الحدث الإعلامي هو الحديث الحقيقي للمجتمعات، وصناعة الحدث هو سياسة وابتكار.. الإعلام يسمح بانتساب المجالات المختلفة له، ويتيح لنفسه الانتساب للمجالات الأخرى.. فالسياسة التصقت به، وهو التصق بها؛ فظهر الإعلام السياسي، وشهدنا ما يسمى بسياسة الإعلام، ونقيس على ذلك المجالات الأخرى، وخصوصا الحقل الاجتماعي، حيث غدا لدينا مجتمع الإعلام وظهر لنا الإعلام الاجتماعي. ومن يقرأ في حقيقة نظريات الإعلام؛ سيجدها معارة من علم النفس والاجتماع؛ بسبب أن تلك النظريات مهدت لصانع الإعلام ابتكار الوسيلة، وصناعة المحتوى.. وهذا ما يحدث فعلا، وما تقدمه وسائل الاتصال عموما في قضية التأثير المباشر عبر التعرض المباشر، أو التأثير المباشر من خلال جرعات من التعرض غير المباشر. دوما هناك صراع بين الوسيلة والمحتوى؛ بسبب من يحرك ويثير هذا الصراع، فهناك فئة تبتكر الوسيلة، وتملأها بالمحتوى، وهناك من يصنع المحتوى ليمرره عبر وسيلة.. من هنا كانت الرسالة الموجهة والمؤثرة المؤطرة هي المنتج الذي يسعى له الصانع الإعلامي. لذا، فمن يتأخر عن التطور الإعلامي، ويعطل دوران عجلة الإعلام المؤثر والمتجدد؛ فسوف يعاني.. فالإعلام كما هو صناعة أصبح قوة هائلة في تحقيق أهداف قد لا تحققها مجالات أخرى. وذكرت -سابقا- أن المملكة بفضل الله -عز وجل-.. ثم بإدارة حكيمة من قيادة رشيدة، تمتلك القوة والتأثير السياسي والاقتصادي والعسكري.. ولديها فضاء إعلامي مهم، يمكن من خلاله صناعة آلة إعلامية سعودية، تتواكب مع قواها الأخرى في المجالات المختلفة؛ لفرض التأثير الحقيقي. وحين نتحدث عن إعلام وطني خارجي، مطلوب في وقتنا الحاضر وللمستقبل، يعني ذلك أن نفكر في مشروع إعلامي إستراتيجي.. وأجد أن يكون منطلقه من نظرية الاتصال نفسها، التي تتكون من جزيئات مهمة، وعناصر واضحة.. تكون على هذا النسق: يفترض تخصيص أو إنشاء دائرة، تشترك في وضع إستراتيجيتها وزارة الإعلام ووزارة الخارجية ووزارة الداخلية ومركز دراسات رسمي وإحدى الجامعات ذات العلاقة.. وتكون هذه الدائرة منضبطة بمحددات، وقيم، وأطروحات، ورؤى إعلامية بحتة، تستوعب النشاط الإعلامي والسياسي والاجتماعي والثقافي الموجه بالفعل أو رد الفعل.. وتتبنى منطلقا من نظريات التأثير الإعلامي كالتأطير، والأجندة، والانتقائية والتعريض وغيرها.. وتتضمن آليات، وأدوات، وتنظيما، وتنسيقا يكمّل محتويات المطبخ الإعلامي المقصود.. والذي سيقوم بإعداد جيل إعلامي قادر على تنفيذ وتقديم السياسة الإعلامية، وتوجيه الرأي العام، والاستعانة بهم في حالات الفعل ورد الفعل الإعلامي الذي قد يحتاجه الوطن في فترات معينة. * المرسل.. حيث يجب إعداد طرف مرسل بشكل متقن، ومتمكن من إعداد الرسالة والمحتوى الإعلامي ومنفذه، واعيا لأثرها وتأثيرها.. ويمكن أن يتم عبر تكثيف التدريب على ذلك، وتجهيز شخصيات معينة وتأهيليها علميا وإعلاميا وتدريبا وتثقيفيا في مجالات وموضوعات السياسة المختلفة، وحتى تجهيزهم لموضوعات وقضايا سياسية واجتماعية وثقافية معينة؛ ليتم الاستفادة منهم في منصات الإعلام المتنوعة، أو منحهم الفرص للحضور في المنابر والبرامج والمحطات المتعددة. أي أن يتم صناعة إعلامي متخصص في قضية معينة، مثال ذلك "إعلامي متخصص وباحث ومرجعية في قضايا الشأن والسياسة الإيرانية" أو "متخصص إعلامي وباحث ومتمرس في بناء أو تحسين الصورة النمطية عن المملكة العربية السعودية"، حيث يستطيع التحدث والتحاور بشأنها بناء على قدرات عميقة في المحتوى وإمكانات في الظهور، والتأثير، والطرح الإعلامي. * الرسالة.. أو المحتوى ويتم صناعته عبر رؤى متناغمة، تقوم على وضع خطوط، وتوقيت، وأساليب، وأبعاد، ومضامين، ولغة هذا المحتوى ومستوى تأثيره. * الوسيلة.. وتعتمد الدقة والصحة في انتقاء المنصة، أو الوسيلة المناسبة لبث ونشر الرسالة سواء قنوات،أو إذاعات،أو صحف،أو وسائل التواصل والتأكد من لياقتها ومناسبتها لحمل الحدث والتعاطي معه. * المستقبل.. وتقوم الدائرة على دراسة ومسح طبيعة المستقبل وبيئته وطريقة التأثير عليه وما الوسيلة المناسبة له وما الرسالة أيضا وما الأسلوب الذي يضمن التأثير عليه. * قياس الرأي العام.. وهذا الأمر أجده متواضعا فلا قيمة ولا قدرة على صناعة إعلام دون قياس للرأي مسحي واستطلاعي لكل أثر يحدث أو إجراء يكون أو ردة فعل تبرز. ختام القول.. نشكر وزارة الإعلام على جهود التغير التي تبذلها في هذا الإطار.. وتبقى إستراتيجية التحول الوطني -بإذن الله- مؤكدا أنها ستشمل تحولا في شكل وأداء الإعلام السعودي الذي يتوجب مواكبته لقيمة بلادنا السياسية والاقتصادية الكبيرة، فكان مشروع الإعلام الخارجي ملفا لحديث الساعة وجب وضعه كأولوية.