ازدهرت العلاقات السعودية الأمريكية التي نشأت منذ أكثر من ثمانية عقود بشكل متزن على مر السنين في مختلف المجالات، مدفوعة بتطابق الرؤى والمصالح المشتركة بين البلدين، لتشمل في مطلع الخمسينيات الميلادية النواحي العلمية لإقامة علاقات دولية واسعة مع دول العالم تتسم بالتعاون المثمر والبناء دون الإخلال بالقيم الإسلامية السمحة. وبعد أن دخلت المملكة مرحلة اقتصادية جديدة في البلاد اعتمدت فيها على عائدات النفط، اتجهت إلى منح التنمية دفعة قوية نحو التقدم والنهضة، مركزة في تلك الخطوة على النهوض بالمواطن عبر إلحاقه بالتعليم والارتقاء بفكره في مختلف مجالات المعرفة. واستهلت المرحلة الجديدة بموافقة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- على إنشاء المدارس في مختلف مناطق المملكة، واستقطاب الخبرات العربية للتدريس فيها، فضلا عن إطلاق الابتعاث الخارجي للدول العربية عام 1346ه الموافق 1927م، تطورت فيما بعد إلى الاستفادة من بقية دول العالم مثل: أوروبا وأمريكا. واختلف المؤرخون حول بداية تاريخ الابتعاث إلى أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية، إلا أن عام 1355ه 1936م عده الكثير منهم بداية فعلية للابتعاث الرسمي للطلبة السعوديين إلى أوروبا، أما بالنسبة إلى أمريكا فكانت أول دفعة سعودية رسمية تخرجت من الجامعات الأمريكية كانت عام 1372ه، وضمت تسعة طلاب فقط. وأفاد تقرير للملحقية الثقافية السعودية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أن عبدالله بن حمود الطريقي -رحمه الله- أول وزير للبترول والثروة المعدنية في المملكة كان أول مبتعث سعودي للدراسة إلى أمريكا عام 1367ه. وعد المختصون في مجال التعليم غرة محرم 1376ه التاريخ الرسمي لافتتاح أول مكتب ثقافي في تاريخ الابتعاث السعودي بأمريكا، وأطلق عليه المكتب الثقافي السعودي بنيويورك. وشهدت هذه الفترة تضاعف أعداد المبتعثين السعوديين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ليبلغ عام 1974م (800) مبتعث، ولم يمض العام حتى قفز هذا العدد بصورة غير مسبوقة إلى (2039) مبتعثا. أما عام 1400ه فإنه يمثل نقطة الذروة الأولى في تاريخ الابتعاث السعودي للولايات المتحدة، وعاد للمملكة خلال السنوات الأربع الأولى منذ بداية عمل الملحقية عام 1408ه (5436) خريجا بلغ عدد الحاصلين منهم على درجة الدكتوراة (519) مبتعثا. وكان عام 2005م منعطفا مهما في تاريخ العلاقات بين البلدين، إذ أعلنت عن بدء الابتعاث الخارجي، ووضعت الضوابط الضرورية لتذليل العقبات أمام السعوديين الراغبين في دخول أمريكا بما في ذلك الطلاب الذين يرغبون مواصلة تعليمهم فيها، والإعلان عن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي. وأوضح الملحق الثقافي في الولاياتالمتحدة الدكتور محمد بن عبدالله العيسى، أنه وفقا لإحصائية عام 2015م، فقد بلغ عدد الدارسين الذين تشرف عليهم الملحقية (125513) دارسا ودارسة). واستمرارا لدعم الحكومة لمسيرة التعليم من خلال الاستفادة من خبرات الجامعات الأمريكية العريقة، فقد رشح عام 1436ه (10491 متقدما ومتقدمة) للقبول في المرحلة العاشرة من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي. وفي ذلك السياق، تم إنشاء مراكز وكراسي علمية في الدراسات العربية والإسلامية في عدد من الجامعات الأمريكية للتعريف بالثقافة العربية وإرساء دعائم التفاهم بين الشعوب. تعاون ثقافي وتنوعت برامج التعاون الثقافي بين المملكة وأمريكا، إلا أن الحدث الثقافي الأبرز هو (إقامة معرض المملكة ما بين الأمس واليوم) في محطته الثامنة بالولاياتالمتحدة وذلك برعاية ومتابعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- حينما كان أميرا للرياض رئيسا للجنة العليا للمعرض. أندية طلابية وعملت الملحقية على تأسيس (أندية الطلاب السعوديين بالجامعات الأمريكية) تحت مظلة الجامعات التي يدرس فيها الطلاب المبتعثين ووفق قوانينها، لتحقيق التواصل المنشود بين مبتعثي المملكة والمجتمعات التي تدرس فيها، وبلغ عددها الآن (320 ناديا موزعة في 250 مدينة أمريكية)، في حين كانت عام 2011م (187 ناديا موزعة في 159 مدينة أمريكية). ومن أبرز ما تم في التعاون الثقافي بين البلدين استضافة عدد من المراكز المهمة في واشنطن خلال شهر مايو عام 1999م الندوات الثقافية التي عقدت بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المملكة، مثل: مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورجتاون، ومعهد دراسات الشرق الأوسط، ومجلس العلاقات العربية الأمريكية.