تنتشر عمليات التجميل الى درجة دفعت علماء نفس واجتماع الى إعداد دراسات وبحوث حول سر الظاهرة التي لم تعد محصورة ببلد معين أو طبقة اجتماعية، بل تكاد تتحول الى سلوك شبه عادي عند غالبية نساء العالم الى حد ما والرجال. ولعل هذا ما دفع التلفزيون السويدي لإجراء بحثه الخاص عبر تكليفه مجموعة مراسلين من بلدان معينة اختيرت لأسباب لها علاقة مباشرة بالموضوع الذي مهّد له معدوه بعرض نتائج دراسة حديثة قام بها علماء من الولاياتالمتحدة، أظهرت أن الجمال يوفّر لصاحبه فرص عمل أفضل ويقطع جزءاً من المسافة المطلوبة لتحقيق الشهرة الى جانب ما يضفيه من ميزات على الشخصية، إذ يبدو الأشخاص الذين يتحلون بالجمال أكثر ذكاءً ووجودهم يولد شعوراً بالارتياح عند الآخرين. ولكثرة ما يعطي الجمال الخارجي لأصحابه مزايا يطرح سؤال نفسه حول جدوى الحديث عن الجمال الداخلي في عالم لا يتعاطى إلا مع المظهر الخارجي؟ لسنوات متتالية تربعت حسناوات فنزويلا على عرش ملكة جمال العالم، وكان من المنطقي ان يتوجه البرنامج الى هناك ليعرف كيف يتعامل الناس مع الجمال ونظرتهم لعمليات التجميل. ومن حسن حظ معديه أن ملكة جمال العالم السابقة روني سوتو، وافقت على الحديث عن تجربتها في هذا المجال، وقالت للبرنامج: «ملكة الجمال مفخرة للوطن، وبفضل فوزي وعدد آخر من بنات بلدي صار العالم كله يذكر فنزويلا ويمتدح كمّ الجمال المتوافر فيها. وعلى المستوى الشخصي أعطاني الجمال الشهرة والمال وبالنسبة الى من أردنَ دخول عالم الفن كان الجمال والمشاركات في مسابقاته بمثابة بطاقة الدخول اليه». في جولاته داخل العاصمة كراكاس لاحظ مراسل التلفزيون السويدي اهتمام الفنزويليات بجمال أجسادهن ووجوههن ومن المقابلات التي أجراها مع عدد منهن توصل الى استنتاج واضح: النساء في هذا البلد مهووسات بالمظهر الخارجي وغالبيتهن أجرين عمليات تجميل وبعضهن لأكثر من مرة وتكاد كل واحدة منهن بغض النظر عن مستواها الثقافي والاجتماعي تحلم بتوافر المواصفات الجمالية المثالية لديها. قاد الاستنتاج الصحافي بنغت نوربوغ للذهاب الى أكاديمية الفنون الجميلة وسأل عن «الجمال المثالي» وكان جواب بعض الأساتذة: «تجده في نماذج الدمى الخاصة بعروض محلات بيع الملابس». لقد اتضح أن فنزويلا من أكثر بلدان العالم تصديراً لنماذج العرض الصناعي وأن القياسات المستخدمة فيها تكاد تتطابق مع الموصفات الجمالية الحديثة المبتعدة عن اليونانية القديمة ومثالها «فينوس». أما على المستوى الاجتماعي فتقدم البلاد نموذجاً جديداً يجمع بين النزعة التحررية للمرأة التي ظهرت في ستينات القرن العشرين ومتطلبات الجمال الحديثة مع أن غالبية العائلات الفقيرة ما زالت تراهن على تعليم أولادها وإيصالهم الى الجامعات. فهذا أكثر ضماناً لمستقبلهم من الجمال واشتراطاته التي يعجزون عن توفيرها، ما سيقود البرنامج للذهاب الى الولاياتالمتحدة حيث المنافسة هناك شديدة لدخول عالم الجمال وما يوفره من امكانات للحصول على فرص عمل مثالية، ما يضفي على المتبارين للفوز بها طابعاً طبقياً محصوراً بالفئات الميسورة والتي تغذي أولادها ومن صغر سنهم حليب «الجمال». رافق البرنامج الطفلة كلوي سميث المشاركة في اختبارات عروض الجمال التي تقيمها احدى شركات الموضة والأزياء لتحديد «ملكات» المستقبل واللواتي يمكن أن يصبحن عارضات أزياء أو يدخلن عالم السينما والتلفزيون. يُصدم المراسل الصحافي بتكلفة المشاركة الباهظة في تلك المسابقات والتي لا يمكن توفرها إلا عند الأغنياء وبالتالي فالمسابقات تكاد تنحصر بهذه الطبقة التي تجبر بطريقة غير مباشرة أطفالها على زجهم في عوالم ليسوا مهيئين لدخولها والتي كثيراً ما تسبب لهم خللاً نفسياً لا يظهر إلا في مراحل متقدمة وحين ينضجون. وإذا كان توافر الجمال عند بعضهم يقودهم الى أوضاع نفسية غير مريحة فكيف بالنسبة الى الذين لم تحظ أجسادهم بالاكتمال وبعضها قد يكون عاطلاً عن تأدية وظائفه؟ سؤال محير وجد البرنامج الجواب عنه في مشروع فني مغاير يقيم في سويسرا مسابقة خاصة لملكة جمال ذوي الاحتياجات الخاصة وتشترك فيه شابات يتمتعن بقوة الشخصية من بينهنّ ياسمين ريخشتر التي قبلت بصنع دمية مطابقة لجسدها «المعوق» وتم عرضها في واجهات محلات بيع الملابس لمعرفة رد فعل الناس عليها، كما أنها شاركت في مسابقة الجمال وفازت فيها. وعن تجربتها تقول: «لا ينبغي للاعاقة الجسدية أن تعطل طموحات الإنسان وتحدّ من نشاطه، فالجمال الداخلي يضاهي الخارجي ويفرض نفسه على الآخرين، فكما للجمال الصناعي وعمليات التجميل قوة فللروح وجمالها قوة تضاهيها». ما يتوصل اليه المراسلون يفيد بأن عمليات التجميل في ازدياد وأن مقاييس الجمال ستتغير وفق تطور العمليات الجراحية ونجاحها وأن العالم بأسره تقريباً متجه لقبولها والتعامل معها كواقع لا يمكن الوقوف في وجهه.