9 مهام للهيئة السعودية للمياه    المملكة تستضيف المؤتمر الدولي لمستقبل الطيران    رفع كفاءة الشفا الدائري    الفصول الثلاثة ومفاضلة الوظائف قيد المراجعة    «سلمان للإغاثة» ينفذ 3 مشاريع طبية تطوعية في محافظة عدن    الفيضانات تغرق مدينة بالبرازيل    تنفيذ 12 مشروعًا مائيًا وبيئيًا بقيمة 1.5 مليار ريال بالمنطقة الشرقية    وكيل محافظة محايل يقف على حريق المفروشات    محمد بن ناصر يكرم 20 متميزا ومتميزة    فيليب موريس إنترناشيونال تعلن نتائج الربع الأول من عام 2024.. وتحدّث الدليل الإرشادي لكامل العام    مركز التحكيم التجاري الخليجي يطلق مبادرة "الأسبوع الخليجي الدولي للتحكيم والقانون"    القبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر بالمنطقة الشرقية    محمد بن ناصر يقلّد اللواء الحواس رتبته الجديدة    هواوي تُعيد تأكيد التزامها بالإبداع والموضة في حدث إطلاق المنتجات المبتكرة الذي شمل الأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة والمزيد    انطلاق المؤتمر الوطني السادس لكليات الحاسب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    إثراء" يسرد رحلة الأفلام السعودية في 16 عام عبر "متحف حكاية المهرجان"    «استرازينيكا» تسحب لقاحها ضد كوفيد-19 بسبب «تراجع الطلب»    صالات مخصصة ل"طريق مكة" في 11 مطاراً ب7 دول    فيصل بن نواف يدشّن حساب جمعية "رحمة" الأسرية على منصة X    سجن مواطن 15 عامًا لترويجه وحيازته الإمفيتامين    «أبشر»: تحديثات مجدولة للأنظمة يوم الجمعة.. لمدة 12 ساعة    أنباء متضاربة عل حول «صفقة الهدنة»    وزير التجارة يزور تايلند لبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين    منظمة التعاون الإسلامي تُدين بشدة تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    مختص يحذر من الاحتراق الوظيفي ويشدد على أهمية توفير وحدات لقياسه داخل بيئات العمل    بدر بن عبدالمحسن: أمير الشعراء وصوت البسطاء    ارتفاع المخزونات الأمريكية يهبط بالنفط    مهما طلّ.. مالكوم «مالو حلّ»    أمير الشرقية ونائبه يتلقيان تهاني الرزيزاء بتأهل القادسية لدوري روشن    برعاية وزير الإعلام.. تكريم الفائزين في «ميدياثون الحج والعمرة»    محمد عبده اقتربت رحلة تعافيه من السرطان    4 أمور تجبرك على تجنب البطاطا المقلية    وزير الخارجية الأردني ونظيره الأمريكي يبحثان الأوضاع في غزة    «التواصل الحضاري» يعزز الهوية الوطنية    بدء أعمال ملتقي تبوك الدولي الأول لتعزيز الصحة    "الهلال" يطلب التتويج بلقب دوري روشن بعد مباراة الطائي في الجولة قبل الأخيرة    أمين الرياض يحضر حفل سفارة هولندا    بيئةٌ خصبة وتنوّعٌ نباتي واسع في محمية الملك سلمان    أمير المدينة يرعى حفل تخريج الدفعة ال60 من طلاب الجامعة الإسلامية    الشورى يدعو لتحديث كود البناء السعودي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُجري جراحة تصحيحية معقدة لعمليات سمنة سابقة لإنقاذ ثلاثيني من تبعات خطيرة    بونو: لن نكتفي بنقطة.. سنفوز بالمباريات المتبقية    ديميرال: اكتفينا ب«ساعة» أمام الهلال    بدر الحروف    اختتام دور المجموعات للدوري السعودي الممتاز لكرة قدم الصالات في "الخبر"    المدح المذموم    البدر والأثر.. ومحبة الناس !    