ودع حي الشبيكة، الواقع داخل نطاق المنطقة المركزية للحرم المكي أمس، المدرسة الصولتية بعد أن احتضنها ل140 عاما، ليحتضنها حي الكعكية في مبناها الجديد، إذ أزالت معدات الهدم والقطع الصخري مبنى المدرسة استكمالا لمشروع توسعة الساحات الشمالية. ويعود تأسيس المدرسة الصولتية إلى عام 1292ه؛ حين قدم الشيخ محمد رحمة الله (مؤسس المدرسة الصولتية) في عام 1274ه إلى مكةالمكرمة، وأذن له بالتدريس في المسجد الحرام تقديرا لفضله وللاستفادة من علومه. ولما وجد أن هناك حاجة لدراسةٍ منهجيةٍ؛ أسس رحمة الله أول مدرسة على نفقته الخاصة في المسجد الحرام، وكان ذلك في شهر رجب من عام 1285ه. غير أن وجود مدرسة في محيط المسجد الحرام لا يؤدي الغرض المنشود من حيث تنظيم الدراسة، كما كان ينشدها الشيخ على غرار مدارس الهند الإسلامية العريقة والجامع الأزهر وغيرها من المدارس الإسلامية المنتشرة في ذلك العهد في البلدان العربية كدمشق وغيرها. وفي عام 1289ه، جاءت امرأة ثرية من الهند تسمى (صولت النساء) لأداء فريضة الحج وأرادت إيجاد رباط، فاستشارت الشيخ رحمة الله في ذلك، فأخبرها أن مكة مليئة بالأربطة، لكن ليس فيها مدرسة يتعلم فيها أبناء المسلمين، فحبذت الفكرة وتبرعت بقسط وافر من مالها الخاص وثروتها الكبيرة لإبراز هذا المشروع الحيوي. وشهد عام 1290ه إنشاء المدرسة في حي الخندريسة في حارة الباب إلى جوار المسجد الحرام، لتنقل بعد عام واحد إلى المبنى الجديد الذي حمل اسم (الصولتية) نسبة إلى المرأة الهندية واعترافا بجميلها، فكانت أول مدرسة في مكةالمكرمة. واستمرت المدرسة منذ ذلك الحين بالعمل على محو الأمية المنتشرة والقضاء على الجهل، لذا اعتنت بتدريس العلوم الدينية، فيما لا تزال العلوم الأخرى كالرياضية والاجتماعية تلقى عناية أقل، وفي عام 1301ه توسعت المدرسة وأصبحت لها بنايات عدة وشيد لها مسجد وكان مقرا لقسم الحفاظ سابقا، وفي عام 1324ه أقامت المدرسة مبنى ثالثا ويضم الآن جميع الفصول الدراسية. وتحتضن المدرسة مكتبة علمية تضم مجموعة من الكتب القديمة والنادرة والمخطوطات، ويرتادها الطلاب في غير أوقات الدراسة، كما يوجد في القسم الثانوي مكتبة صغيرة فيها عدد من الكتب خاصة بالمطالعة لطلاب القسم. ويؤكد مؤسس المدرسة الصولتية أنها ليست على نمط مدارس المرحلة الواحدة كما هو معروف الآن؛ فهي تضم مراحل مختلفة تعنى بتعليم الفرد من طفولته حتى التخرج، ومر نظام الدراسة فيها بفترات عدة، ففي الفترة الأولى مثلا التي تقع بين عامي 1292ه و1325ه لم تكن الدراسة في فصول، إنما كان كل طالب يختبر من قبل مدرسين وتقرر له الكتب المناسبة على ضوء ما لديه من مقدرة ومعلومات.