مهرجان الحريد    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    «الفضلي» يدشن أسبوع البيئة ويدعو إلى تعزيز الشراكة المجتمعية    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الأول للورد والنباتات العطرية    حتى لا نفقد درراً !    رؤية المملكة 2030 في عامها الثامن    «رؤى المدينة» و«هيلتون» يوقعان اتفاقية لافتتاح ثلاثة فنادق    «أكواليا» تستعرض جهودها في إدارة موارد المياه    "القروض الخضراء" لتمويل المشروعات صديقة البيئة    "تاسي" أخضر و7 صفقات خاصة ب318 مليونا    الاحتلال يواصل قصف المدن الفلسطينية    البحث عن حمار هارب يشغل مواقع التواصل    تأملاّيه سياسية في الحالة العربية    انطلاق تمرين "الموج الأحمر 7" بالأسطول الغربي    القيم تتصدع في غزة    موسكو تدرج زيلينسكي في قائمة المطلوبين    في مؤجلة من الجولة ال 28.. الأهلي يستقبل الهلال في كلاسيكو الجوهرة    "جاياردو" على رادار 3 أندية أوروبية    في انطلاق الجولة 31 من " يلو".. القادسية يسعى للصعود من بوابة " أحد".. والبكيرية يواجه العدالة    إبعاد "حكام نخبة أوروبا" عن روشن؟.. القاسم يردّ    أمراء ومسؤولون وقيادات عسكرية يعزون آل العنقاوي في الفريق طلال    العوفي يحتفل بزفاف نجله حسن    باسم يحتفل بعقد قرانه    الصمعاني: مرحلة جديدة من تطوير قضاء التنفيذ    «الجوازات»: صلاحية جواز السفر 3 أشهر للدول العربية و6 لبقية الدول    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    ورحل البدر اللهم وسع مدخله وأكرم نزله    عزل المجلس المؤقت    ملحمة ثقافية    وصول التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" إلى الرياض    طريقة عمل كروكان الفواكه المجففة بالمكسرات وبذور دوار الشمس    محمد عبده سافر قبل"11"يوم .. وتماثل للشفاء حسب التقارير الطبية    الدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي: "ندعوا دول العالم إلى ضرورة التحرك لوقف جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني"    الهلال ينهي تحضيراته لمؤجلة الأهلي من الجولة 28 في دوري روشن    منافسات الجولة ال31.. تنطق غداً بثلاث مواجهات    معارك السودان تستمر    آل معمر يشكرون خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    المملكة تستضيف اجتماعيّ المجلس التنفيذي والمؤتمر العام ل"الألكسو"    كلوب: مدرب ليفربول المقبل لن يواجه صعوبات    فرص واعدة لصُناع الأفلام في المملكة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام هيئة التراث بالمنطقة    ميسي يسجل ثلاثة أرقام قياسية جديدة في الدوري الأمريكي    20 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح    توقعات بهطول أمطار رعدية خفيفة على معظم مناطق المملكة    تنمية جازان تفعل برنامجًا ترفيهيًا في جزر فرسان    اللحوم والبقوليات تسبب "النقرس"    السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتهت الزيارة
نشر في عكاظ يوم 09 - 07 - 2021

حين بدأت كتابة قصة طويلة تتحدث عن أحوال الناس خارج ذلك المشفى الذي يضم مرضى، الله وحده يعلم بشأنهم وهل هم على مستوى واحد من المرض، ومن الذكاء الذي تعدى حدوده للذهن البشري فوصل إلى مرحلة الهذيان وتلك مرحلة ربما تؤثر لدى الطبيب المعالج في قدرته على التشخيص.
كان لي قريب يعمل في هذا المستشفى، أتممت كتابة القصة بكل تفاصيلها وراودني إحساس عجيب وغريب في أن بطل هذه القصة به علة ذهنية لا أعرف تفاصيلها، ربما نجحت في التقاط تفاصيل هذا النمط من الحياة التي نعتبرها خارجة عن السياق العاطفي أو الذهني بمقاييسنا خارج اللعبة، هي قصة لن أخبركم بتفاصيلها وقررت أن أطبع منها عشر نسخ وأهديها لعشرة عقلاء في مستشفى المجانين، قريبي الذي يعمل في المستشفى رفض الفكرة من أساسها وقال: أنت تعرضني للمساءلة الوظيفية، شكرته واتجهت إلى موظف أقل تساهلاً وقبل بالمهمة، ربما تضامناً معي لمغزى الفكرة وتوابعها باعتبارها فكرة (مجنونة)، لم أعرف كيف تم توزيع النسخ على ساكني هذا المستشفى، الشيء الوحيد الذي أضفته عنواني البريدي وعبارة وحيدة: هل لك رأي آخر؟
عبرت ثلاثة شهور وأنا أفتح بريدي يومياً ولم أتلق رأياً من العشرة الذين بعثت لهم النسخ.
بدأ الشك يراودني في أن النسخ لم تصل إلى واحد من المرضى، اتصلت بمن تبرع بإيصالها لهم، وقال لي: ثلاثة منهم قبلوا باستلامها والسبعة رفضوها بقذفها على الأرض وبضحك غريب ينم عن معرفة ضائعة، لذلك استبعدتهم، أحد الثلاثة كتب شيئًا، والثاني والثالث كتبا (مهزلة)، لكن الأول يصر على مقابلتك، وأنت تعرف قوانين المستشفى بالغة الصرامة والانضباط، للمرضى وللزائرين، قلت له: احسبني أحد الزائرين، التفت لي بشكل وظيفي أشعرني بضعفه أمام لقمة عيشه الوحيدة، رحمت حالته ولكن اليأس لم يتمكن من مشاعري وصممت على مقابلة القارئ الوحيد بوسيلة ما، ذهبت لصديق يعمل في صحيفة يومية غير مشهورة، بحت له بمعاناتي وكأنه عطف علي وقال: بماذا أخدمك؟ قلت له بوضوح: أود الحصول على بطاقة صحفية. أبشر، قالها واستبشرت خيرًا.