تغريدتك حصانك !    ولي العهد يعزي هاتفياً رئيس دولة الإمارات    استقبل مواطنين ومسؤولين.. أمير تبوك ينوه بدور المستشفيات العسكرية    الأمير خالد بن سلمان يرعى تخريج الدفعة «21 دفاع جوي»    هزيمة الأهلي لها أكثر من سبب..!    الأول بارك يحتضن مواجهة الأخضر أمام الأردن    الاحتلال يتجاهل التحذيرات ويسيطر على معبر رفح    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المصلى المتنقل خلال مهرجان الحريد    وزير الدفاع يرعى تخريج طلبة الدفاع الجوي    ريادة إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه هي علاقة عبدالقادر الجزائري بالماسونية
نشر في عكاظ يوم 23 - 11 - 2013

واسيني الأعرج، الفائز بجائزة الفكر العربي البروفسور في جامعتي السربون والجزائر، والروائي الجزائري العربي الشهير، يكتب بحس خرافي يشعر قارئه عند كل نقطة نهاية بأن البداية هاهنا. ولأنه يشعر بأن الجرح يجب أن يبعث على التفاؤل رغم الألم، فهو يكتب ويستمر لأن يغادر العتمة المظلمة ويستقر تحت مظلة خضراء تفتح الأفق نحو أدب متجدد يصنع الدهشة، كما يصنع التخييل. يسعى إلى تحويل الجامد على الورق إلى متحرك في الأذهان والقلوب، يوقظ الوعي من مخادعه ويحركه على الورق، فيجسد الفكرة بروح سخية تعلم الحب بين الناس وتتجاوز بسخاء الأنانية وتنبذ كل ممقت للحياة والجمال.
في هذا الحوار، يكشف واسيني عن خلفيات بعض أبطاله، يتحدث عن طوق الياسمين بعيون وضاءة، ويحكي على مملكة الفراشة بدغدغة مشاعر، ويسرد الليلة السابعة بعد الألف بنوع من الاكتشاف المبهر، ويرسم أصابع اللوليتا بتناقض صارخ بين عالمين لا يلتقيان، عالم الجمال (الموضة)، وعالم التطرف الفكري.. ويحيل القارئ لرواية «الأمير» لجزئية مهمة كانت غائبة في شخصية الأمير عبدالقادر الجزائري. ويستشرف المستقبل في جملكية آرابيا، ويمازج بين السياسة والأدب في رماد الشرق.
• هل لعبت الصدف دورها في أن يحول نص « ألف ليلة وليلة» ابن الزاوية إلى روائي يكتب عن مواضيع محظورة بحكم التقاليد والعادات؟
في الحقيقة، الصدف تلعب أحيانا دورا مهما في حياة الأفراد والجماعات. وتلك الصدف يمكن أن تحول حياة الإنسان وتؤثر فيها وتبقى راسخة في حياتهم. ومن أجمل الصدف التي كانت في بداياتي نص ألف ليلة وليلة الذي صادفته في مدرسة قرآنية. كان ذلك صدفة ووراء الصدفة كانت الرغبة الملحة في تعلم اللغة العربية التي كانت ممنوعا تعلمها في المدارس العادية في عهد الاستعمار، وكان المكان الوحيد لتعلم العربية هو المدرسة القرآنية. كنت أذهب الساعة الخامسة صباحا، مع صلاة الفجر، وأتعلم في المدرسة القرآنية اللغة العربية وأعود على الساعة السابعة والنصف إلى المدرسة النظامية التي كنا ندرس فيها بالفرنسية. حاولت من خلال ترددي على المسجد الاستجابة لرغبة جدتي التي كانت تريد أن أتعلم اللغة العربية، وأيضا محاولة لإرضاء شغفي وحبي لتعلم تلك. والصدفة كانت جميلة بحجم الكون عندما صادفت في هذه المدرسة القرآنية نصا أدبيا، فسرقته. ذلك النص لم يكن سوى نص «ألف ليلة وليلة»...
