في أيلول (سبتمبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) 1971 أعدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» تقريراً سرياً في أعقاب مؤتمر جدة الذي عقد حينذاك بوساطة مصرية - سعودية لتسوية الخلاف ورأب الصدع بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الأردنية. هذا التقرير صدر حديثاً في كتاب، للمرة الأولى عن دار نلسن (بيروت) وقد أعدّه وقدم له الكاتب محمود شريح. ويوضح شريح أنه كان وقع عليه زمن وجوده في حركة «فتح» في مكتب إعلامها آنذاك في بيروت واحتفظ به حتى اليوم حين وجد أن في نشره ضرورة لدارس العلاقات الفلسطينية - الأردنية. ففي أعقاب المواجهة العسكرية بين حركة المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني خلال شهر أيلول 1970 جرى توقيع اتفاق القاهرة في إشراف جمال عبدالناصر وحضور الملك حسين وياسر عرفات لوضع أسس لوقف القتال بين الجانبين وإيجاد سبل التفاهم بينهما. ثم تلى ذلك توقيع اتفاق آخر عرف باسم اتفاق عمان كان أشبه باتفاق تنفيذ للاتفاق الأول، إذ إنه حدد أماكن وجود المقاومة الفلسطينية وأساليب عملها، إلا أن إثر معركة أحراش جرش في تموز (يوليو) 1971 انتهى وجود المقاومة الفلسطينية في الأردن وألغت الحكومة الأردنية من جهتها فعلياً اتفاقي القاهرة وعمان. ثم نشأت وساطة مصرية - سعودية كان هدفها إعادة التفاهم بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الأردنية لضمان عودة العمل الفدائي الى الأردن من جديد. وأسفرت هذه الوساطة عن عقد مؤتمر باسم «مؤتمر جدة» أو «وساطة جدة». وعقد هذا المؤتمر على مرحلتين: بدأت المرحلة الأولى في 15/9/1971 وانتهت في 24/9/1971 بالفشل. وبدأت المرحلة الثانية في 8/11/1971 وانتهت بعد فترة تأجيل في 26/11/1971 وانتهت بدورها الى الفشل. ثم أعقبها في 28/11/1971 اغتيال وصفي التل، رئيس وزراء الأردن آنذاك، في القاهرة على يد ثلاثة شبان فلسطينيين ينتمون الى منظمة «أيلول الأسود». فانتهت بذلك محاولة إعادة الحوار بين منظمة التحرير والحكومة الأردنية. وفي المرحلة الثانية من المؤتمر وافق الوفد الفلسطيني، بتفويض من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، على البحث في تعديل اتفاق عمان بما لا يمسّ جوهره، على ألا يعني هذا التعديل وضع اتفاق جديد. وتم ذلك بالفعل، لكن الوفد الأردني أصر على تعديل بند يتعلق بحق منظمة التحرير في أن تكون ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني أين ما وُجد فلسطينيون. وهو ما رفض الوفد الفلسطيني القبول به، على رغم أنه قدم للوفد الأردني تنازلات أخرى طالب هذا بها. وعند هذه النقطة فشلت المفاوضات. في المرحلة السابقة من مفاوضات جدة التي امتدت من 15 الى 24 أيلول 1971، فشلت الجولة عند نقطة محددة، هي إصرار الأردن على رفض اتفاق عمان، المنبثق عن اتفاق القاهرة، والدعوة الى إعادة النظر في بنوده، وبالتالي صوغ اتفاق جديد، بينما كان الوفد الفلسطيني يصرّ بالمقابل على التمسك باتفاق عمان، والتمسك بورقة العمل السعودية - المصرية التي تنطلق من اتفاق القاهرة، ومن اتفاق عمان أيضاً رافضاً البحث باتفاق جديد، طارحاً البحث بقضية التنفيذ فقط. وكان تجدد الوساطة مرهوناً بتغيّر موقف طرف من الأطراف الثلاثة: النظام الأردني، أو المقاومة، أو الوساطة نفسها. هل يعود النظام الأردني للقبول باتفاق عمان؟ هل تقبل المقاومة التنازل عن اتفاق عمان؟ أم هل تضغط الوساطة على أحدهما ليعدّل موقفه؟ هذه الأسئلة يجيب عنها الكتاب الذي ضمّ الوقائع السرية لمؤتمر جدة، والذي يلقي ضوءاً على تلك المرحلة الشائكة في مسار الحركة الفلسطينية.