وزير الحرس الوطني يستقبل قائد القطاع الأوسط بالوزارة    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (21) من طلبة كلية الملك عبدالله للدفاع الجوي    وزير الدفاع ونظيره البوركيني يبحثان التعاون والتطورات    القيادة تعزي البرهان في وفاة ابنه    ولي العهد يعزي رئيس الإمارات    أخضر تحت 19 يقيم معسكراً إعدادياً    استمرار الإنفاق الحكومي    فيصل بن بندر يدشّن سبعة مشاريع لتصريف مياه السيول والأمطار في الرياض    أنسنة المدن    عقوبات مالية على منشآت بقطاع المياه    موجز    طيران ناس يطلق خطة توسعية ضخمة في السوق الإماراتي    ريادة إنسانية    قصف إسرائيلي مكثف على رفح    أبو الغيط يحذّر من «نوايا إسرائيل السيئة» تجاه قطاع غزة    الزعيم العالمي ما له حل    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة من الهلال    مالكوم: فوز ثمين.. وجمهور الهلال «مُلهم»    الهلال يتغلب على الأهلي والاتحاد يتجاوز الابتسام    فريق القادسية يصعد "دوري روشن"    لاعب الهلال "الشهري" يحصل على جائزة أفضل هدف في الجولة 30    ثتائي آرسنال على رادار أندية روشن    «الانضباط» تغرم الاتحاد وحمدالله    يسرقان مجوهرات امرأة بالتنويم المغناطيسي    افتتح المؤتمر الدولي للتدريب القضائي.. الصمعاني: ولي العهد يقود التطور التشريعي لترسيخ العدالة والشفافية    وزير العدل يفتتح المؤتمر الدولي للتدريب القضائي في الرياض    اختتام "ميدياثون الحج والعمرة" وتكريم المشروعات الفائزة والجهات الشريكة    أيقونة العشق بدربن عبد المحسن    لماذا تكتبون، ولمن؟    الميزان    اكتشاف الرابط بين النظام الغذائي والسرطان    المعالجة الذاتية    كيف يحدث التسمُّم الغذائي ؟    جواز السفر.. المدة وعدد الصفحات !    أفضل منشأة في تطبيق اللغة العربية وتمكينها    يتوارى البدر.. ولكنه لا يغيب !    أكذوبة «الزمن الجميل» و«جيل الطيبين»..!    الحرب على غزة.. محدودية الاحتواء واحتمالات الاتساع    الهواية.. «جودة» حياة    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال21 من طلبة كلية الملك عبدالله للدفاع الجوي    المسافر راح.. وانطفى ضي الحروف    المتشددون يطالبون باقتحام رفح.. وذوو الأسرى: أعيدوا أبناءنا أو نحرق إسرائيل    إحباط تهريب 27 كلغ من الكوكايين في إرسالية بطاطس    مناورات نووية روسية رداً على «تهديدات» غربية    «سعود الطبية» تقلص فترات علاج زراعات الأسنان    بايدن يحذّر نتانياهو مجددا من أي اجتياح لرفح    اجتماع سعودي-بريطاني يبحث "دور الدبلوماسية الإنسانية في تقديم المساعدات"    الشورى: سلامة البيانات الشخصية تتطلب إجراءات صارمة    "آل هادي" إلى رتبة "لواء" ب"الشؤون القانونية للجوازات"    أمير منطقة تبوك يستقبل أمين مجلس منطقة جازان ويشيد بدور المرأة في دفع عجلة التنمية    القبض على مقيم بمكة المكرمة لترويجه مادة الميثامفيتامين المخدر    تقديم الاختبارات النهائية بمدارس مكة    خطط وبرامج لتطوير المساجد في الشرقية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    مهرجان الحريد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسافة بين الواقع والخيال
نشر في اليوم يوم 16 - 11 - 2015

يخبرنا ميلان كونديرا أن شخصياته التي يخلقها في أعماله هي شخصيات روائية وُجدت لتكون على الورق وليس في الواقع. وإنك حين تقرأ في أعماله ستجد أن شخصياته متماسكة وجذابة وقد تعجب بها، لكنك بالفعل -كما أخبرك هو- لن تتخيل وجودها في الحياة، لن تتوقع أن تصادفها يوما في براغ أو سويسرا كما في عمله الرائع (كائن لا تحتمل خفته). وهو يخبرنا في روايته (الخلود) من الصفحة الأولى كيف استلهم شخصياته وكيف كونها وكملها في عمله. فهو يدخل القارئ في تكنيكات العمل، وكأنه يرغب بقطع كل سبيل إلى التحام الخيال والواقع في أعماله.