• تمرد «ابن الزاوية» عن تقاليد واقع، أثمر روائع أدبية، كطوق الياسمين وأنثى السراب وأصابع اللوليتا ومملكة الفراشة وجملكية أرابيا والأمير وغيرها. هل المغامرة الروائية عند واسيني جعلته يتجه نحو مقاربة لمواضيع لا تزال في الرواية العربية من المواضيع المسكوت عنها؟
يجب أن أعترف أن نص ألف ليلة وليلة حررني منذ البداية. ماذا ننتظر من شخص في منطقة حدودية فقيرة، الوالد توفي في الثورة التحريرية وكنا فقراء كان يجب أن أفكر في العمل. كل هذه العناصر كونتني لأصبح ما أنا عليه اليوم، ولذلك أريد أن أقول أن نص «ألف ليلة وليلة» له فضل كبير، وهو الذي أثبت لي أن اللغة العربية ليست معقدة، ويكفي أن نحبها لنتعلمها ونتقن تفاصيلها. وأنها مشحونة بالمشاعر.. وأنه يمكن أن نكتب بها أجمل النصوص الناجحة وكبرت معي تلك القناعات بأنه يمكن أن أخوض مواضيع تعتبر من الطابوهات في المجتمع. اليوم عندما أسمع أصدقاء فرونكفونيين يقولون إن اللغة العربية هي لغة الدين والمقدس، فأقول إنهم لا يعرفون اللغة العربية جيدا، اللغة العربية هي لغة حب، لغة تعامل، لغة مجتمع، لغة تعبير ولغة كتابة. هي لغة دنيوية قبل أن تكون لغة مقدسة. وربما هذا الأمر هو الذي دفعني إلى اختراق الممنوعات منذ البداية.
• ربما الحس الأدبي الذي ينطوي تحته « الجرأة» هو الذي دفعك لاقتحام بعض الممنوعات؟
لا، بل هو الإحساس بأن اللغة العربية قادرة على التعبير عن كل هذه الأمور، لو سلمنا أننا نتعلمها فقط كلغة دين ومقدس، فبالتأكيد سترسخ فينا شيئا واحدا وفقط، وكل ما هو خارج الدين سيرفض. لكن، لما نتعلم اللغة العربية من منطلق حر، أي من منطلق التخييل لأنه في نهاية المطاف نص «ألف ليلة وليلة» هو عبارة عن متخيل، وهذا المتخيل متحرر كليا سنتمكن من الخروج عن نطاق محدود. وهذا ما سمح لي بالذهاب بعيدا في كتاباتي وبدون تردد وخوف لأن بالنسبة لي اللغة العربية هي هذه. طبعا اللغة العربية هي واحدة لكن لما نقول لغة دينية، فنعني بها لغة عربية متخصصة... لذلك هي صعبة وتحتاج إلى أناس متخصصين يفهمونها مثل الفقهاء وغيرهم. فليس كل شخص يمكنه أن يفهم القرآن بدون إتقان العربية. في حين مثلا أن لغة «ألف ليلة وليلة» هي لغة الجميع يفهمها الجميع، هي التي قربت اللغة العربية من كونها لغة بنظام لغوي ونحوي إلى لغة بسيطة يمكن التحدث بها.. لنجرب قراءة اليوم ألف ليلة وليلة، في الطبعة العربية، سندرك أن المسافة الفاصلة بين العربية الفصحى والعامية معدومة تماما، لتداخلهما مع بعض، بحيث أن اللغة العربية أصبحت بسيطة. وهذا ما يعجبني.
• هل هذا التقارب اللغوي بين الفصحى والعامية هو الذي جعل الإنتاج الأدبي يخطو خطوة نهضوية نحو العالمية؟
طبعا، لنأخذ مثلا نص «ألف ليلة وليلة» نلاحظ كم أن هذا النص أثر في كتاب عالميين. فمثلا الكاتب الأمريكي اللاتيني غبريال غارسيا ماركيز يقول بأن من بين كتبي الأولى التي قرأتها هو كتاب «ألف ليلة وليلة». مارسيل بروست عندما كتب «البحث عن الزمن الضائع» كتبه بنفس هيكل «ألف ليلة وليلة». هذا النص لديه قدرة على استيعاب كل شيء ليس نصا مغلقا على الإطلاق.
