مكة المكرمة وحدها صاحبة التفرد في كل شيء؛ فلكل موقع في هذه العاصمة المقدسة شاهد على حياة وحكاية وحدث. من بين مئات المواقع التي عاشت لتستقطب عقول وقلوب زوار مكة وحرمها الشريف المدرسة الصولتية التي ظلت أكثر من 100 عام مجاورة للحرم قبل أن يتم نقلها الشهر الماضي إلى شارع أم القرى القريب من الحرم المكي، وبدأت فصول تأسيس هذا الصرح العلمي الواقع على مقربة من الحرم عندما أتت سيدة من بلاد الهند لأداء مناسك الحج عام 1290ه، فأرادت أن تتبرع بمبلغ من المال تحصلت عليه من تركة زوجها، وذلك بإنشاء وقف رباط خيري للأرامل والفقراء أو بناء وقف خيري، والتقت بشيخ هندي اسمه رحمة الله في نفس موسم الحج؛ حيث أقنعها بفكرة إنفاق المال على مدرسة دينية؛ حيث لم يكن لها آنذاك نظير في حارات مكة المجاورة للحرم المكي الشريف. وعن تاريخية المدرسة، يقول الدكتور فواز الدهاس أستاذ التاريخ والحضارة ومدير مركز المتاحف بجامعة أم القرى إن امرأة ثرية من الهند تسمى (صولت النساء) كانت قدمت في موسم حج عام 1290ه، أرادت إقامة رباط فاستشارت الشيخ رحمة الله في ذلك، فعرض عليها أن مكة مليئة بالأربطة، ولكن ليس بها مدرسة يتعلم فيها أبناء المسلمين، ففضلت الفكرة وتبرعت بقسط وافر من مالها الخاص وثروتها الكبيرة لإبراز هذا المشروع الحيوي المفيد، فبدأ في تشييد مبنى المدرسة ووضعت أول لبنة أساسية لهذه المدرسة في حي الخندريسة بحارة الباب جوار المسجد الحرام عام 1290ه، وفي 14 شعبان 1291ه انتقل طلاب ومدرسو مدرسة الشيخ رحمة الله إلى هذه البناية الجديدة، وتخليدا لذكرى هذه المرأة واعترافا بجميلها أطلق المؤسس اسم (الصولتية) على هذه المدرسة الأولى في تاريخ مكةالمكرمة. وكانت المدرسة الخاصة تعنى بتدريس العلوم الدينية من توحيد وتفسير وحديث وفقه وما إليها من بقية الفنون، على أنها لا تزال تعنى عناية لا تقل عن تلك العناية بالعلوم الأخرى كالعلوم الاجتماعية والعلوم الرياضية؛ فهي تسير بخطى واسعة في برنامجها لهذه العلوم والفنون؛ حيث إن المدرسة الصولتية ليست على نمط مدارس المرحلة الواحدة كما هو معروف الآن؛ فهي تضم مراحل مختلفة تعنى بتعليم الفرد من طفولته حتى التخرج، ومر نظام الدراسة فيها بعدة فترات؛ ففي الفترة الأولى التي تقع بين عامي 1292ه و1325ه لم تكن الدراسة في فصول، وإنما كان كل طالب يختبر من قبل مدرسين وتقرر له الكتب المناسبة على ضوء ما لديه من مقدرة ومعلومات.