بتوجيه الملك.. ولي العهد يغادر لترؤس وفد السعودية في القمة العربية بالبحرين    «الأرصاد»: رياح شديدة السرعة على عددٍ من محافظات منطقة مكة المكرمة    أمير المدينة يرعى تخريج البرامج الصحية ويترأس اجتماع المحافظين    أمير تبوك: ليالي الحصاد والتخرج هي من أسعد الليالي التي احضرها لتخريج أبنائي وبناتي    مدرب الأهلي يخضع فيغا لاختبارات فنية تأهباً ل"أبها"    خارطة طريق سعودية – أمريكية للتعاون بالطاقة النووية    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    150 مبتكراً ومبتكرة يتنافسون في الرياض    أوشحة الخيل.. تنافس على إرث ثقافي سعودي    ارتفاع معدل البطالة في استراليا إلى 4.1% في شهر أبريل الماضي    النفط يرتفع بدعم من قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    إطلاق جامعة طيبة لمعرض "مكين" الهندسي    سمو محافظ الطائف يرعى حفل افتتاح المجمع القرآني التعليمي النسائي    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    «عكاظ» تنشر الترتيبات التنظيمية للهيئة السعودية للمياه    برعاية ولي العهد.. انطلاق الملتقى العربي لمكافحة الفساد والتحريات المالية    الأهلي يتحدى الهلال والاتحاد يبحث عن «النصر»    الاتحاد في مأزق الخليج.. نقاط الأمان تشعل مواجهة الوحدة والرائد    قمة عادية.. في ظرف استثنائي    صفُّ الواهمين    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    71 فناناً وفنانة في معرض «كروما» بجدة    حل وسط مع الوزراء !    محاولة يائسة لاغتيال الشخصية السعودية !    نريدها قمة القرارات لا التوصيات    مخاطر الألعاب الإلكترونية على الأمن المجتمعي    «هاتريك» غريزمان تقود أتلتيكو مدريد للفوز على خيتافي في الدوري الإسباني    في قمة مواجهات الجولة 32 من «روشن».. ديربي الرياض بروفة نارية لنهائي كأس الملك    توثيق من نوع آخر    خطوة جادة نحو رؤية وزارة الرياضة    خادم الحرمين الشريفين يصدر عددا من الأوامر الملكية    السفير الإيراني يزور «الرياض»    السلطات الفرنسية تطارد «الذبابة»    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    باكوبن والدقيل يزفون المهندس محمد    عبدالملك الزهراني ينال البكالوريوس    بوتين يصل إلى الصين في زيارة «دولة» تستمر يومين    استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى غزة    «الحر» يقتل 150 ألف شخص سنوياً    دعوة عربية لمجلس الأمن باتخاد إجراءات سريعة توقف العدوان الإسرائيلي    شتلات شارع الفن    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    إنتاج الصقور في الحدود الشمالية    "الدرعية" تُعزز شراكاتها الاقتصادية والسياحية    وزير الاستثمار: الاقتصاد السعودي الأسرع نموا وجاذبية    طريق الأمير محمد بن سلمان.. أهم مسار لتنقل الحجاج    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    لقاح جديد ضد حمى الضنك    مختصون يدعون للحدّ من مخاطر المنصّات وتقوية الثقة في النفس.. المقارنة بمشاهيرالتواصل الاجتماعي معركة خاسرة    5 منافذ في الشرقية تستعد لاستقبال الحجاج    المزروع يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة 14    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكومات والفساد والثورات

لم يبدع أحد في تفسير الثورات والتنظير لها - في رأيي - كما فعل ماركس ومن قبله هيقل. كان ماركس منظرا عبقريا لكن فكرة واحدة سيطرت على رأسه فجند لها كل استنتاجاته ليقنعنا بأنها الحقيقية ومنتهى الأمل. وبقدر ما كان ماركس عبقريا في استكشاف بنية الثورة بقدر ما كان المحور الأنجلوسكسوني الرأسمالي الحديث عبقريا في تفاديها. لقد جردوها من فتيلها ونجحوا في ذلك ردحا من الزمن، فما الذي تغير اليوم، ولماذا ظهرت حركات مثل ""احتلوا وول ستريت"" لتحتل حيزا من اهتمام الناس؟ لماذا عادت الروح إلى تلك القنبلة وكأنها تبحث عن فتيلها مرة أخرى؟ هنا محاولة للفهم على أن ذلك التعريض يفسر قليلا من أسباب الثورة العربية التي حدثت وتلك التي لم تحدث منها.
الرأسمالية طبقية شاءت أم أبت، إن ذلك حتمي فيها برغم ما تحمله كلمة حتمي من فجاجة هنا. لقد رأى ماركس ذلك بوضوح في عصره فنظر له وهو يرى كيف تقسم الرأسمالية المجتمع إلى ملاك يملكون كل وسائل الإنتاج وعمال لا يجدون غير جهدهم لبيعه، وبينما يعود على العامل أجره فقط، يستولى الملاك على فائض الإنتاج، مما يزيدهم قوة ومنعة بينما يبقى العمال عند حد الفقر، وكلما تزايد عددهم زاد فقرهم. هكذا يتمايز المجتمع في طبقتين أساسيتين هما الرأسمالية البرجوازية الغنية والعمال الفقراء البوليتاريا، وإذا ذكرت البوليتاريا تخيل شبابا أقويا عاطلين فقراء ليس معهم سوى سواعدهم لكسب العيش. يتجاهل ماركس عن عمد المهن الأخرى التي لا تشكل في نظره طبقات حقيقية.
