ثمة سؤال يتوارد للخاطر، بعد قمة بيروت الثلاثية التي جمعت الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيسين السوري بشار الأسد واللبناني ميشال سليمان، هل ستؤدي القمة إلى إحداث تغييرات في مواقف ومواقع الأطراف تجاه الوقائع والأوضاع والأحداث التي تعيشها المنطقة في هذه اللحظة، وتلك المتوقع حصولها في المستقبل القريب؟ أم أن الأمر لن يكون أكثر من توافقات موقتة لا تلبث أن تتزعزع لحظة وضعها على محك الاختبار، وانكشاف تناقضها مع المصالح ولاعتبارات الحاكمة للحراك السياسي في مشهد الشرق الأوسط؟ وقائع عدة تدفع بهذا التساؤل، غير المريح، إلى الواجهة السياسية. فبعيداً عن الصورة شديدة التفاؤل التي نقلتها وسائل الإعلام، ثمة جملة من المسائل بقيت أجوبتها غامضة وضبابية، خصوصاً تلك التي تشغل المواطن العادي (الذي من المفترض أنه المقصود بتلك القمة باعتباره فتيل ووقود أي نزاع قد تشهده الساحة اللبنانية)، والذي تعرض في الآونة الأخيرة إلى تأثيرات إعلامية وتعبوية خطيرة، جعلته في أحسن الأحوال مستنفراً، وجعلت الشارع اللبناني برمته، وربما الشارع المشرقي والعربي، يعيش لحظة انتظارية صعبة، ومن هذه المسائل: - ما هو مصير المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكيف سيتم التعامل مع قراراتها، في ظل وجود استجابتين مختلفتين تجاهها: الأولى تعتبرها مرجعاً قضائياً يتوجب الالتزام بحيثيات قراراتها، والثانية تحكم وفي شكل مسبق بالبطلان على كل ما سيصدر عنها؟ - ماذا لو أن القرار الظني اتهم، صراحة، عناصر من «حزب الله»، على ما جرى تسريبه في الأيام والأسابيع الماضية، هل جرى التوافق على أن يلتزم الحزب تسليم تلك العناصر، والقبول تالياً بقرار المحكمة وحيثياته؟ - وماذا لو لم يلتزم الحزب بنتائج القرار الظني، عندها كيف سيتصرف تيار «المستقبل» تجاه قاعدته أولاً وتجاه المتغير المستجد في الحياة اللبنانية. - والدولة اللبنانية، صاحبة الاختصاص الأساسي في معالجة مثل هكذا حالات، والممثلة هنا بالمرجعيات القانونية والسيادية، كيف تكون استجابتها إزاء هذه التطورات، هل ستعمل على إنفاذ قرار المحكمة بأدواتها السيادية، أم أنها ستترك الأمر يتفاعل داخل الأطر والمؤسسات الدولية ذات الاختصاص، فتجد نفسها إزاء حالة معقدة تجاه مكوناتها الوطنية؟ - ماذا سيكون موقف المملكة العربية السعودية وسورية في حال حدوث تطورات معينة على الساحة اللبنانية، هل نشهد حينها عودة للاصطفافات القديمة التي ميزت الوضع في لبنان على مدار سنوات سبقت، أم ثمة مقاربة أخرى للموقف تتشكل على أسس جديدة ومغايرة، بنفس الآن، لمواقفهما ومواقف حلفائهما الإقليميين والدوليين، وماذا سيكون موقف إيران ومصر وفرنسا والولايات المتحدة، باعتبار ما لهذه الأطراف من علاقة بالملف اللبناني. مما لا شك فيه، أن الاجتماع الثلاثي يبقى حدثاً مهماً واستثنائياً لما ما للطرفيين السعودي والسوري من ثقل في الملف اللبناني، ومن نافلة القول إن هذا الحضور سينعكس على سلوك ومواقف الأطراف اللبنانية، إلا أن الواقع اللبناني وبما يحمله من خبرة تاريخية في الاختلاف والتنازع، تجعل من طمأنة مكوناته أمراً بالغ التعقيد، والدليل أنه في العصر الحديث احتاج لبنان إلى اتفاقين تما بمظلة إقليمية ودولية وبضمانات من قبلهما (الطائف والدوحة)، وقد مثل هذان الاتفاقان انعكاساً لتفاهمات إقليمية ودولية كبرى، فهل تضمن الاجتماع الثلاثي مثل تلك التفاهمات والضمانات، أم أنه راهن على النفوذ السعودي السوري في ضبط إيقاع الوضع اللبناني وعدم انزلاقه صوب الخطر. * كاتب سوري