منظر الأطفال الذين يحملون «السيجارة» بأيديهم وهم يجوبون طرقات (المدينةالمنورة)، منظر بات مألوفا لدى الكثير من المارة، وهي ظاهرة بدأت تغزو بعض الأحياء في المدينة، حيث يتسكع أطفال لم تتجاوز أعمارهم السنوات العشر، ومراهقون في عمر الاثني والأربعة عشر عاما، في الشوارع المهجورة. «مزاااااج» ذلك ما قاله الطفل أحمد البالغ من العمر اثني عشر عاما، عندما سألته «عكاظ» عن الأسباب التي جعلته مدمن تدخين، وقد وجدناه في أحد الأحياء البعيدة عن أعين المارة، التي يطلقون عليها (ملتقى المزاج)، ويقول أحمد: إن هذا المكان مفضل بالنسبة له ولكثيرين من أصحابه، ويضيف، «نتخفى عن أعين الناس ونأتي إلى هذا المكان»، لأننا نجد فيه راحتنا. يقول الطفل عبدالله: بأنه يدرس في الصف الخامس الابتدائي، وأنه نشأ في أسرة مكونة من أب وإخوة، جميعهم يدخنون، لذلك يحب أن يقلدهم الآن، ولكنه لا يستطيع ذلك في البيت أو الشارع، ولهذا يأتي إلى هنا مع أصحابه، وأضاف «كانت بدايتي الأولى عندما سرقت بضع سجائر من أفراد أسرتي»، ويضيف: أنا أدخن لأنني أصبحت رجال، «وعشان أنا متضايق من المدرسة والدراسة، ومهموم بمذاكرة الدروس ولتفريغ هذه الهموم أدخن». ويشارك الطفل عبدالله في هذا الرأي صديقه الطفل خالد، ويقول إنه يدخن لأنه أصبح كبيرا، وأنه يستمتع بالدخان. رأي الاختصاصيين من جانبه، أوضح الدكتور نايف بن محمد الحربي، أستاذ الصحة النفسية المساعد ووكيل كلية التربية للدراسات العليا والبحث العلمي، ورئيس علم النفس التربوي بجامعة طيبة، أن كثيرا من الدراسات والبحوث الحديثة في مجال الانحرافات السلوكية لدى الأطفال خاصة في نهاية الطفولة المتأخرة، والمراهقة بكل مراحلها، أثبتت أن هناك عوامل عديدة تدفعهم للتدخين. وأضاف «المراهقة مرحلة حرجة وتتطلب المزيد من الجهد بالأساليب التربوية العلمية»، مشددا على ضرورة التركيز على دور الأسرة والمدرسة أولا، ومؤسسات المجتمع المدني، في عملية التنشئة. وقال إن الاصدقاء الذين يظهرون في هذه المرحلة، يعتبرون من الأشخاص الذين يلعبون دورا كبيرا في التأثير، حيث يعتبرهم المراهق الأسرة البديلة عن أسرته ومثله الأعلى، مبينا أن الأصدقاء يساهمون مساهمة كبرى في تشكيل شخصية المراهق، وأضاف، «وهنا مكمن الخطورة عندما تكون هذه الرفقة من سيئي السلوك في حين يعتبر التعرض لما يسمى بثقافة المواد المنبهة، وذلك من خلال السماع والرؤية أو وجود أسرة يتعاطى أفرادها، أو وسائل الإعلام المختلفة، التي تعرض عملية التعاطي بشكل يثير حب الاستطلاع والفضول، أو بصورة جذابة أو مغرية أو لجذب الاهتمام، وهذا في مجمله يؤدي إلى تأثيرات سلبية في انجذاب الأطفال والمراهقين لتجربتها، ومن ثم تعاطيها وصولا إلى إدمانها، المبني للأسف على معتقدات خاطئة مثل تعاطي المنبهات يوسع الإدراك العقلي، وكذلك قدرته على الحفظ السريع أو قدرة خارقة على التفكير والإبداع، وزيادة في مستوى الذكاء. المجتمع المحيط ويشير الدكتور الحربي، إلى أنه لا يمكن إغفال دور الظروف الاجتماعية المهيأة للتعاطي أو نفوره، ومنها البيئة السكنية التي قد ينتشر فيها التعاطي، والتي يغيب عنها التعليم وما يتبعه من وعي مجتمعي، ومنها أيضا الظروف الأسرية، مثل التصدع والتفكك الأسري، أو الاضطراب العائلي، والأساليب التربوية والمعاملات الخاطئة للأبناء كالشدة، والعقاب النفسي، أو الإهمال والتعدد السلبي للزوجات، ومنها أيضا الانحلال الخلقي داخل الأسرة، وضعف القيم الأخلاقية التي تؤثر سلبا في العلاقات الأسرية، خاصة بين الأب والأم، أو بين الأبناء وكذلك إقامة الأبناء بعيدا عن الأسرة، أو وفاة أحد الوالدين. كما يرتبط التدخين بصفات الفشل الدراسي، وما يصاحبها من مشاعر الإحباط والاستياء من جانب الأسرة، ما يؤدي إلى نفور الطالب من الموقف التعليمي والتربوي، ويدفعه إلى تجربة نشاطات بديلة تمتص مشاعر التوتر النفسي، وتساعده على الهروب من الواقع شعوريا ولا شعوريا، ومن ثمة الاتجاه نحو الانحراف بأشكال متنوعة. ويؤكد الحربي أن العديد من المؤشرات العلمية والمحلية تبين أن بدء التدخين يقع غالبا في سن المراهقة، واستطرد قائلا: «هذا يدفعنا إلى ضرورة الاهتمام بهذه الفئة بحيث تكون الأولوية لهم في عمليات التخطيط والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والتربوي والتوجيه، والعمل على تحقيق آمالهم وتقريبها من الواقع. التوعية الوقائية وأشار الدكتور الحربي إلى ضرورة تحقيق النمو النفسي والاجتماعي والديني بصورة جيدة والتوعية بالأساليب التربوية والوقائية للتعامل مع هذه الآثار، وما يترتب على المتعاطي والوقاية منها، لافتا إلى أنه الحل الأمثل اذا وقع المحظور.