بعد أسبوع ذهبت للمستشفى، وكان للبطاقة الصحفية تأثيرها السحري، قابلت مدير المستشفى ومساعده، والأطباء، فرحت بهذا الزيف من قبلي ومن قبلهم، قلت لهم على اسم المريض، المدير رفع الهاتف: فلان، كم رقمه: 999، ضحكت وتذكرت أرقامًا كثيرة مثل الدفاع المدني والإسعاف والطوارئ و و و إلخ، كتمت الضحكة بعد أن شاهدت الوجوه لبست التعابير الرسمية، حاولت أن أكون جادًا فأظفر بالمطلوب.
قلت بشكل جاد هذه المرة هل يمكن أن أقابل المريض 999؟ جميعهم تحولت نظراتهم إلى وجه المدير، قال بصوت خافت: لا بأس، رافقني أحدهم ولم يتكلم طوال المسافة بل نكس رأسه وكأنه يحصي خطواته، انعطف فجأة وأنا خلفه إلى جهة اليسار، دخلت غرفة لا بأس بحجمها واتساعها، في أحد أركان الغرفة الواسعة يجلس المقيم بها على كرسي واسع وأمامه طاولة صغيرة خالية، سوى الكتاب الذي بعثته إلى المستشفى. لكنه لم يشاهد كتبًا أخرى، هل وضع هذا الكتاب من قبل المستشفى، أو أن الكتاب بمختلف مواضيعه ممنوع، ألقى التحية وسمع صوتًا هامسًا جدًا، والتفت لمرافقي والذي من المؤكد أنه يعرفه حق المعرفة. المرافق غادر الغرفة بلمسة حضارية وقبل أن يغادر همس في أذني: لا أكثر من ساعة، شكرته بصوت هامس، وتوجهت إلى صاحبي والذي يحمل (999) كنت حذرًا، وحين ابتسم وقال بصوت مرتفع وواثق: أهلًا، كان مرتبكًا بعض الشيء وخصوصًا عندما دخل المرافق فجأة وهو يحمل مقعدًا في مواجهة المريض ويعود أدراجه.
نظر لوهلة ثم قال بصوت واثق وبه نبرة حزن غير خافية: هل تريد معرفة اسمي الحقيقي؟ قلت له: لا تكلف نفسك. ابتسم وقال: جميعكم تتشابهون، لكنكم أقرب إلى حالتنا، فقط أنتم في خارج هذا المشفى ونحن داخله وجميعنا يحمل أرقامًا أليس كذلك؟ قلت له: لا أظن ذلك! قال: أنت في الدفاتر الرسمية عبارة عن رقم تحمله، في البنك، في معاملاتك عبارة عن رقم في بطاقة الأحوال، جواز السفر في البنك، يوم ولادتك، وشهادة وفاتك، بيتك الذي تسكنه عبارة عن رقم.
الشبه بيننا كبير بل ومتطابق، أنا فخور برقمي الذي يعتبر رمزًا، لم يعد يعنيني اسم عائلتي وقبيلتي، أعتز برقمي هنا في هذا المشفى، لدي سؤال آمل ألا يستفزك وهو عبارة عن سؤال لا أود سماع إجابته، دخولك لهذا المشفى هو رغبتك الأولى في كتاب يخلو من الدهشة، والمقارنة، هو عبث لا جدوى منه، في الخارج يتعافون من مشاكلهم بالدعاء أو الحزن والبكاء وسماع أطباء لم يصلوا إلى شفاء ما يشعرون به، كلنا مرضى يا صديقي لكن نكابر أليس كذلك؟ وأردف لا أرغب في سماع إجابة، تلك التهم التي سطرت بها كتابك لم تكن سوى استعراضًا لثقافة مثقوبة تتسرب منك ولا تشعر بها.
لديك القدرة في حرية الحركة أكثر من حرية التفكير وهذا بمثابة مأزق لا تلتقط من خلاله إلا ما يعجبك أنت، ذلك قيد لا تشعر به، نحن هنا لسنا مساجين، نحن مرضى التفكير في كيفية مساعدتكم أنتم أيها المرضى الطلقاء، أنتم تواجهون القدر ولا تكتبونه، حاولت أن أتحدث ولم يمنحني الفرصة، لم يكن شرساً ولكنه رفض فكرة الحوار من أساسها، وظل يخوض في فكرة الحرية والحوار حتى وصل لنقطة فكرة الكتابة وأنه قرأ القصة والتي لا تحمل إبداعًا وبلا هدف، واتهمني بكتابتها لسماع من هم في المشفى والتي لم يقرأها سواه، قال: كنت تأمل الخروج ظافرًا بقصة جديدة أحدنا أو جميعنا أبطالها، نحن لا نمثل سوى مجموعة مرضى تمت محاصرتنا هنا لكنّ كمًا هائلًا خارج المشفى سايروا فقدان العقل بإطلاق مسميات مرضية أخرى، وفي الحقيقة المرعبة أن العافية لم تزرهم أما نحن عكسهم تمامًا.
فجأة دخل أحدهم قائلًا: (انتهت الزيارة) لم يقم بتوديعي، بل اعتلى سريره وقام بتغطية جسمه مانحًا ظهره لي، ولم أشعر إلا وأنا خلف المسؤول الذي قال لي: عذراً انتهت الزيارة !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.