تصدى الباحث عبدالعزيز الخضر بشجاعة لرصد سيرة المجتمع السعودي بدءا من خصائص التكوين السياسي والاجتماعي والثقافي مرورا بمصادر التأثير والضبط. وتوقف في كتابه «السعودية سيرة دولة ومجتمع» عند العقل الديني والفكر السلفي. ومراحل الوعي والتحول المجتمعي. ورصد الصراعات التيارية بين خطاب الفقيه والعقل التنويري. ودون حقبة مهمة من تاريخ المملكة كونه لا توجد ثقافة تدوين منظمة ولا جهات فكرية أو مؤسسات ترغب في رصد ما حدث إلا بما يخدم مصالح انتقائية موقتة كما يقول في مقدمة الكتاب البحثي الذي تجاوزت صفحاته 850 صفحة من القطع الكبير. وحوى جزئيات مفصلية للمجتمع السعودي بدءا من الستينات حتى مطلع الألفية الثالثة، وهنا حوار معه حول الكتاب باعتباره من الكتب المثيرة جدلا منذ صدوره عن الشبكة العربية 2010 حتى اليوم، وهنا نص الحوار: يعد كتابك السعودية سيرة دولة ومجتمع من الكتب المثيرة للجدل. من أين جاء العنوان؟ عادة. العناوين هي الأكثر صعوبة في أشياء كثيرة. ومنها الكتب والمقالات لأنها تختزل المضمون. العنوان يحتاج إلى عدة مواصفات، فالإثارة المبالغ فيها قد تعجب البعض لكن المحتوى سينكشف لاحقا وسيعرف القارئ مضمونه عبر انطباعات الآخرين. بالنسبة لي كان العنوان شبه حاضر منذ البداية بصيغة مقاربة له.. لكن صياغته النهائية حسمت بعد الانتهاء منه. وقد حاولت أن يعبر عن مضمونه مع الاعتراف بصعوبة وضع عنوان لكتاب فيه تنوع بالعناوين الداخلية. ألا ترى أن الموضوع كبير جدا ويحتاج فريق عمل؟ فعلا مثل هذه الموضوعات التي تتعلق بالتحولات التاريخية والحراك الفكري والاجتماعي والسياسي يصعب تناولها بصورة شاملة لكنها محاولة، ويمكن البناء عليها.. ويبدو أنه بعدها بدت تظهر أيضا مؤلفات تراكم حول هذه القضية، وإن كان مشكلة بعضها أنها تأتي بذهنية صراعية مع طرف محدد ومسبقة النتائج، فقد بدأ يكتب الإسلامي محاولا استدراك الخطأ التاريخي وإعادة رسم الماضي وفق مخيلة دعوية وليست منهجية علمية، وجاء المثقف الذي انخرط بصراعات محاولات استدراك أخطاء تلك المرحلة وتجميلها.. وغيرها من التجارب الكتابية. في المجال الفكري والتأليف يصعب وضع مشاريع على هيئة فريق عمل لوجود عوائق عملية كثيرة ومازالت مؤسساتنا الثقافية وصحافتنا لا تهتم كثيرا بمثل هذا المجال لدعم التأليف والبحوث. ما هو محفزك الأكبر لكتابة هذا العمل؟ أشرت إلى هذا في مقدمة الكتاب، فقد كانت الفكرة تدور بذهني مبكرا، فقد شعرت بوجود نقص شديد في ساحتنا الثقافية، بعدم وجود تدوين منظم وواسع من المثقفين الذين سبقونا بمراحل تاريخية من أجيال الأربعينات والخمسينات والستينات، إذ أهملوا الكتابة عن مرحلتهم بصورة شاملة لرصد المتغيرات الاجتماعية والفكرية، وتفاصيل الصراعات مع كل تطور تحديثي في الدولة.. باستثناء كتابات متفرقة ومبعثرة بمقالات أو سير ذاتية أو حوارات. مع ضعف الصحافة مبكرا في هذا الجانب في تقديم الملفات الصحفية، فوجدت من المهم تقديم هذه المحاولة أمام القارئ، وأن لا نكرر الخطأ نفسه كل مرة.. ونكتفي بمجرد اللوم، وهذا النوع من الأعمال قد يساهم في تراكم بالوعي العام والثقافي وتواصل أجيال، ويشعر المثقف والمسؤول والواعظ الديني بالمسؤولية عن أي موقف وكلام يقدمه في مرحلته. كم استغرق العمل من وقت حتى تم إنجازه؟ مثل هذا العمل بالنسبة لي لم يكن عملا بحثيا تقليديا بحيث تحدد فكرة الموضوع، ثم تجمع المعلومات من مصادر معينة، ثم تبدأ الكتابة فيه بزمن محدد، لأن جزءا كبيرا منه قائم على الخبرة المتراكمة منذ الثمانينات والاهتمام المبكر، فأنا منذ سن مبكرة جدا متابع يومي للإعلام وللصحف والمجلات، وكان جزء من مصروف المدرسة يذهب بهذا المجال، مع متابعة المصادر الأخرى ومنها الخطاب الإسلامي بكل تفاصيله وأطيافه، مع علاقة طويلة بالمكتبة.. وهذه المتابعة للمجال الثقافي والديني لم تكن مجرد تصفح ومتابعة عابرة، وإنما اهتمام يأخذ أغلب وقتي. ولهذا جزء من أهمية ما كتبته أنه يعتمد على المعايشة اليومية ومتابعة مشاعر اللحظة، واكتشفت حجم المغالطات التي تحدث في تصور الأحداث.. عند كل اتجاه من أجل مصالح خاصة، وعدم شعور بالأمانة والمسؤولية التاريخية، وأن مثل هذه التشوهات مضرة بالوعي وبالوطن. لكن الصياغة النهائية أخذت وقتا مقاربا للعامين وأكثر. هل ترددت في إكماله؟ نعم ترددت في الكتابة حول هذا المجال، الذي فيه تشعب وتداخل مع أفكار وأشخاص بيننا قد لا يعجبهم تناولها، وما قد تخسره من مصالح كثيرة، إضافة إلى التصادم مع رغبات أكثر من تيار نفعي وحركي، قد تكشف مثل هذه الكتابات شيء من المخفي في ظروف عدة مراحل ولم يظهر بالصحافة والإعلام والكاسيت حينها. هناك معارك وصراعات كثيرة كان لها وجه ظاهر وآخر مستتر تحتاج أن تكون ممن تابعها في حينها لكشف التناقضات، إضافة إلى أن الوعي المحلي بحكم حداثة كثير من النخب ينقصنا وجود عدد كبير ممن يشتغل بالثقافة والبحث وتكون مخلصة له، وتخفف إلى أقصى حد ممكن من التحيزات وتصبح الموضوعية وأمانة العرض المعرفي قيمة عليا فوق كل صراعاتنا ومنافعنا الآنية تحت حماية تيار معين. وقد حاولت أن لا أتعمد جرح أحد أو التصيد المتعسف للأخطاء إلا ما يكون هناك حاجة لعرضه حتى نفهم تطورات مرحلة معينة أو شخصيات محددة كانت موجودة في الحراك السعودي بأي مجال. ماذا كنت تهاب أو تخشى وأنت تكتب؟ لا يكون صادقا من يدعي أنه لا توجد أشياء كثيرة يعرفها الكاتب ويتجنب تناولها جزئيا أو كليا، لأسباب متنوعة، لكن بحكم معايشتي الطويلة للإعلام والصحافة السعودية فقد تطورت مهارة الوعي الذاتي بالرقابة وهي مهمة لأي مثقف محلي، فالرقابة ليست شيئا ثابتا ومحددا وإنما وعي وجزء من مهارة الكاتب في عرض أفكاره دون استفزاز وإثارة متكلفة من أجل الشهرة السريعة. وهي ليست مجرد تناول لقضايا حساسة بشيء من الاختزال المضلل فقط من أجل أن يقال إنه جريء، وإنما التفكير بالتحدي المنهجي: كيف يمكن تناول الكثير من الموضوعات مهما كانت حساسيتها، والقدرة على إقناع حتى الرقيب ذاته بمصداقية ما تقوله، وأنك لديك الإحساس بالمسؤولية مثلما لديه هو. ولهذا حتى لو رفض ما تطرح بيروقراطيا في مسار الرقابة فإنه سيحترم ما تقدمه، طالما هي مساهمة تضاف لعدد لا يمكن حصره من المساهمات الأخرى خلال عدة أجيال. وهناك مواضيع أتجنب تناولها ليس فقط لسبب رقابي وإنما لأسباب السياق ومساحة المواضيع ولهذا تؤجل بطرح مستقبل في سياق موضوعات أخرى. ما أبرز النتائج التي توصلت إليها؟ لفتت كثير من ردود الفعل إلى أهمية وضع ملخص ونتائج للكتاب والواقع أن هذه الفكرة حاضرة، وتجنبتها وربما أعود للكتابة حولها في مرة قادمة. تجنبتها حتى لا يكتفي القارئ بالاطلاع عليها ثم الحكم على المحتوى من خلالها، فهناك صعوبة في تلخيصها في عدد من النقاط. بعض المفاهيم والأفكار يصعب ضغطها في عدة سطور، والهدف الرئيس من الكتاب هو أن يعايش الكتاب هذه التحولات ويفهم الإطار الزمني الذي تشكلت فيه.. وهذا ما لا يمكن تحققه بعدة نقاط. كيف وجدت ردود الأفعال بعد صدوره خصوصا أنك حمّلت التاريخ مسؤولية ضعف الوعي العام؟ مازلت منذ سنوات أتلقى ردود الفعل. لكن الزخم في ردود الفعل كان في العام الأول والثاني.. من أجيال مختلفة وشرائح متنوعة، وقد كتب عنه الكثير، وممتن كثيرا لردود الفعل هذه مهما كانت نوعية الموقف منه، وفي أحيان كثيرة لا تظهر ردود الفعل مباشرة وإنما في تأثيرها على طريقة وتناول بعض القضايا فيما بعد، ومحاولة بعض التيارات سد الفراغ الذي شعرت به وانكشفت، فبعض التوجهات المتشددة أو النفعية تريد أن تصيغ تاريخا نظيفا بطريقتها الخاصة، وترى أن مثل هذه الكتابات تكشف ما كاد ينسى مع الزمن، ولهذا دونت وكشفت الكثير من الارتباكات التي ظهرت بعده.. وهي قصة أخرى طويلة. هل تعود إلى قراءته؟ متى؟ لا أعود لقراءته ولا أحتاج لذلك. وأنا لاأحب أن أقرأ ما أكتبه عادة حتى المقالات الصحفية لأن كثيرا مما أطرحه يكون جزءا من تفكيري ووعيي اليومي.. لكن بعض الكتابات القديمة جدا أعود لها.. في حالات محدودة إذا كان فيه استفسار أو معلومة عرضها أحد وأحتاج التأكد منها.