• بين «سيدة المقام»، «أنثى السراب»، «طوق الياسمين»، «مملكة الفراشة» و«أصابع اللوليتا» وغيرها.. إيقاعات سردية وأحداث ومواقف وشخصيات قاسمها المشترك «هشاشة أنثوية» تعلن في جمالية عن شخصية الروائي. هل هذا وارد عند واسيني؟
القاسم المشترك بين الروايات التي ذكرتِها هي كون أبطالها نساء. والقاسم المشترك بينهن هو ذلك الحس الأنثوي؛ لأن هناك العامل النفسي للكاتب الذي يخيم على كتاباته. أنا كبرت في مجتمع نسائي، كنت محاطا بأمي وأخواتي البنات؛ لأن والدتي كانت تنجب الإناث فقط، وبعد مرور وقت فتح عليها رب العالمين فأصبحت تنجب ذكورا. كبرت في هذا الوسط وبعيون طفل كنت أرى كيف تعامل المرأة وكيف تعاني في مجتمع ظالم وفي نهاية المطاف كل هذه العوامل، خلقت لدي مكونا نفسيا خلق الشعور العميق بالمرأة، فصرت استطيع فهم عمق المرأة، لأن خاصية المجتمع الذي كبرت فيه أهلني لذلك. فعندما اخترت المرأة كبطلة لروايتي مثل «ياما» في مملكة الفراشة أو «مريم» في سيدة المقام أو «لوليتا» في أصابع اللوليتا أو بطلة أنثى السراب... في كل هذه الروايات تقمصت الشخصية النسوية ووجدت نفسي أمام دهشة أنا صانعها.
فمثلا، في طوق الياسمين الذي هو رواية عاطفية جدا، كانت البطلة هي التي تتحدث، تساءل الكثير: كيف استطاع الكاتب أن يدخل في أعماق المرأة ويسرد تلك التفاصيل؟ وفي الحقيقة أن المرأة هي بداخلي ولم تغادرني. الرجل بطبيعته عدواني؛ لأنه هو في كامل سلطته، حتى وهو في اللا وعي يمكنه أن يكون عدوانيا. بالنسبة لي، وفي حياتي اليومية، لا يمكنني أن أفعل ذلك ولا يمكنني أن أتصرف هكذا؛ لأنني أشعر أنني أتعدى على عمق الشخصية. صحيح هو نظام جميل، ولكن يجب أن نشعر بالآخرين؛ لأننا نعيش بالتشارك الحياتي معهم. وهذه خاصية أنثوية وليست خاصية رجالية؛ لأن الخاصية الرجالية هي في المطلق، وهي تقاس على الحياة العامة، وهذا ما سمح لي بأن أكون قريبا من الشخصيات التي أكتب عنها.
• ما قصة طوق الياسمين، وهل واسيني كتب سيرته الذاتية في هذه الرواية؟
يا الله!! طوق الياسمين...هي رواية عاطفية بامتياز.. قصة عشتها في دمشق.. شاب عاش في أحضان دمشق لعشر سنوات... وهو في عمر الزهور، فبالتأكيد أن الحياة تكون أمامه جميلة ومحفوفة بتفاصيل مجنونة وممنوعة.. صحيح هي قصة حب، أجزاء الحقيقة فيها موجودة أمام القارئ، لأنها جزء من السيرة الذاتية، لأنني أعدت بناء أجزاء الرواية. لكن في جوهرها «نعم» هي سيرة ذاتية.
• هل شكلت طوق الياسمين واسيني الأعرج؟
لا.. الذي شكلي هي دمشق وليس فقط طوق الياسمين، لأنه مهم جدا أن نعرف أن دمشق هي الفضاء الحر والإنساني، ولكن طوق الياسمين مهمة جدا في حياتي كرواية وفي مسيرتي؛ لأنها في ثناياها يوجد الجرأة على البوح، بدون ما تخاف مثلا من الزوجة أو من المحيط وفي نفس الوقت تشعر أنك لا تؤذي، لأنك في فضاء الأدب. ومع ذلك أقول إنها ليست سيرة ذاتية، ولكن فيها عناصر الذاتية. قناعتي أن حب الذي يبقى في حالة عطش حتما سيعود وبجرعة أكثر. أنا في طوق الياسمين اشتغلت أكثر على الحب الذي يبقى في حالة عطش دائم.