كان أهم ما حاول الماركسيون التنظير له لتبرير الثورة هو علاقة الحكومة بالبرجوازيين الرأسماليين، فهم يرون أن الرأسماليين (كطبقة مهيمنة) تفرض القوانين وتشكل الحكومات التي تدعم هيمنتها، لذلك كان الحل عندهم في إلغاء الدولة، وأول خطوة لتحول العمال البوليتاريا إلى طبقة مهيمنة هي الثورة على الحكومات التي تدعم الرأسماليين وإلغائها سعيا بعد ذلك إلى فرض قوانين الطبقة المهيمنة الجديدة وهم العمال، ومن ثم الانتقال إلى العالم المثالي الحر عالم الاشتراكية، حيث يمكن لكل العمال ممارسة كل الأنشطة. لقد كانت فكرة الثورة واضحة وفتيلها موجود لذلك اندلعت.
كانت فكرة فرض القوانين الجديدة للعمال بعد الثورة واضحة أيضا، فالدكتاتوريات (كان عليها أن) تعمل لمصالح العمال وتمثلهم، لكن مشكلة ماركس ومن معه أنهم لم يوضحوا كيف يمكن التحول من عالم الدكتاتوريات إلى العالم الاشتراكي المثالي الذي نظروا له دون العودة للدولة والطبقية. تلك الخطوة المهمة جدا لم تكن واضحة أبدا عند كل الماركسيين الشيوعيين بكل تجربتهم في العالم ومنه العالم العربي، لذا بقى الحال عند تلك المرحلة ولم ير العمال المطحونون عالم المُثل الوردي الذي سالت دماء الثورة من أجله. وإذا كانت الثورة التي لم تنجح في تحقيق أحلامها تنبئ عن ثورة أخرى فقد ثار العالم الشيوعي كله مرة ثانية على الدكتاتوريات لكنه لم يعرف أين يذهب، فعاد إدراجه إلى الطبقية الرأسمالية، عندها فرح الرأسماليون بذلك التجاوز العظيم وقالوا بنهاية التاريخ. لكن الثورة عادت لهم مرة أخرى.. فلماذا وأين الخلل؟
قلت في رأس هذا المقال إن تنظير ماركس لمشكلة الرأسمالية كان عبقريا وبالمقابل كان الحل الذي ابتدعه المحور الأنجلوسكسوني عبقريا أيضا، لقد فهم علماء الاقتصاد والسياسة الغربيون مشكلة العمال مع الرأسمالية المتمثل في تحيز الدولة - كوزراء وقوانين - للبرجوازيين ومصالحهم، لذلك أبدعوا الديمقراطية الحديثة التي تسمح للعمال بصنع قوى مؤثرة في صناعة القوانين من خلال البرلمانات وضمان المشاركة في تشكيل وعزل الحكومة وحرية التعبير والتظاهر السلمي بحيث تصبح الدولة في نهاية الأمر حارسا أمينا على حماية مصالح جميع الطبقات وليس طبقة على أخرى. كما تم منح المجتمع وسائل لمكافحة التأثيرات السلبية لسيطرة البرجوازية على وسائل الإنتاج من خلال تشكل مؤسسات المجتمع المدني التي تراقب سلوك الحكومات وتحارب الفساد وتمنح الصحافة حريات أكبر. وكانت النتيجة أن تحسنت أحوال العمال كثيرا مع برامج التقاعد والتأمينات الصحية والاجتماعية والحد الأدنى من الأجور وفرض الضرائب على الجميع بطريقة عادلة ومنع الاحتكار بكل صوره، وقد آتى ذلك بعض ثماره مع ظهور وتوسع الطبقة المتوسطة ودولة الرفاه التي سعت أوروبا إليها بكل الوسائل.
لكن المدهش من عجائب الزمن أن ذلك النجاح الذي حققه الغرب لفترة طويلة كان سببه - في نظري - هو وجود الاتحاد السوفياتي الذي يراقب أي خلل في التوازن الصعب هناك لدعم حركات ثورية جديدة، ولتفادي ذلك بذل الغرب قصارى جهده لمحاربة الفساد - فساد الوزراء والحكومات - بكل الوسائل. والفساد هنا كلمة نسبية المقصود بها انحياز الحكومة أو وزرائها إلى الرأسماليين على حساب العمال والطبقة المتوسطة المستحدثة والعودة بالرأسمالية إلى عهدها السابق، ذلك أن الفساد الحكومي والانحياز للرأسماليين حتمي في الرأسمالية وهو ما يرتقبه الشيوعيون في الشرق. لكن بدلا من ذلك حصل العكس وانهار الاتحاد السوفياتي ففقد العالم توازنه الهش. فرح الغرب بنصرهم القريب على حساب انهيار شامل ومستمر وبعيد التأثير لفكرة دولة الرفاه والطبقة المتوسطة.
لقد أكد كل علماء الاقتصاد الرأسماليين أن الأزمات أصيلة في الرأسمالية ولكنها تلعب دورا إصلاحيا دائما للنظام ككل، فوجودها ضروري لكن الماركسيين يرونها آفة الرأسمالية وحتما ستأتي أزمة شاملة ناتجة عن تراكم كل الأزمات تستعصي على الحل. عادت الأزمة المالية العالمية الحالية لتعكس حال الرأسمالية ولكن في غياب الاتحاد السوفياتي فنزعت الحكومات إلى فسادها الأصيل وانحازت للرأسمالية على حساب العمال فعادت روح الثورة إليهم، فهل ينتظرون ماركس جديدا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة