الكويت ترفع سعر خام التصدير لآسيا لشهر يونيو    اعتماد الإستراتيجية العربية للأمن المائي في المنطقة العربية    «الموارد البشرية» تطلق «خدمة حماية الأجور» لرواتب العمالة المنزليَّة    سيفول رحمات: مبادرة طريق مكة سهلت رحلة الحاج    تحت رعاية ولي العهد«سدايا» تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي سبتمبر المقبل    بنك التصدير والاستيراد السعودي يوقّع اتفاقيتين لتمكين الصادرات السعودية غير النفطية    انطلاق الاختبارات الوطنية "نافس" في جميع مدارس المملكة للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة    جامعة طيبة تحتفل بتخريج الدفعة العشرون من طلابها    ‫ وزير التعليم يتفقد مدارس الحدود الشمالية ومشاريع جامعة الشمالية    وصول أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من إندونيسيا    300 طالب يشاركون بحلول رقمية إبداعية في "برمجاثون"    ارتفاع عدد كوادر التمريض إلى 235 ألفاً في 2023    "البنك الإسلامي" يجمع 2 مليار دولار    مساعدات طبية وغذائية ل3 دول من "سلمان للإغاثة"    رابطة العالم الإسلامي ترحب بقرار الأمم المتحدة تبني قرار عضوية فلسطين    «الزعيم » لا يكل ولا يمل    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    لزيادة حجم القطاع 10 أضعاف.. السعودية تطلق خارطة طريق الطيران    إزالة 23 مظلة وهنجراً عشوائياً في أحياء الطائف    19710 مخالفين للأنظمة ضبطوا في 7 أيام    أمير تبوك يطلع على إنجازات التجارة.. ويرأس اجتماع لجنة الحج.. اليوم    السعودية و31 دولة تشارك في تمرين «الأسد المتأهب»    جامعة «مالايا» تمنح العيسى الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية    «البلدية»: إيقاف وسحب «المايونيز» من أسواق المملكة    هيئة الصحفيين السعوديين يقيم ندوة "المواقع الإخبارية التحديات والآمال"    حظر «الرموش الصناعية» على العاملات في تحضير الأغذية    نحو سينما سعودية مبهرة    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخريج الدفعة ال 20 من طلاب وطالبات جامعة طيبة    عساك «سالم» يا عميد    جامعة الملك سعود تتوّج ببطولة الرياضات الإلكترونية للجامعات    البصمة السينمائية القادمة    تحسينات جديدة في WhatsApp    الذكاء الاصطناعي يتعلم الكذب والخداع    نسيا جثمان ابنهما في المطار    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    طائرة الأخضر إلى نهائيات كأس آسيا    إبادة بيئية    إنقاذ ثلاثيني من إصابة نافذة بالبطن    مواد مسرطنة داخل السيارات    الهلال يوافق على انتقال بيريرا لكروزيرو    أرسنال يسقط اليونايتد ويستعيد الصدارة    أمير تبوك يطلع على إنجازات "التجارة"    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير فرع عقارات الدولة    نائب أمير الرياض يرعى حفل تخرج طلبة كليات الشرق العربي    كبسولة السعادة .. ذكرى ميلادي الرابعة والأربعون    تنمية المواهب في صناعة الأزياء محلياً    لؤلؤ فرسان .. ثراء الجزيرة وتراثها القديم    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    أرتيتا يحلم بتتويج أرسنال بلقب الدوري الإنجليزي في الجولة الأخيرة    إنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة طريق مكة آليًا    مختبرات ذات تقنية عالية للتأكد من نظافة ونقاء ماء زمزم    بعض الدراسات المؤرشفة تستحق التطبيق    " الأحوال" المتنقلة تواصل خدماتها    محافظ جدة يدشن مبادرة " العمل والأسرة"    روتين الانضباط وانقاذ الوقت    المراكز الصحية وخدماتها المميّزة    نائب أمير مكة يناقش مستوى جاهزية المشاعر لاستقبال الحجاج    سمو أمير منطقة تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج غداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقلنا الفقهي ورسوم الأراضي!
نشر في أنباؤكم يوم 18 - 09 - 2014


الحياة - سعودي
تأتي مسألة فرض الرسوم على الأراضي العقارية مثالاً يشهد لأزمة في العقل الفقهي السعودي في تعامله مع النوازل والقضايا المستجدة، إذ تغلبه مسحة الظاهرية على مراعاة مقاصد الشريعة وروحها وقواعدها، يأخذ بنص ظني منازع في صحته ثبوتاً واستدلالاً، ويطّرح خلفه قواعدَ ومقاصدَ وأصولاً شرعية قطعية، فتأتي فتاواه جامدة جالبة للمشقة دافعة للتيسير. تكثر فيها المفارقات، لتصبح مادة يتندر بها في المجالس.
