قصيدة غازي القصيبي في رثاء سعاد حسني استقبلت باهتمام كبير في السعودية وخارجها، ليس لأنها قصيدة عظيمة فالقصيبي كتب أجمل منها في الرثاء وفي غيره من فنون الشعر، بل لأنها كما قال الزميل محمد فرحات: "اعتراف شعري بالتقارب بين المبدعين"، ودليل على "أن وفاة نجمة سينمائية كبيرة يعادل في الأهمية حدثاً وطنياً يستفز الشاعرية"، فضلاً عن أن القصيدة غريبة على الساحة الثقافية العربية، إذا استثنينا المصريين، وجريئة في موضوعها على شاعر ينتمي الى مجتمع يستمتع بالفن، لكنه يمارس الإشادة به في الخفاء، ويستحي من الاعتراف به، وربما يحرّم بعض صوره. المثقفون المصريون وحدهم لا يعانون هذه الإشكالية، أما بقية الكتّاب والشعراء والمثقفين في العالم العربي فهم لا يختلفون عن الإنسان العادي في نظرتهم المتحفظة إلى الفنانين والفنانات، وترفعهم عن الكتابة في قضايا الفن وخجلهم من معرفة الفنانين والظهور معهم، باعتبار أنهم من طبقة النبلاء وموظفي "الميري"، والفنانين من طبقة "العوالم"، و"الداشرين". هذا الموقف من الفن والفنانين بدأ يتغير الآن عند النخب العربية، وقصيدة الشاعر غازي القصيبي مؤشر مهم إلى هذا التغير، وأصبح من المألوف الآن أن ترى الشاعر والناقد والصحافي وأستاذ الجامعة والسياسي لا يجد حرجاً في قبول دعوة الى الاشتراك مع فنانة وممثلة في برنامج تلفزيوني للحديث عن قضايا المجتمع، والسياسة، وربما نظر إلى هذه المشاركة على أنها تلميع لصورته الاجتماعية. قصيدة القصيبي أعادت إلى الذاكرة رحيل الفنان طلال مداح، الذي توفي في شكل درامي مفجع، وسقط على المسرح وهو يغني، وعلى رغم ذلك مر موته على عدد كبير من الصحافيين والكتاب والأدباء والشعراء والنقاد السعوديين مرور الكرام. وهذا التجاهل المقصود سببه أن طلال في نظرهم مطرب، والمطرب في الثقافة الاجتماعية لا يحسب على أهل الثقافة والإبداع، وصنعته غير معترف بها عند بعضهم، ومحرمة عند بعضهم الآخر، على رغم أن الجميع يستمتعون بها، لكنهم يخجلون من التصريح بهذا علناً أو يخافون.