فايد العليوي - الشرق السعودية «أما النقد في هذا البلد فهو على طريقة الهوشات، ولا يعتمد على التحليل العلمي أو ذكر المحاسن والعيوب»! الأديب الكبير عبدالله عبدالجبار (إبراهيم الفوزان .. خواطر وطنية وأدبية). عبارة قيلت قبل عقود، لكنها تنطبق تماماً على واقعنا اليوم. فيبدو أن طوال هذه العقود لم تطرأ على النقد السعودي في مختلف المجالات أي بوادر ارتقاء. وحقيقة يحق لي التشاؤم طالما أننا مازلنا ندرس لأبناءنا رسالة (التربيع والتدوير) و»فغض الطرف إنك من نميرٍ...». فالبعض يدرك مدى تأثير الإرث العربي على سلوك المجتمع وطريقة تعاطيه. فالنقائض كما يقال حفظت ثلث اللغة العربية، إلا أنها حملت إرثاً كريهاً يغص بالتعصب المقيت. والعرب -كما يُعرف- يغلب عليهم التنابز والتفاخر وبقية أشكال الإيذاء النفسي. فعلى سبيل المثال، كان أحد قادة جيوش بني أمية أسود قصيراً، فكان الجنود ينبزونه ب(دحروجة الجُعل)؛ كونه مستدير الشكل أسود اللون وكأنه «بعرة» بعير تدحرجها حشرة الجُعل صاحبة الامتياز بهذا النوع من النفايات الحيوانية! وفي الشعر العربي يعطي العرب شعر الهجاء جل اهتمامهم؛ ربما لكونه يوافق طبيعتهم الفظة، حتى إن الهجاء في العصر الجاهلي له طقوس وبروتوكولات معينة؛ فالشاعر إذا أراد الهجاء فإنه يلبس الصوف، وينتعل نعلة دون أختها، ويعقد إحدى خصلات شَعره ويرسل الأخرى! فيظهر للناس وكأنه شيطان! حينها يدرك الجميع أنه تأهب لمهمته الحضارية. أعود لمقولة العبدالجبار ومدى مطابقتها لواقعنا الحالي، التي بالطبع ليس لانحطاط مستوى التعاطي علاقة بمدى الإيمان بالقضايا التي يدور حولها الجدل، وإنما يكون للجانب الشخصي والتربوي تحديداً أثر في تحديد مستوى اللغة. فالبعض يجد صعوبة شديدة في الانعتاق من تراكمات الإرث العربي والمحيط الاجتماعي، فيفضل اجترار ذلك المخزون الرديء عوضاً عن الارتقاء بأخلاقيات الطرح. وربما تجاوز التجريح الشخص إلى تخصصه العلمي، فمثلاً أستاذ اللسانيات يوصف بأستاذ «البرطميات»! وحتى في الإعلام الرسمي تجد عبارة (ما يدعى) أو (ما يسمى) أمام اسم الشخص، وذلك من باب التحقير بلاشك. وفي الوسط المحلي يشاهد الجميع المعركة الدائرة بين «المتتيرين»، والكم الهائل من الشتائم والتقاذف المتبادل، إلا أنني أشاهد ثمة من يقدم طرحاً جريئاً ولا يُجرّح من قبل التيار الآخر، كعبدالرحمن الحبيب مثلاً، وأكتشف أن رقي لغة الرجل تفرض على التيار الآخر مستوى عالياً من التعاطي. وكذلك الدكتور محمد الهرفي. هنا أدركت أن عامل التربية هو المتحكم، وليس مدى الإيمان بالفكرة. وحقيقة أن انحطاط مستوى اللغة بلاشك يسيء للناقد قبل أن يشوه النقد؛ فمثلاً مقالة (طحالب الفكر العربي) لعبدالله الناصر التي انتقد فيها إبراهيم البليهي، حملت من التجريح ما تنوء به العصبة أولو القوة! حتى أنه شبهه ب(عجل مخنوق)! لست من أنصار البليهي؛ لأن هذا يعد أحد التفسيرات التي يواجه بها من يطرح رأياً مخالفاً، بل على العكس، فالبليهي عمل لي «بلوك» في «تويتر»؛ جرّاء تحفظي على بعض أطروحاته، وهذا لم يمنعني من أن أستشهد بأحد سطوره في مقالتي السابقة. ولمن أراد الاستزادة بأدبيات الهجاء فعليه بمقالة (ملهي الرعيان وأبوحقب) لمحمد آل شيخ، الذي يستحق عليها أن يلبس الصوف، وينتعل نعلة دون أختها، ويعقد خصلة شعره ويرسل الأخرى.