عندما ترتعد جدة كلما اقترب المطر، فذلك لا يعني أنها تفتقر الشجاعة لمواجهته، فما تعرضت له المدينة الساحلية من جراح دامية خلال هذا العقد لم تكن قليلة، جراء السيول الجارفة من جبالها الشرقية، وتراكم منسوب الأمطار في طرقاتها في كل مرة، حتى أصابت كل ساكنيها بالحزن، باستثناء اللصوص الذين نهبوا مشاريعها المليارية، واختفوا عن الأنظار. قصاصة ال40 عاماً في وسائل التواصل، حيث يتنفس المغلوب على أمرهم، قصاصة صحفية عمرها قرابة ال40 عاماً يتداولها السكان عندما تغرق جدة، وبين سطورها بشرى لعروس البحر أن مشروع تصريف السيول البالغة تكاليفه 600 مليون ريال سينتهي خلال ستة أشهر، إلا أن ذلك المشروع الذي أعلن عنه عام 1400ه كان بمثابة أول بوادر مرض تصريف الأمطار المزمن، والذي استنزف المليارات من خزانة الدولة منذ أربعة عقود، ولم يتم علاجه حتى الوقت الحالي. مليارا "فقيه" هذه المشاريع المليارية، تتابعت على امتداد الأمناء السابقين، ولعل آخرها عام 1429ه حينما كان عادل فقيه يتربع على عرش الأمانة في جدة، ملأ الصحف اليومية بمشروع تصريف للسيول والأمطار بقيمة ملياري ريال من خلال مشروعات لحصر السيول وأنابيب يبلغ أطوالها 190 ألف متر، وهلل الجميع لذلك المشروع، إلا أن المطر في كل مرة يكشف تلاشي تلك المشروعات التي تحولت لتصريف الأموال لا الأمطار!. تتابع الكوارث عامان فقط عقب مشروع المليارين حتى تتابعت الكوارث الطبيعية على جدة، حيث الحادثة الشهيرة التي راح ضحيتها 114 شخصاً، وتلاها السيل الذي حطم سد أم الخير، وحينها شمّر عن ساعديه أمير منطقة مكة خالد الفيصل، وعمل على تنفيذ مشاريع ضخمة لدرء خطر السيول بالتعاون مع أرامكو، ونجح في مهمته، ولكن المدينة الساحلية اصطدمت بفشل الأنفاق التي نفذتها الأمانة، جنباً إلى جنب مع المشاريع المليارية لتصريف الأمطار، والتي لم تنجح في إنقاذ جدة من الغرق. استمرار الطوارئ ففي كل مرة يهطل المطر، تعلن حالات الطوارئ كل الجهات ذات العلاقة بالإنقاذ، لأن الطرق ستغلق لا محالة ومياه الأمطار ستدس أنفها في المنازل والمدينة ستتوقف عن التنفس ليوم كامل على أقل تقدير. مطالبات بالمحاسبة هذه القضية العصية على الحل لازالت تثير الغضب، ومع استبشار الجداويين خيراً بقرار لجنة مكافحة الفساد التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بعد القرار التاريخي بإعادة التحقيقات في ملف كارثة سيولجدة، إلا أن الكثير من الأهالي عندما تمر أمامهم صور المانشيتات الصحفية الضاربة في القدم لتلك المشروعات التي ذابت دون مقدمات، يمنون النفس أن تعيد اللجنة فتح الملفات القديمة جداً لمشروعات تصريف الأمطار منذ مطلع القرن الهجري الحالي، وحتى لا يتحول خير السماء في كل هطول، إلى شر يصيب أرض جدة وينشر رائحة الموت بين طرقاتها.