• «أصابع اللوليتا» امتزاج بين التاريخ السياسي والروائي في حضور لتعالق نصي في بنية اللغة السردية وطغيان التناص بين «أصابع اللوليتا» ورواية «لوليتا» للروائي الروسي فلاديمير نابوكوف. هل واسيني أسقط اسم «اللوليتا» اختياريا أم أن النص يستدعي ذلك؟
«اللوليتا» اسم الفتاة في رواية فلاديمير نابوكوف، وهي قصة تدور أحداثها حول فتاة عمرها ست عشرة سنة، تعيش المشكلات الحياتية إلى غير ذلك. لكن لم يكن يهمني من القصة غير الاسم، اسم «اللوليتا»... «يونس مارينا»، كان يوقع كتابه «عرش الشيطان» المترجم إلى اللغة الألمانية في معرض فرانكفورت، والذي حكم عليه بالإعدام بسببه... «كان يونس مارينا» روائيا مقيما بفرنسا، كان هاربا من التطرف آنذاك..
وفجأة يشم عطرا يستثير حواسه ويسبق حضور صاحبته، يعلن عن قدومها، عن حضورها. الفتاة تقتني الرواية المترجمة باللغة الألمانية تتجه نحوه ليوقعها لها، ولما يصل دورها يريد توقيع الكتاب لها، فتقول له: لا.. أنا لا أريد توقيعا كبقية الحضور... المرة الأولى التي تكسر فيها هذه الفتاة مسار التوقيع.. انبهر لعنادها رغم صغر سنها.. تترك له بطاقتها وتنصرف. ثم يكتشف أنها عارضة أزياء.. يتساءل: كأني أعرفها، استأنس بوجهها.. من تكون؟ شعر بأنه رآها قبل هذه اللحظة.. شيئا فشيئا وهو في المعرض يربط بين شخصية نابوكوف والفتاة التي رآها ويكتشف كيف أن شخصية أدبية تتحول إلى حقيقة موضوعية وكأنها إنسان.. الشخصية الأدبية هي لغة، لكن تأتي امرأة وتتجسد فيها الشخصية الأدبية فيسميها «لوليتا».. ومن هنا جاء اسم «اللوليتا».
لكن «نوة» الذي هو الاسم الحقيقي «للوليتا» ترفض هذا الاسم لأنها اطلعت على الرواية وتعرف تفاصيلها، وتعترض على ذلك بحجة أن «لوليتا» عمرها ست عشرة سنة، بينما هي خمس وعشرون سنة..
لوليتا كامرأة هي أصل «الغواية» في منظور التطرف، كيف استطعت أن تقرن عالم الموضة بعالم التطرف والإرهاب في تناقض صارخ يؤول إلى جمالية تخلق الأحداث والمفاجآت..
عالم الموضة لا نعرفه وهو عالم صامت، عالم يسير بطريقة آلية سريعة تسكن العقل، بحيث يصبح ذلك العمل آليا في عقل عارضة الأزياء.. والرواية تدخل القارئ في ذلك العالم.. من خلال توظيف تلك الآلية في عقل لوليتا، عارضة الأزياء، وفي نفس الوقت الإرهابية التي تخطط لنسف الكاتب يونس مارينا.
