لماذا نحن غير قادرين على اعلان الرفض، فذلك لأن العادات والتقاليد قوانين فرعية لتنظيم المجتمع، ورفضها يعني الخروج على ارادة المجتمع، علماً ان هذه العادات والتقاليد لم تكن نتاج المجتمع الحالي، فهي تنظيم اجتماعي قديم، وقد تكون اوجدت وفقاً لمتطلبات ذلك العصر، وبالتالي فان وجودها الآن نوع من التخلف، واكاد اجزم ان غالبيتنا ترفضها في داخلها، لكننا نتظاهر بالتمسك بها، ولو ان احداً منا تبرع وبدأ السباحة ضد ارادة المجتمع، لانقشعت الظلالة، وحتى ان لم تنقشع فاستمرار وجود المتبرعين كفيل باجتثاثها ولو بعد حين. قلت ان عادة استقبال الصديق العائد من السفر بمفطح عادة سيئة وتقليد اكثر سوءاً لأنها غالباً ما تأتي على حساب اشياء اهم من الصديق ذاته، والذي ربما يكون سافر لاغراض سياحية بالمعنى السيئ للسياحة، لكن رفض هذه العادة امر ربما يبقي "اختك" عانساً، لأنك لم تكرم الصديق الذي عاد للتو من ممارسة المجون في بلد يحلل كل شيء، وبقليل من العقل يستطيع كل منا ان يقول "لا" لمجتمع يكافئ الماجن على مجونه، لكنها لعنة حاتم. نعم، انها لعنة حاتم الطائي، هذا الرجل الذي تدحرج من اعالي "آجا" و"سلمى" قبل اكثر من خمسة عشر قرناً، مثلما تتدحرج كرات الثلج، حتى وصل إلينا بحجم لا يمكن لنا معه التدقيق بحقيقة هذا الحاتم، الامر الذي اضطررنا معه للاحتفاظ به الحاتم في قلوبنا الباردة، ولم نسمح لأي مخلوق بتعريضه للشمس، ولو كنا فعلنا ذلك لكانت استراليا تعيش اليوم ازمة اقتصادية خانقة، ولم لا وهي الدولة "شبه الوحيدة" التي نستورد منها ملايين الاغنام سنوياً، بغية السير على هدّي حاتم الطائي، ولأن هذا الحاتم الذي تدحرج قبل الاسلام، ومازال يتدحرج في كل الاتجاهات، حتى اصبح اسطورة الكرم العربي، فتح بسلوكياته ان كانت صحيحة باباً جديداً للانفاق، بحسب المعايير والاصطلاحات الاقتصادية الحديثة، هذا الباب الذي كان بامكان الامة العربية اغلاقه، او ترشيده على اقل تقدير، والاستفادة منه في مشاريع تنموية تخدم المجتمع، لهذا اطالب بمحاكمة حاتم الطائي بتهمتي الاسراف والتبذير، واستند في هذه المطالبة بمحاكمته، لسندين اساسيين اولهما: العدد الهائل من المتضررين من سلوكياته، وثانيهما: عدم وجود ادلة كافية على صحة كرمه، راجياً ان لا تأخذ اهالي حائل العزة بالاثم، فيتبرؤون مني، بحكم ان الطائي رمز من رموز مدينة حائل، فأنا - ايضاً - ابن لهذه المدينة المتربعة على عرش القلب والعقل منذ فجر التاريخ، ومن حقي بالتالي ان اطالب بمحاكمة هذا الرجل ليس باسم اهالي مدينة حائل، بل باسمي انا، وذلك بحكم كفالة القوانين لهذا المطلب، وحتى لا يفهم احد هذا المطلب على انه تضرر شخصي لادعاء الكرم، احب ان اقول إنني معتدل الانفاق، ليس هذا وحسب، بل انني اميل للبخل، ولم اقدم يوماً على دعوة صديق عاد لتوه من بانكوك او حتى المغرب، لكني ارى مثلما يرى غيري الاضرار المترتبة على الناس، جراء الاقتداء بحاتم الطائي، وان كان غيري غير قادر على الخروج على ارادة المجتمع المحكوم بآلاف العادات والتقاليد التي "ما انزل الله بها من سلطان" فها أنا افتح صدري للنار، واطالب المؤرخين والباحثين والاكاديميين والكتاب والمفكرين، باعادة قراءة سيرة حاتم الطائي وتمحيصها وفق اصول البحث العلمي الدقيق، وذلك بغية استخلاص حقيقة هذا الرجل بعيداً مما نسجه خيالنا الخصب حوله لأكثر من خمسة عشر قرناً.