يقول لك: تدعون لتطبيع الخلاف، وحق الآخرين في الاجتهاد، واحترام الآراء المخالفة، ثم نراكم أول من يضيق بالخلاف ويثرب على المخالف، ويستكثر عليه الاجتهاد، أليست هذه المسألة من المسائل الاجتهادية التي يسع فيها الخلاف، وتوجب احترام الآراء المخالِفة؟
هذا اعتراض من لم يفهم وجه الاستدراك والعتب على مَن يحرّم رسوم الأراضي، فوجه ذلك ليس أن يرى جواز ذلك أو عدمه، وإنما محل الاستدراك والعتب في أصل تصوّره للمسألة، وفي منهج تفكيره واستدلاله، وهذه بلوى عامة في بعض المتخصصين الشرعيين في دراستهم للنوازل، يُخضِعون المسألة لظاهر نصٍ من دون مراعاةٍ لمعناه وسياقِه، ولا مراعاةٍ لمقاصد وأصولٍ تؤول من أجلها النصوص، وإنْ كان يُعتذر لهم ذلك بفرط هيبتهم للنص؛ لكن ذلك لا يرفع عنهم العتب في كون منهج استدلالهم يفتقد فيه هيبة المقاصد والقواعد والأصول الشرعية المحكمة، والحق أن هيبة المقاصد والأصول الشرعية أعظم وأولى بالمراعاة؛ لأنها إنما تقررت باستفاضة النصوص الشرعية على إثباتها ومراعاتها، فكيف تُطمر من أجل هيبة نص واحد ربما نوزع في ثبوته أو دلالته؟ هو يرى تحريم أخذ الرسوم عليها تمسكاً بظاهر حديث «ليس في المال حقٌ سوى الزكاة»، والتزامه بظاهر النص يقتضي أن يقول بالمنع من التعزير بالمال؛ لأنه ليس في المال حق سوى الزكاة، لكن تأمل كيف فهم المحققون من العلماء سياق الحديث ودلالته، فلم يُعملوا دلالة الحديث على ظاهره بادئ النظر، يقول ابن تيمية في بيان معنى هذا الحديث: «أي ليس فيه حق يجب بسبب المال سوى الزكاة، وإلا ففيه واجباتٌ بغير سبب المال، كما تجب النفقات للأقارب، والزوجة، ويجب حملُ العاقلة» أي تحمّل أقارب القاتل خطأ لدِية قتيله.
كما يستدل من يرى تحريم الرسوم على الأراضي بعموم حديث: «لا يحل مال امرئ مسلم بغير طيب نفس منه»، ولا شك أن هذا هو الأصل في مال المسلم، ولكن هذا من العموم المخصوص، وكما قال الأصوليون: ما من عام إلا وقد خُصص، ولو أُخذ بعموم الحديث لكان انتزاع الملكيات الخاصة للحق العام حراماً؛ لأن ثمةَ مَنْ انتزعتْ أملاكه للمصلحة العامة بغير طيب نفسه، ولا نسدّ بالأخذ بهذا الإطلاق والعموم بابُ التعزير بالمال، وتحمل العاقلة للدية...إلخ.
كما أن هذا الأصل وهو أنه «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» معارَضٌ بقواعد عامة مقرَّرة تقدّم عليه؛ كقاعدة «تقدم المصلحة العامة على الخاصة»، وقاعدة «إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً»، وقاعدة «الضرر يزال»، وليس من منطق العقل في شيء أن تقدّم مصلحة أفراد على مصلحة مجتمع، وبخاصة في أزمة تعاني منها طبقة واسعة من المجتمع. إن هذا العقل الفقهي الذي ينزع إلى تحريم الرسوم صوناً لحرمة أموال المسلمين يعزب عنه حقيقة معنى الاحتكار الذي كان الشرع صارماً في منعه، ويظن أن الاحتكار المحرم منحصر في ما تتوقف عليه حياة الناس من أقواتٍ وأدوية، وهذه نظرة من لا يراعي اختلاف ظروف الزمان والمكان الذي هو مظنة اختلاف الفتوى، وتجدد الاجتهاد، أوليس الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً؟
لقد استجدت في الناس اليوم أحوال وظروف جعلت حاجاتهم الماسة لا تنحصر في ما ألفوه قبل قرون، وذلك يستوجب إعادة النظر في ما يدخل في مفهوم الاحتكار المحظور وما لا يدخل، كما لا ينبغي أن يغيب عن ذهن الفقيه أن الاحتكار المحرم لا ينحصر في صورة الاستحواذ على ما في البلد من قوت أو دواء أو سلعة تكثر حاجة الناس إليها، بل يتحقق الاحتكار المحرم بالامتناع عن بيع ما بيده مما تكون حاجتهم إليه ماسة حتى ولو لم يستحوذ على السوق ما دام أن امتناعه مؤثر في سعر السلعة.
في مسألة فرض الرسوم على الأراضي لنتفق على إرجاء النظر في شأن من لا يملك إلا أراضي يسيرة، ولكن ألا يمكن أن نتفق على أن الإقطاعيين المؤثرين في سوق العقار هم السبب المباشر الأكبر في أزمة السكن وتعطّل مشاريع وزارة الإسكان؟ وأن تربّصهم بأراضيهم الشاسعة يدخل بداهة في مفهوم الاحتكار المحرم؟
إن النظرة العابرة تذهل عن أن أسعار أراضي كبار العقاريين إنما تضاعفت لدخولها في النطاق العمراني المشمول بالخدمات المأهول بالسكان، فإذاً هي أرباح مضاعفة سببها أموال الدولة المصروفة في مشاريع خدمية كان أكبر المستفيدين منها هؤلاء العقاريين الكبار! أفلا تستحق أراضيهم أن يكون فيها حقٌ سوى الزكاة؟ لأن في أراضيهم كُلفة مضافة تكبدتها خزينة الدولة، استفاد منها العقاريون المحتكرون، وتضرر منها عامة الشعب الذي هو مقصود بالخدمات والمشاريع.
إن الذي يتردد تورعاً في فرض الرسوم على الأراضي الشاسعة الداخلة في النطاق العمراني عليه أن يتردد أكثر في الفتوى في إباحة نزع الملكيات الخاصة من أجل مشاريع التنمية أو التطوير.
بقي في المسألة الجواب عما يتحجج به بعضهم من أن موجب المنع هو أن في هذه الأراضي المحتكرة زكاة مفروضة، وعليه فيكون فرض الرسوم عليها زيادة على ما أوجبه الشرع، ويدخل في تشريع ما لم يأذن به الله، وللحديث صلة إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.