• وماذا عن «الليلة السابعة بعد الألف»، استرجعت فيها شخصية دنيا زاد التي كانت ظلا لأختها شهرازاد، بحضور «كاريزمي» متمرد يعيد صياغة ما لم تستطع شهرزاد الإفصاح عنه؟
كنت تحت تأثير «ألف ليلة وليلة»، وهي الرواية التي تعود في كتاباتي دائما، وكنت أقرأ عندما يقول النقاد أن شهرزاد تعبر عن حرية وتعطش المرأة العربية.. كان عندي محاضرة في جامعة بوردو في سنة 1987، وعندما بدأت أشتغل على شخصية شهرزاد، اكتشفت أنه لا يوجد نساء في «ألف ليلة وليلة»، بل يوجد شخصية شهريار كرجل مسيطر، وشخصية طغيانية، وطبعا القصة الإطار معروفة، لكن عندما نخرج من إطارها القصصي نجد ما يعرف بأفق الانتظار.
أنا كنت أنتظر أن شهرزاد ستقول له: «يا شهريار ليس كل النساء خائنات، بل هناك نساء يحببن أزواجهن وهن وفيات لهم» ولم يحدث شيء من هذا، بل منحته مثالا آخر عن صورة المرأة التي في مخيلته. في نهاية المطاف، اكتشفت أن شهرزاد أعادت إنتاج صورة المرأة التي يتصورها شهريار. بمعنى اكتشفت أن شهرازاد هي صوت شهريار الأنثوي. بينما كانت دنيا زاد، تسأل أختها شهرزاد كلما انتهت من قصة، وماذا بعد؟ كأنها لم تكن مقتنعة!
أخذت شخصية دنيا زاد وبدأت تحكي، وستحكي ما لم يرد شهريار سماعه، فلن تقول حقيقة رجل، بل ستقول حقيقة امرأة، وستواجه شهريار بما لم يرد سماعه. حتى أنها في نهاية المطاف لا تعطى لها فرصة.
• وما علاقة «الليلة السابعة بعد الألف» ب«جملكية آرابيا» الذي استشرف الواقع السياسي العربي؟
أخذت رواية «الليلة السابعة بعد الألف» التي كانت استشرافا لواقع عربي وأعدت تفكيكها و«تهريسها» وبنيت رواية أخرى هي «جملكية أرابيا» هو نفس النص ولكن مغاير تماما. ولما انتهيت من كتابتها بدأت الثورة في تونس، وكان يجب أن أنهي الرواية بدون ما أكون تحت تأثير الثورات العربية. يمكن أن أقول أن «جملكية أرابيا» هو استشراف أيضا، لكن لو تطلع على الرواية الأولى لن تجد وجه شبه في الرواية الثانية.
«جملكية آرابيا» رواية تتناول وضع مستجد. جاء بعدها رواية «رماد الشرق» في جزءين تناولت وضعية العرب بعد اتفاقية سايكس بيكو وكيف تم تمزيقهم، وكيف طلب منهم تشكيل دويلات. ومن تلك اللحظة لم يصبح للعرب وجود كقوة واحدة وأمة واحدة. وصاروا مجموعات متناحرة في ما بينها. الآن هناك ميل أكثر من ذلك، وهو تمزيق بعض الدول، وهو ما يفرضه منطق سايكس بيكو. طبعا أنا مع فكرة أن النظام الديكتاتوري يجب أن يسقط، لكن ليس قدر الشعوب أن تفكك بلدانهم وتمزق بسقوط تلك الأنظمة المستبدة وتصبح دويلات.
• رواية «الأمير» كانت بمثابة اتهام لك بالشطط وأنك تعديت على شخصية عبد القادر الجزائري، مؤسس الدولة الجزائرية؟
نعم رواية الأمير جرت علي الكثير من التهم، وأتذكر أنه عندما صدرت الرواية، أقيم يوم دراسي في قسنطينة وخرجوا بنتيجة أن واسيني الأعرج ليس بمسلم.. وهذا الأمر أدهشني.. كنت أريد أن أقول للعالم إن الأمير الشخصية التاريخية الفذة ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة كان رجلا مؤمنا ومتسامحا ومتفتحا على باقي الديانات.
