نعرف اميل زولا، لكن هل نعرف زوجته؟ بعد مئة سنة على رحيل الكاتب الفرنسي، تصدر اليوم سيرة زوجته ألكسندرا اميل زولا بتوقيع الباحثة الأدبية ايفلين بلوخ دانو. هنا قراءة في الكتاب: كانت بنتاً مولودة من علاقة غير شرعية، وكان اسمها غابرييلا ميلاي، قبل أن تتزوج الكاتب الفرنسي المشهور في القرن التاسع عشر، أميل زولا، ليصبح اسمها الكسندرا إميل زولا. كانت معروفة قبل زواجها، بهيئة تلك الفتاة الشابة التي زينت معظم لوحات الرسام المشهور سيزان" كانت موديله الدائم، وهو الذي قدمها الى صديقه الكاتب، زولا، في العام 1865. بعد زواجها، تغيرت حياة تلك الفتاة، الطائشة بعض الشيء، لتتحول إلى سيدة تحتفي بضيوفها، وتقوم بكل ما يتطلب أن تقوم به سيدة تنتمي الى الطبقة الراقية، البورجوازية الكبيرة. ذلك ما نقرأه في السيرة الممتعة التي كتبتها الباحثة الأدبية ايفلين بلوخ دانو Evelyne Bloch DanoMadam Zola, Verlag Artemis & Winkler, Dںsseldorf، بمناسبة الاحتفال بمئوية موت اميل زولا، التي نتعرف من خلالها ليس على حياة الكسندرا زولا فقط، إنما على خلفية الحوادث السياسية والاجتماعية والثقافية للنصف الثاني من القرن التاسع عشر، وعلى حياة الفنانين وناس الطبقات العليا في باريس وفي الريف أيضاً. بل نتعرف حتى على قائمة أصناف الوجبات الغذائية التي كانت تُقدمها عائلة زولا لضيوف المساء. ميل الزوج الى الأكل الشهي، سيجعلهما يعانيان مرض الشحمة. أية شخصية قوية امتلكت الكسندرا؟ تسأل الباحثة، فهي تركت بصماتها في كل شيء، كل شيء بُني تحت إشرافها: الديكور الداخلي لشقتهما في باريس، البيت الريفي في "ميدان"، التحف والأثاث القديم الفخم. أدموند دي غونكور، الصديق الذي يراقب كل شيء بعين متفحصة، يرى زولا مثل "شاب كبير، بطفولة ساذجة، مستعبد من قبل وضعه اليومي، مثل دجاجة تضع بيضها: في النهار يكتب مئات السطور، وفي المساء لا يعرف غير لعب الدومينو مع زوجته وزيارة بعض ناس الريف". يعرف أن الكسندرا تنجح بصنع الدفء المنزلي له، الهدوء، كل ما يحتاج اليه للعمل، حتى أنها تصاحبه في رحلاته للبحث عن الكتب التي يحتاج اليها. "أنها تؤمن به من دون قيد أو شرط، ولكنها على رغم ذلك تقف أمامه مثل شريكة منافسة تدس أنفها في أعماله أيضاً. انها مشاغبة"، يسخر غونكور، "بالتأكيد لن تكون ملهمة فنه، لكن بعضاً من ملامحها موجود دائماً في شخوص أعماله". هذه الصورة التي تبدو متناسقة جداً لا تخلو من الانكسارات أحياناً. فألكسندرا التي غيرت اسمها بعد الزواج، فعلت ذلك في الحقيقة لأنها أرادت أن تنسى، أنها عندما كانت شابة سلمت طفلتها بعد ولادتها مباشرة إلى دار الأيتام. طفلة من 76 ألف طفل تقريباً سُلموا في العام 1859 لما كان يُطلق عليها "دائرة العناية العامة" في باريس، من جانب أمهاتهم، اللواتي كن غالباً خادمات، أجيرات، خياطات..ألخ، لم تنجح بتحرير نفسها من عقدة الذنب إلا بصعوبة، لأن طفلتها ماتت بعد تسليمها بثلاثة أسابيع. الذكرى كانت تُثقل عليها وعلى زواجها، الذي ظل بلا أطفال. "ولادة الأعمال بالنسبة اليه أكثر تفضيلاً من ولادة الأطفال"، كتب زولا وهو يصف شخصيته الرئيسة في التخطيط الأول لرواية "الورشة". الكسندرا كانت تعاني بسبب عدم قدرتها على الإنجاب، وربما كانت أمراضها الغامضة وحالات الضعف والإغماء، التي حاولت علاجها عن طريق فترات نقاهة طويلة نسبية في مشافي إيطاليا على البحر، هي السبب في ذلك. في سن الخامسة والأربعين، وفي قمة نجاحه، يتعرض اميل زولا إلى أزمة وجودية: العمل والأدب التهما حياتي. معاناة، أزمة، كم أنا بحاجة الى ان أكون محبوباً". هل كان ذلك سبب اتخاذه عشيقة له؟ لا أحد يعرف، لكننا نعرف أن الكسندرا علمت بعد ثلاث سنوات من كتابته تلك الجملة، أن عند زوجها عشيقة وطفلين صغيرين. وبدل أن تعترض وترمي به خارجاً، توافق على حياته المزدوجة، على رغم أنها لن تسامحه أبداً، حتى عندما تحب هذين الطفلين لاحقاً، وتهتم بعنايتهما، وتمنحهما اسم الأب بعد وفاته. ربما تفوقها الأخلاقي عليه، هو سر قوتها، وهو ما يجعلها تكون حرة أكثر في الوضع الجديد، أقوى، حتى أنها تبدأ ببناء حياتها الخاصة بها، وتشرع برحلات طويلة، ولكن عندما يتعرض زولا لقضية "دريفوس" المشهورة في العام 1897 تتضامن معه وتقف إلى جانبه حتى اللحظات الأخيرة. إذ قادته الرسالة المفتوحة "أنا أدين" التي وقف فيها إلى جانب المحكوم عليه، المتهم بالخيانة "دريفوس"، إلى المنفى، قبل أن يُعاد الاعتبار إليه ويرجع إلى فرنسا من جديد. وطوال فترة نفيه، لم تواظب الكسندرا على كتابة الرسائل له يومياً فقط، إنما أخذت على عاتقها تنظيم شؤونه المالية والتفاوض مع الناشرين والعناية بكل ما له علاقة بعمله الأدبي، بشهرته. الواجب هذا، واظبت عليه الكسندرا أيضاً 25 عاماً بعد وفاة زولا المفاجئة في 1902. حياة غنية وبورتريه رجل وامرأة كان عندهما ما يكفي من الأمور المشتركة، لكي يفهما بعضهما بعضاً، وكانا مختلفين بما فيه الكفاية، لكي يحب أحدهما الآخر. مرة أخرى نعرف أنه فعلاً وراء كل رجل عظيم امرأة!