تواصل المملكة ممارسة نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي في دوائر أوسع نطاقاً على الصعيد العالمي، وشهدنا ذلك مؤخراً من خلال توقيع المملكة مذكرات تفاهم مع التنين الصيني ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. وتهدف الاتفاقيات إلى تعاون اقتصادي وسياسي وثقافي أعمق في مجالات متعددة من محطات تحلية مياه البحر، وتطوير التكنولوجيا النووية، واستكشاف الطاقة، وجهود استكشاف الأراضي النادرة، وإنشاء آلية للاستثمار التجاري. ولعل أبرز ما تم في لقاء سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني تشانغ قاو لي، هو إنشاء شركة طريق الحرير للخدمات الصناعية. ويستحضر هذا المسمى التاريخ الطويل للتجارة والتعاون لطريق الحرير التاريخي والذي امتد في آسيا والقارة الأوروبية وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط لنقل السلع والتكنولوجيا الناشئة من بلد إلى آخر، فضلا عن التبادلات الثقافية. وتأتي هذه التسمية كتعبير أساسي عن التبادل الاقتصادي بين المملكة والصين والذي تجاوز مرحلة النفط والسلعة الواحدة كما جاء على لسان وزير الطاقة المهندس خالد الفالح والذي تم تأويله في غير سياقه لتشويه هذا الخطوة الهامة. ولعل اختيار مدينة جازان الاقتصادية لم يكن مصادفة بل بعناية فائقة ومناسب تماماً لمهمة شركة طريق الحرير. حيث من المتوقع أن تستضيف مدينة جازان الاقتصادية أكثر من 500 ألف فرصة عمل عبر مجموعة من الصناعات المختلفة التي ترتكز على الطاقة وأيضاً على قطاعات التصنيع. ومن المتوقع أن تغطي عند اكتمالها، أكثر من 40 ألف كيلومتر مربع، وأن يكون لها ما يزيد على 300 كيلومتر على البحر الأحمر والذي تمر من خلاله أكثر من 13 ٪ من الملاحة الدولية ولم تتم الاستفادة منه بعد. ويأتي من هنا اهتمام عراب الرؤية سمو ولي العهد ونظرته الثاقبة في اختيار هذا الموقع الاستراتيجي كون مدينة جازان الاقتصادية ستكون حاضنة للعديد من قطاعات الطاقة والصناعة التحويلية، وستكون مركزاً إقليمياً لوجستياً يدعم الخدمات اللوجستية محلياً وإقليمياً ودولياً والتي تخدم استراتيجيات المملكة في تنويع قاعدتها الاقتصادية. حيث تعد الخدمات اللوجستية العمود الفقري لأي صناعة وتدخل بشكل مباشر في الناتج المحلي الإجمالي لكل اقتصاد تقريباً وهو أمر حيوي للمملكة؛ نظراً لموقعها الجغرافي الفريد. ويأتي تصنيف المملكة في المرتبة 52 عالمياً حسب البنك الدولي وتهدف المملكة من خلال الرؤية للتقدم إلى المرتبة 25. فتطوير السكك الحديدية متعددة الوسائط والبنية التحتية للنقل بشكل عام وتطوير التقنية لإدارة هذه الخدمات سيعزز مكانة المملكة بوتيرة متسارعة لتحقيق ذلك الهدف بشكل أسرع. ووجود ممثلين من شركة أرامكو السعودية والهيئة الملكية للجبيل وينبع في التوقيع كان له أهمية بالغة وهذا يضمن أن الكيان المنشأ حديثاً لا يحصل فقط على الموارد اللازمة للنجاح ولكن الخبرة أيضاً. فهذه الجهات ومنها الهيئة الملكية لديها سنوات طويلة من الخبرة في التعاون مع ممثلي الحكومات الأجنبية والتنفيذيين من الشركات الدولية الكبرى وإدارة المدن الصناعية بكفاءة عالية جداً. ووجود هذه الجهات يضمن جذب المستثمرين ومن ضمنها الاستثمارات الأجنبية والاستثمارات طويلة الأجل في الخدمات والمرافق العامة والمرافق التجارية والتي تنصب جميعها في محاور وأهداف الرؤية.