• لكنك صورت «الأمير» بصورة مغايرة تماما عن الشخصية التاريخية المعروفة التي كتبها التاريخ ونقلها للأجيال. هل يمكن أن ننقل صورة عن شخصية تاريخية وثقت بصفات معينة في المخيال الشعبي، لنكتشف جزئية مهمة في شخصية الأمير الإنسان؟
هذا هو بالذات... أعرف أن هناك صورة تلقائية عن الأمير رسخت في العقول. حتى في المدرسة تعرض شخصية الأمير فوق حصانه بصورة السلاح، أي صورة «المقاتل».. وأنا لست ضد هذا، لأنه طبيعي، فالأمير عبد القادر عاش سبع عشرة سنة وهو يقاتل المستعمر.
لكن بالنسبة لي هذا الجانب لا يهمني، بل يهم المؤرخين الذين يمجدونها كيفما أرادوا، ما يهمني هنا هو الأمير «الأمير» الإنسان، أي عندما يقرأ أي أحد رواية «الأمير» يحب تلك الشخصية ويرى نفسه فيها. لأنه بالنسبة لي أن رهان الأدب هو كيف نتخيل الشخص وكيف نحبها وكيف نجعل القارئ يحب الشخصية ذاتها.
لما سجن الأمير، زاره في سجنه، وقال له: شوف يا سلطان لو كان عندي عشرة من أمثالك في الجزائر لكنت مسحت الجزائر في أيام معدودات، فرد عليه الأمير عبدالقادر بأناقة مفرطة وقال له: «كأنك سرقت الفكرة من رأسي.. فلو كان لدي عشرة أمثالك لمسحت أوروبا كلها». هذا يبين أن كل واحد من موقعه الديني يفرض الاحترام الإنساني ويؤثر ويظهر هذا المشترك الإنساني في الأديان.
• هل الأمير الذي صورته قد تلغي صورة الأمير المقاتل المتعصب للدين؟
لم أشأ أن أجعل من شخصية الأمير شخصية حقودة على الديانات الأخرى، لأنه غير صحيح. في سنة 1860 عندما بدأ المسلمون يتقاتلون وحدث قتل للمسيحين، تدخل مع جزائريين وأنقذ خمسة عشر ألف مسيحي.. هذه الصورة المثالية هي العلاقة التي تحددت مع مو نسينيور «دوبوس».
إذا الأمير هو حالة كلية فيها الجانب الحربي وفيها الجانب الإنساني. كان هناك نقاش كبير حول رواية الأمير» وكنت أعرف، وأنا أكتبها، أن الكثير من الناس سيرفضون هذه الصورة، وأنا أقبل بذلك، لكن ما لا أقبله وأرفضه هو كيل التهم والافتراءات.
أهم شيء هو كيف تخلق صورة أخرى أكثر إنسانية وأكثر روحية، لأنه لا يجب أن ننسى أن الأمير كان شخصا صوفيا.
• الجدل الذي أثير حول كتاب «الأمير»، لم يهز صورة الأمير في المخيال الشعبي. ألا تعتقد أن الرواية عززت تلك الصورة في الجزئية المشار إليها؟
في اعتقادي أن المخيال الشعبي أكثر تحررا من المخيال الثقافي المحكوم بهاجس سياسي وقيمي وأدبي. أما المخيال الشعبي فهو حر ومطلق، عندما يحب شخصية يضفي عليها كل صفات الحسنى والعكس لما يكره شخصية يضفي عليها كل المساوئ.
راوية الأمير كشفت جانبا آخر من شخصية الأمير، زادته حبا واحتراما في المخيال الشعبي. شخصية الأمير لا تقف عند رواية واحدة، بل تحتاج إلى عشر روايات أو أكثر حتى نستطيع أن نحيط بشخصيته من كل جوانبها. أنا الآن اشتغل على الجزء الثاني من رواية «الأمير»، وسيكون حول صوفية الأمير وعلاقته بالماسونية. وأعلم جيدا أنني عندما أنتهي من النص وينشر، ستشحذ ضدي الهمم والتهم.