ينتابني الشعور نفسه حين اقرأ لديستويوفسكي، فقد تثيرك شخصياته كثيرا بينما ستتردد إن كانت موجودة في الواقع أم لا، بل الغريب بأنك قد تعجب ببعض شخصياته الروائية لكنك تعلم يقينا بأنك ستنفر منه إن صادفتها في حياتك.
لو جئنا للحوارات الروائية، فإن وصف حوار ما بالعفوية كأنه يشير إلى واقعيته، بينما نجد أعمالا عظيمة لغابرييل ماركيز مثل (الحب في زمن الكوليرا)، من الصعب وصف حواراتها بالعفوية، فهي حوارات فنية خلقت في الرواية لتبقى في الرواية أي في دائرة الخيال. ولو أخذنا أعمالا لساراماغو مثل (العمى) وأسلوبه المفضل في الحوارات المتتالية المتتابعة، فإنها الأقرب فعلا إلى الواقع، وهي تبدو في كثير من الأحيان بأنها حوارات داخلية.
ما الذي يميز حواراتنا الواقعية، أليست هي مملة وطويلة وممطوطة، وبالتالي فإن أي محاولة لمحاكاتها ستبدو مفتعلة أو مملة مثلها. ربما سيفضّل الروائي أن يلتقط مشهدا منها ليكرره في عمله، أو ليضعه تحت دائرة التركيز، لكن إن اراد أن يحول شخصيات بعينها أو إن أراد ينقل حواراتنا الطويلة إلى العمل الفني فإنه سيواجه مشاكل كثيرة في طريقه.
ثمة شبه بين الأعمال السينمائية والروائية، فيمكننا أن نلاحظ أن المشاهد في الأعمال السينمائية لا يزال يرغب في رؤية الكثير من المشاهد المكرورة المبتذلة، ووصفي لها بالمبتذلة قد يكون تجنيا طالما أن لها محبيها. لا تزال كثير من مشاهد الإثارة معادة بأساليب إخراجية جديدة وتقنيات أكثر تقدما، ولا تزال كثير من اللحظات الرومانسية والعبارات والنظرات معادة ومحببة للمشاهد، وأيضا لحظات الحزن والفراق والألم. فبالرغم من كونها غير واقعية ومكرورة في كثير من الأحيان فإن هذا لم يفقدها عمرها الافتراضي على الشاشة.
الكاميرا المحمولة على الكتف والمهزوزة والتي تسير خلف المخرج في بعض الأفلام الوثائقية، ويحدثنا المخرج فيها عن بداية فكرته وعن خط رحلته ويخاطبنا عبر الكاميرا مباشرة، ثم يخاطب المصور ليتبعه بسرعة أو ليبطء السير في بعض الأحيان... محاولة لإزالة الخط الفاصل بين الخيال والواقع، بحيث يبدو الفيلم واقعيا جدا دون رتوش، وكأن المشهد لم يعد تصويره ولم يتم إعداده بشكل مسبق.
حين قرأت رواية (ارتياب) لبدر السماري والتي تدور في منطقة الدمام وفي حي البادية بالتحديد، شعرت حين انتهيت منها بأنني سألتقي يوما شخصياته، بل شعرت برغبة في السؤال عن أحوالهم اليوم وكيف انتهت بهم الأمور. تساءلت كثيرا إن كان ذلك بسبب وحدة المكان وقرب التفاصيل، لكني لا أظن ذلك، فشخصياته في العمل أقرب إلى الواقع، وحتى قدرته في القبض على بعض العبارات المكررة في حياتنا. والبديع في روايته القدرة على تصوير الصمت الذي يلف الكثير من علاقاتنا ويكونها ويطورها.
سيخالفني القارئ في كثير من تصوراتي المسبقة، فما أراه خياليا ممتنعا في الواقع قد يراه عكس ذلك، نحن هنا لسنا قراء نموذجيين بل قراء فعليون، نقرأ بكل تحيزاتنا وتقلب أمزجتنا. أيضا من غير الممكن أن نصف أسلوبا بأنه الأجود، فليس من أوغل في الخيال ولا من أوغل في الواقع ولا من اقترب من طرف وبقي في الآخر أجود من غيره. ربما البراعة في القدرة على فعل الشيء قصدا وإتقانه، فالبقاء في الخيال أو الإيغال في الواقع أو التردد بين الأمرين ببراعة مناطق مباحة للفنان. فحين يخبرنا (كونديرا) بأن شخصياته ليست من صنع الواقع وإنما هي على الورق وحين يشعرنا بذلك فعلا، فإنه يكون قد نجح تماما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.