بعض الهدايا يتجاوز بعده الرمزي ويتحول الى تحف نادرة، وهذا ما يتجسد في القطع المعروضة اليوم في «معهد فنون صياغة المجوهرات» التابع لدار «فان كليف» Van Cleef الفرنسية في باريس، الدار العالمية للمجوهرات الفاخرة. أُسس هذا المعهد عام 1912 ويقع في ساحة فاندوم الشهيرة، حيث توجد أعرق محلات المجوهرات الفاخرة والأزياء. أما القطع التي تطالعنا في المعرض فهي في الأصل من مجموعة الأمير صدر الدين آغا خان المتوفى عام 2003، وكانت جزءاً من الهدايا التي قدمها لزوجته كاترين عليا سرسق المولودة في الإسكندرية، وكان قد تزوجها عام 1972 وبقي مقترناً بها حتى وفاته بمرض السرطان. ومعروف عن الأمير أيضاً أنه شغل منصب المفوض السامي لشؤون اللاجئين في منظمة الأممالمتحدة، كما أنه كان من هواة اقتناء تحف الفنون الإسلامية وكان يملك مجموعة نادرة منها نشاهدها اليوم في متحف الآغا خان للفنون الإسلامية في مدينة تورونتو الكندية، ويعد من أجمل متاحف كندا بعمارته ومجموعاته الفنية. وبسبب مستواها الرفيع، كان لا بد من أن تخرج هذه الهدايا الى الضوء حتى يتعرف إليها الجمهور بخاصة أنها تعكس براعة تقنية كبيرة. قطع صغيرة صنعت خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي وكانت تستعمل إما لحفظ مساحيق التجميل وأحمر الشفاه أو السجائر... تنتمي هذه التحف المصاغة بحرفية عالية على أيدي أهم مصممي المجوهرات الفرنسيين الى أسلوب فني كان يعرف «بالآر ديكو» Art Déco وهو أسلوب ولد في باريس وانتشر عالمياً خلال مرحلة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. ولهذه التحف أيضاً معان اجتماعية، فهي تعكس التحول الكبير الذي طرأ على حياة النساء الغربيات البورجوازيات في هذه المرحلة إذ صرن يعشن بحرية حياتهن الاجتماعية: يخرجن الى الأماكن العامة والمسارح والملاهي ويدخنّ السجائر ويمارسن رياضتَي التنس والغولف ويقدن السيارات. ويعكس العديد من الأعمال الفنية والأدبية هذا التحول في حياة النساء ومنها رواية «غاتسبي الكبير» للأديب الأميركي سكوت فيتزجيرالد والتي شاهدناها أيضاً كفيلم سينمائي، وتدور أحداثها في العشرينات من القرن الماضي في مدينة نيويورك الأميركية. في هذه المرحلة أيضاً، كان الفنانون الفرنسيون والغربيون ينهلون من فنون الحضارات الشرقية. وقد تجلى ذلك في كل الأشكال الإبداعية. وتتجسد في المفردات الزخرفية المعتمدة في التحف المعروضة مؤثرات فنية آتية من الصين واليابان والفنون الإسلامية. ولا بد من التذكير بأن هذا الافتتان بالشرق، طالعنا أيضاً في مختلف الفنون ومنها التشكيلية والنحت والأزياء. وعلى سبيل المثل، كان فنسنت فان غوغ وكلود مونيه من عشاق الفنون اليابانية، أما هنري ماتيس فقد نهل من الفنون الإسلامية منذ رحلته الشهيرة الى المغرب عام 1912. في الواقع، كان الفنانون الغربيون منذ القرن التاسع عشر يبحثون عن كل ما يمد مخيلاتهم بروافد جديدة. وقد تواكب ذلك مع اكتشاف الغرب للحضارة الفرعونية وغيرها من حضارات الشرقين الأوسط والأقصى. ويجمع المشرفون اليوم على معرض مجموعة الأمير صدر الدين آغا خان على أن هذه المجموعة هي بالفعل فريدة من نوعها في مجالها، وتختصر حسه الجمالي وذائقته الفنية وانفتاحه على مختلف الفنون والحضارات شرقاً وغرباً. وبعد باريس، ستنتقل هذه المجموعة الى المانيا ومن المتوقع ان تعود الى باريس لتعرض بكاملها في متحف الفنون الزخرفية الملاصق لمتحف «اللوفر».