تلقيت هذا الأسبوع دعوة لحضور اللقاء الثالث للكتاب السعوديين الذي نظمه نادي الشرقية الأدبي، واختار هذا الموضوع أحد محورين رئيسين للقاء، والآخر الذي نقصده في العنوان قد يكون أي شخص غير الكاتب، وقد يكون الآخر من حيث الجنس أو الانتماء الفكري والديني والوطني، وفي جميع الأحوال فإن التعامل مع الآخر ينبغي أن يلتزم بآداب الحوار بغض النظر عن الاختلاف. ومع أننا جميعًا نتحدث عن آداب الحوار إلا أن ما نعبر عنه من ضرورة الالتزام بهذه الآداب يتهاوى مع أول ممارسة، ومن أراد مثالاً فليشاهد ما تعرضه البرامج الحوارية في القنوات الفضائية، أو ليحضر بعض جلسات الحوار التي يشارك فيها -وللأسف وفي كثير من الأحيان- كتاب ومثقفون يفترض أنهم قادة للرأي، وأنهم يضربون المثل والقدوة.. ففي المجالس نتحدث عن احترام الرأي، كما نستشهد بالأقوال المأثورة في ذلك مثل «قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب»، و«اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» وغير ذلك.. وعند الممارسة تغيب هذه المقولات وتظهر ممارسات تختلف عما نقول، وينطبق علينا قوله تعالى: «لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون»، كما يغيب أن الاختلاف يثري الفكر والثقافة، ويدفعنا إلى مزيد من البحث عن الحقيقة، علاوةً على احترام الآخرين، فلا يجوز أن نهزأ بآراء الآخرين أو يتحول الخلاف إلى عداء شخصي أو أن يقوم الاختلاف في الرأي أصلاً على المواقف المسبقة ورفض الآخر لمجرد اختلافه في الانتماء الوطني أو الديني، لأن الفيصل ينبغي أن يكون البحث عن الحقيقة ومواجهة الحجة بالحجة، أما غير ذلك مما يصل إلى الشتم بل والاشتباك بالأيدي فهذا يظهر المستوى المتدني من الأدب الذي يصل إليه البعض. والغريب أن بعض القنوات الفضائية تحرص على هذا النوع من الحوار وتشجع عليه، وتكرره في حلقات البرامج التي تقدمها، مما يدفع على الظن أنها تتعمد نشر هذا النوع من أساليب الحوار. والمؤسف أن من يسلكون هذا المسلك لا يسيئون إلى أنفسهم فقط، بل يسيئون إلى الأمة، ويزودون أعداءها بمزيد من أدوات الهدم التي يحرصون على توظيفها في رسم صورة ذهنية سلبية عنها، علاوةً على أنها تساهم في تعميق مشاعر الإحباط لدى أبنائها، وتضرب قدوة غير مستحبة للأجيال الناشئة في أساليب الحوار.. فلا استماع ولا إنصات بل مقاطعة شبه مستمرة، وعناد على الرأي الشخصي .. كل ذلك يؤكد ضرورة أن تكون هذه السلوكيات محل مراجعة لدى مؤسساتنا التربوية والجامعات والأندية الثقافية والإعلام بل وحتى المساجد، وإلا فإن القادم مزيد من الأخطاء والأخطار -لا سمح الله-.