الشارقة بطلًا لدوري أبطال آسيا 2    جناح جمعية تعظيم في معرض "نسك هدايا الحاج" يشهد إقبالاً كبيرا من الزوار    إنشاء أول مصنع للصفيح المقصدر في السعودية    تجاوز مستفيدي مبادرة طريق مكة مليون حاج منذ إطلاقها    "الجبير" يشارك في مراسم تنصيب بابا الفاتيكان الجديد    الكويت تكتب فصلاً ذهبياً في تاريخ الكشافة: استضافة عالمية مستحقة لمؤتمر 2027    أمير منطقة تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال 38 الاربعاء المقبل القادم    مهرجان "القراءة الحرة" ينطلق بمكتبة المؤسس    أمير القصيم يشيد بجهود الأمانة ويثني على تميزها في التقرير السنوي لعام 2024    الراجحي يُطلق رخصة العمل التطوعي ويدشّن مرصد خدمة ضيوف الرحمن    برنامج الإقراء لتعليم القرآن    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤكِّد استكمال استعدادات الرئاسة العامة لخدمة ضيوف الرحمن في موسم حج 1446ه    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تنفذ عددًا من البرامج التدريبية لتطوير مهارات منسوبيها من مقدمي الخدمات لضيوف الرحمن في موسم حج 1446ه    مستشفى أحد رفيدة يُنظّم عدداً من الفعاليات التوعوية    "هيئة الأدب" تختتم مشاركتها في معرض "الدوحة الدولي للكتاب"    استراتيجية استثمارية طموحة لأمانة حائل في منتدى الاستثمار 2025    نجاح عملية دقيقة "بمستشفى المانع بالخبر" تُنهي معاناة سيدة من كسر وعدوى مزمنة في عظمة الفخذ    نعمل على إيجاد الحلول والمبادرات التي تُقلل من مشكلة الأطفال المتسولين    برنامج التحول الوطني يُطلق تقرير إنجازاته حتى نهاية عام 2024    كوكب أورانوس يصل إلى الاقتران الشمسي اليوم    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 125 شهيدًا    الأهلي يُعلن بقاء يايسله لنهاية عقده    الإحصاء تنشر إحصاءات النقل الجوي 2024    من أعلام جازان.. الشيخ علي بن ناشب بن يحيى شراحيلي    "الأرصاد" تحذر من تدنٍ في مدى الرؤية بمعظم مناطق المملكة    صحفيو مكة المكرمة يبحثون الدراسات الإعلامية بالحج    سمو ولي العهد يعزي رئيس جمهورية الأوروغواي الشرقية في وفاة رئيس الجمهورية الأسبق    حصر الحراسات الأمنية في 8 أنشطة على وقت العمل    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    في ختام الجولة 32 من دوري روشن.. الأهلي يقسو على الخلود.. والأخدود على شفا الهبوط    الألماني يايسله يعلن رحيله عن الأهلي    "تقنيات الجيوماتكس" تعزز السياحة في السعودية    25 موهوبًا سعوديًا يتدربون في فنون المسرح بلندن    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    ترمب.. الأمريكي المختلف!    ترمب يؤكد التواصل مع الرئيسين لوقف الحرب.. الكرملين يربط لقاء بوتين وزيلينسكي بالتوصل لاتفاقيات    حراك شعبي متصاعد واحتجاجات في عدة مدن.. سحب الثقة من حكومة الوحدة يضع ليبيا في مفترق طرق    "الداخلية" تحذر من حملات الحج الوهمية    تستهدف طلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة .. التعليم: اختبارات «نافس» في 8 مدارس سعودية بالخارج    ترحيل 11.7 ألف مخالف وإحالة 17 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    وصول التوأم الملتصق الفلبيني إلى الرياض    لأول مرة.. تشخيص الزهايمر بفحص عينة من الدم    «تنمية شقراء» تُكرّم داعمي البرامج والمشروعات    المملكة تجدد رفض تهجير الفلسطينيين والاعتداءات الإسرائيلية على سورية    أباتشي الهلال تحتفل باللقب أمام الاتحاد    أخضر الصالات يتجاوز الكويت ودياً    انفجار قنبلة بالقرب من مركز للصحة الإنجابية في كاليفورنيا ومقتل شخص    الذهب يسجل أسوأ أسبوع في ستة أشهر مع انحسار التوترات التجارية    تضارب في النصر بشأن مصير رونالدو    تأكيد ضرورة توحيد الجهود للتغلب على التحديات في المنطقة العربية وإرساء السلام    مستشفى الملك فهد الجامعي يطلق أربع خدمات صيدلية    قلب الاستثمار.. حين تحدث محمد بن سلمان وأنصتت أميركا    فهد بن سعد ومسيرة عطاء    قمة بغداد: تنديد بالحرب والحصار في غزة وعباس يدعو لنزع سلاح حماس    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد القيسي الشاعر الجوال يخونه قلبه
نشر في الحياة يوم 29 - 07 - 2003

الشاعر الذي يتمظهر في مرآة نفسه ووقائع حياته وتجليات إبداعه، وينعت نفسه عن حق بالمشّاء والجوال، والذي طوّف في عواصم الدنيا شرقاً وغرباً، ذهاباً وإياباً، وأقام في الكثير منها ودائماً على نية مفارقتها، توقف أخيراً عن معهود عاداته ووقع فجأة في ما لم يحتسب، وفي ما يجهل حتى الآن.
إنه محمد القيسي الذي لم يصرفه شيء أو سبب عن مزاولة الشعر، وتقريباً كمهنة واحتراف، سوى الغيبوبة الدماغية التي غشيته ظهيرة السبت 19 تموز يوليو الجاري في عمان، وكان يستعد لإحدى سفراته المتعاقبة الى دمشق، والتي تشكل تعويضاً موقتاً عن السفرات البعيدة الطويلة التي كانت تطربه.
لا يعرف القيسي بما ألم له، وليس بالوسع وربما ليس من الكياسة إبلاغه بالذي أصابه، وهو الملهوف دائماً على التقاط أخبار الأصدقاء والزملاء والأقربين والأبعدين، والضنين بالوقت فلا ينفقه إلا لإيقاد "الشعلة": بالقراءة والكتابة، ومشي الأماسي الصيفية في حي الشميساني وسط الحشود اللاهية وبين تزاحم المقاهي، وغالباً وحيداً يطارد "أماني عذاباً" من أطياف القصائد التي يراود مطالعها وبعضها أناشيط في حب امرأة أخيرة، الى جانب شقائه في كتابة رواية "الحدائق العارية" بعدما أصدر الرواية الأولى "الحديقة السرية" ولم يُنه بعد الثانية، وكان نشر قبل أسابيع فصولاً منها في الملحق الثقافي ل"الدستور" الأردنية، وبينما تناولت الأولى حكاية حب عنيف بين رجل وامرأة ليسا في مقتبل العمر، ويدفعهما سحر الحب للترحال ومطاردة أحدهما للآخر من عاصمة لأخرى، فإن الرواية الثانية تخوض في حدائق حب متعددة لرجل واحد...
ظل القيسي على مدار أربعين عاماً، هي عمر عطائه حتى الآن، وفياً لقلبه ومراهناً عليه حتى في تحولات وتقلبات هذا الخافق المشبوب، بل خصوصاً مع هذه التحولات، وهو ما يعكسه شعره الرقيق الشفاف الذي يؤرخ للكمائن اللطيفة، ولاستغراقه في جماليات الحب والحياة مؤاخياً بين نجوى القلب ومرارة فقدان الوطن الأول، بغير ما حاجة للتجسير بين هذا وذاك. ذلك أن شعره الغزير نحو ثلاثين ديواناً ينطق بظلال الفقد الداكنة، كما بإيماضات "البشارة" التي لا تني تنبعث من هنا أو هناك. فإذا بالقلب الذي طالما أخلص وأصغى له يخونه بغتة... وأي خيانة. وهو الذي طالما رأى الحديث في الأمراض والمرضى حديثاً نافلاً ومملاً، لا يستحق إعارته أذناً صاغية، حتى لمن كان يقترب واثق الخطوة حثيثاً من إتمام عقده الخامس، مثله. حتى انه يأخذ على بعض مجايليه، كما أسر لي مرات عدة، وقوعهم السهل فريسة العوارض والمتاعب الصحية. وتفسيره لذلك أنه لو كان تعلقهم بالقراءة والكتابة والتأمل أصدق وأعمق، لطردوا عنهم بغير عناء أشباح المرض، وحالوا بينها وبين النيل منهم. وبهذا يرى في الإبداع دريئة ووقية من العلل.
وقد أقام على هذه القناعة متمتعاً بالنضارة ورخاء النفس وبقامة ممشوقة منتصبة، الى أن كان يوم "سقوط بغداد". لقد أدمته تلك الواقعة وتسببت يوم 9 نيسان ابريل في أول وأخطر نوبة ارتفاع في ضغط الدم، أصابته وحملته الى المشفى في حال حرجة، سرعان ما برأ منها. وقد عبّرت له أثرها عن ضرورة التهدئة ومعاينة "تعقيد المشهد" وبدا انه يميل الى الاقتناع، لولا أن وهناً بدأ يعتريه منذ ذلك الصباح التلفزيوني، فجعل ينعطف أحياناً الى حديث عابر عن الموت، حديث لا يجيده ويبدو غريباً عن مألوف قاموسه، وناشزاً عن مزاجه... وقد يسيء الى سمعته أمام نفسه!
كان يؤاخذ نفسه على هذا الانحراف غير المعهود نحو التطير، وهو الذي تغص مخيلته بمغامرات الترحال وأطياف سحن النساء من مختلف الأعمار، وبمشاريع القصائد التي قد تصلح أو لا تصلح لتضمينها في روايته التي ينكب على تسويدها.
ولما كانت الحياة في ناظريه تحفل بمظاهر أو صوقائع الخيانات من كل صنف، وعلى المستويات الشخصية والسياسية والثقافية، فقد آثر كما أفضى في مقابلة صحافية أخيرة اللجوء الى عزلة اختيارية، انصرف الى تلوينها وتأثيثها بمنمنمات القصائد المتناسلة والمشاهد الروائية وغير الروائية الغزيرة، في انتظار وعد ما يخرجه من الكرب. فإذا بالوعد: خيانة القلب "الذي لم يطق اصطباراً".
من يسعه من أصدقائه وقرائه أن يصلي فليفعل، برجاء نجاة شاعر كريم ملأ إبداعه مساحة واسعة ومهمة من أفق الإبداع، على مدى أربعة عقود بغير انقطاع، ونَمَت في ظلاله وعلى جنباته أجيال من مبدعين شبان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.