• هل تعتقد أن الأمير عبدالقادر مؤسس الدولة الجزائرية، كان ماسونيا مثلما أشار إليه بعض الكتاب؟
من وجهة نظري لا، لأن السبب بسيط، اطلعت على كل الوثائق التاريخية الخاصة بالماسونية الموجودة بمركز الأرشيف الفرنسي«أوتر مار» بفرنسا، ووجدت الرسائل المتبادلة بين الأمير عبدالقادر والماسونية، خصوصا بعدما أنقد المسيحيين من الإبادة الجماعية وكانت رسائل في مجملها تحكي عن الأخوة والاحترام والإعجاب بالأمير الإنسان وعرضوا عليه الانضمام إليهم. وما يجب أن نعرفه أن الماسونية في ذلك الوقت لم تكن مخترقة من الحركات الصهيونية.
رئيس محفل الماسونية كان صديقا لنابوليون ،3 وهذا الأخير كان صديق الأمير عبدالقادر الذي كان يدين لإمبراطور فرنسا نابوليون 3 بإخراجه من السجن، فإذا الأمير كان يدين لنابليون 3 بذلك، فلما اقترح نابوليون 3 الصديق المقرب للأمير فكرة الانضمام إلى الماسونية رد الأمير بالإيجاب من باب إرضاء صديقه المقرب. لكن هناك تفاصيل مهمة جدا لا يجب إغفالها، وهي أن موعد اللقاء بين الحركة الماسونية والأمير الذي كان في باريس على الساعة العاشرة صباحا ب«لا لوج دو لوريون» التي ما زالت تحتفظ بصورة كبيرة للأمير عبدالقادر في مدخلها، تخلف الأمير عن الموعد بنصف ساعة. وهذا هو مربط الفرس.
• هل تقصد أن الأمير عبدالقادر فعل ذلك عن قصد؟
التاريخ لا يكتب ذلك، ولكن عندما نكتشف بروتوكولات الحركة الماسونية، ندرك أن الأمير فعل ذلك عن قصد وبحنكة لأنه كان يعرف تلك البروتوكولات.
الأمير كان يعرف أن الوقت بالنسبة للماسونية مهم جدا؛ لذلك تأخره كان عن قصد، لأنه يعلم أن في البروتوكول الماسوني التأخر عن احتفالية الاستقبال بربع ساعة يلغى احتفالية الاستقبال وتعوض بنشاط آخر. وهو ما فعله ووصل متأخرا للمحفل واعتذر من رئيس المحفل آنذاك «ماغات».
بعدها ربط الأمير عبدالقادر بمحفل الإسكندرية؛ لأنه كان ذاهبا للحج، وكان سيمر بالإسكندرية وحدد له الموعد من أجل إقامة احتفالية انضمامه.
• لكن الفرنسي «برونو إتيان» يشير في كتابه «الأمير عبدالقادر بين الصوفية والماسونية» إلى أن الأمير انضم إلى الماسونية وصار عضوا فيها في احتفالية الإسكندرية؟
نعم برونو إتيان كتب يقول إن الأمير ذهب إلى الإسكندرية وانضم إلى الماسونية، لكن الشيء الذي استغربت منه أن هذا الكاتب لم يقدم في كل كتاباته عن هذا الموضوع، وثيقة تثبت أن الأمير عبدالقادر انضم إلى الحركة الماسونية في محفل الإسكندرية مثلما يشير إليه.
استغربت كثيرا للأمر وأردت التحقق من ذلك، وفعلا توجهت إلى محفل الإسكندرية لأحقق في الأمر من خلال الوثائق التاريخية الموجودة هناك. وفعلا قدموا لي كل الأرشيف الموجود عندهم واكتشفت في الوثائق انتظار وصول الأمير بالتاريخ المحدد، ولكن لم أجد أبدا أثرا يثبت أن الأمير مر بمحفل الإسكندرية وانضم إلى الماسونية.. وهذا ليس لتبرئة الأمير، ولكن الخلاصة الحذرة التي وصلت إليها لحد الآن أن الأمير لم يكن ماسونيا.. بالرغم من أن برونو إتيان يشير في كتابه «الأمير عبدالقادر بين الصوفية والماسونية» إلى ذلك، وهو كتاب مهم، لكن لم أجد ما يقوله عن انتماء الأمير للماسونية أي وثيقة تثبت ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.