إن ما حدث من بعض منسوبي هيئة الأمر بالمعروف في واقعة المقيم البريطاني، لن يكون الأخير، طالما بقي بعض أعضاء هذه الهيئة في مأمن من العقاب المنسجم والمتسق مع ما يرتكبونه. إن أخطاء بعض أفراد الهيئة وصلت حد التسبب في الموت، ولم يكن هناك عقاب يقوم مقام الردع، ويجعل الناس أمام القانون سواء، فلو أن أي فرد في المجتمع اقترف خطأ، لوجد من العقاب ما يكون منسجما وفق الشرع مع ما يرتكبه، فعلى أي قاعدة فقهية أو عدلية يتم ذلك؟ إن مثل هذا الصنيع لا سند له لا في الحاضر ولا في ماضي هذه الأمة، ولعل هذا المسلك جرأ بعض أعضاء الهيئة ليخرجوا عن الخط المرسوم والنقي للهيئة، فيتحول الواحد منهم إلى شرطي يقوم بالقبض، ويحدد نوع الجرم، ويصدر العقوبة وينفذها، بما شوه صورة المنتسبين للهيئة. فالحقيقة التي يجب أن تقال بأن الرهبة والخوف من أعضاء الهيئة، ليس لهيبة تكسوهم جراء رحمة في التعامل، أو لين في الخطاب، أو عطف في التوجيه، بل على العكس من ذلك تماما، إنه خوف من غلظة يبديها بعضهم أمام أفعال تستوجب نصحا برفق ولين وتوطئة أكناف، وإنها رهبة من الأخذ بالظنة والهواجس والشك، خلافا لمقاصد الشرع من حسن الظن والستر والرفق بعباد الله. إن مسلك عضو الهيئة، وإصراره على مواصلة فعله ورفضه قرار النقل والعصيان الوظيفي في سابقة خطيرة، لا يمكن أن تصدر عن إنسان حامل لرسالة قوامها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكانت ردة فعل الهيئة سريعة لحساسية توقيته وارتباطه بشخص بريطاني، فبيان ونتائج التحقيق، وكل البنود العشرة تجرم ما قام به منتسب الهيئة ومن معه، حيث: «ثبت للجنة أن الفرقة قد باشرت ابتداء مخالفة ليست من اختصاصها وهي الإنكار على الشخص الأجنبي لتواجده في مكان العوائل مع زوجته، وهذا التنظيم من اختصاص إدارة السوق ورجال أمن السوق المكلفين بذلك». فواقع الأمر أن بعض أعضاء الهيئة يباشرون مخالفات ليست من اختصاصهم مطلقا، والتي حددها لهم الشرع، ولكنهم يأخذون الاختصاص بدافعية لا ترتبط مطلقا بالقانون، ولكن بصلاحية انتمائهم لهيئة لا تتم محاسبتها بشفافية، وإنما يتم ذلك تكتم ومداراة واعتقادا أنهم في مرتبة أعلى من البشر. وقفت عند الفقرة العاشرة من بيان لجنة التحقيق، والتي ترى أنه: «ثبت للجنة تواطؤ أعضاء الفرقة على الكذب ومحاولة تضليل اللجنة؛ كإنكار ظهور بعضهم في المقطع المصور، وتناقض إفاداتهم في تحديد مشرف الفرقة، واسم العضو الذي تعامل مع الشخص الأجنبي وصعد الموقف وغيرها». إن إثبات حالة الكذب والتضليل رفعت سقف التوقعات إلى عقوبة تماثل هذا الجرم الكبير، فالكذب من شخص منوط به تحقيق الغاية من الأمر بالمعروف ليس ككذب أي فرد آخر، ولكن صدمت للعقوبة التي أوقعتها الهيئة للفرقة التي قامت بذلك والشخص الذي أتى بذلك الجرم، إذ نص العقاب (بناء على الصلاحيات الممنوحة لمعالي رئيس الهيئة معاقبة أعضاء الفرقة المباشرة للحادثة وهم أربعة أعضاء بنقلهم إلى خارج منطقة الرياض، وتكليفهم بالعمل الإداري تحقيقا للمصلحة، وصدر قرار لكل واحد منهم يحدد مكان تكليفه اعتبارا من تاريخ صدور القرار). هل مثل هذا العقاب – إن جاز أن يكون النقل خارج الرياض عقابا – يماثل جرم الكذب خاصة أن كل مدن المملكة تعيش نقلة تنموية كبيرة، ألم تستصحب الرئاسة العامة معها وعيد النبي صلى الله عليه وسلم لمن يكذب، بقوله: «ما كان خلق أبغض إلى رسول الله من الكذب ولقد كان الرجل يحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم بالكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة». كما أخرج مالك من حديث صفوان بن سليم قال: «قلنا يا رسول الله أيكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم، قيل له: أيكون بخيلا؟ قال: نعم، قيل: أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لا». وعن البيهقي في الشعب أن أبا بكر قال: «الكذب يجانب الإيمان»، وذكر عن سعد بن أبي وقاص أن النبي قال: «يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب». وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كذب العبد تباعد عنه الملك ميلا من نتن ما جاء به». إنه فعل يخرج الإيمان جملة واحدة بنص الحديث النبوي الشريف، وأمام هذا الجرم الأخلاقي، لا تجد الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سوى نقل منسوبيها خارج الرياض وتكليفهم بالعمل الإداري.. مثل هذه العقوبة لن تردع من تجاوز وقفز فوق القانون. [email protected]