في تقرير إخباري عن دعوة المستهلكين في الكويت للامتناع عن شراء الطماطم، قالت إحدى المتسوقات العربيات إنهم يسمونها «برنسيسة» الخضار، لأهميتها ومكانتها بينهم، أي أنها أميرة الخضار عندهم، والغالب عند معظم سكان المعمورة. هذه الأميرة دخيلة على العالم، فهي حتى قرنين لم تكن معروفة سوى في موطنها الأصلي أميركا الجنوبية وتحديداً بيرو، إذ كانت تنمو في المنطقة الواقعة بين بيرو والمكسيك، نقلها الإسبان إلى أوروبا، ومنها توزّعت إلى البلاد الأخرى. سياسياً يمكن اعتبار غزو الطماطم للعالم بمثابة الرد على الغزو الإسباني والبرتغالي للقارة اللاتينية التي عاشت تحت الاستعمار، وهو الغزو غير العسكري الذي حقّق الانتشار الأعلى، إذ وصلت إلى كل المعمورة بسلام، داخلة البيوت من أبوابها. اقتصادياً هي المنتج الأول على أية ورقة «مقاضي» يحملها الزوج، وأخيراً على قائمة الرسالة الهاتفية، وفي «أوروبا والدول المتقدمة»، لا يوجد اختراع اسمه «ورقة المقاضي» أو رسالتها، لأن ربات البيوت يقمن غالباً بالتسوق اليومي أو الأسبوعي، مرددات المقولة المصرية الشهيرة: «العلم في الراس مش في الكراس». أيضاً اقتصادياً لها علاقة وثيقة بسوق الأسهم السعودية، إذ إنها تبدأ خضراء، ثم تحمر تدريجياً، حتى يطغى اللون الأحمر عليها، فتصبح جاهزة للحصاد، مثلها مثل كثير من مدخراتنا واستثماراتنا عندما كنا «مسوين فيها فاهمين» نترزز في صالات الأسهم، ونتعارك مع نسائنا وأطفالنا حول ألوان «رشة» البيت الذي سنشتريه، وألوان السيارات الثلاث التي سنقتنيها واحدة للأب، وأخرى للعائلة، ووانيت «المقاضي»، والتي كانت وما زالت على رأسها الطماطم. ثقافياً غالبنا يعلم أن الطماطم كانت تزرع للزينة، ولم تكن تزرع للأكل، إذ كانت تعتبر نباتاً ساماً، إلى أن ثبت للأوروبيين عدم صحة كونها سامة. فانتشرت المطاعم التي تتفنن في طبخها، بمعنى أنها حبست البشر، في أميركا اللاتينية على الأقل ولآلاف السنين في معتقدات وخرافات وأوهام، ثم اكتشفوا وبمحض الصدفة وعن طريق الآخرين أنها غير سامة، ألا يذكّركم هذا الأمر بموضوع أو بمواضيع كثيرة مرّت على الأمة العربية؟... ربما. وثقافياً هي انضمت إلى صور غيفارا وروايات غابرييل غارسيا ماركيز في دخول بيوت المثقفين، خصوصاً من أصحاب «الدخول» المنخفضة، أو أولئك الذين يمكن إدخال الأفكار إلى رؤوسهم، لكن يصعب أو يستحيل إخراجها، كما أنه يمكن أن تكون بعكس التمر والرطب، إذ يمكن اعتبارها «خضار الغني وفاكهة الفقير» حتى استعار أسعارها. مؤشر سعر الطماطم اشتعل في المنطقة، وأصبحت العدو الأول لجيوب الناس، فهل نعرف عدونا حقاً؟ [email protected]