منحتنا مواقع التواصل الإلكترونية فرصة الاتصال بالعالم الخارجي على نحو سريع ومباشر بعد أن كان ذلك يستوجب وقتا وعناء. الفنانون التشكيليون كغيرهم من أصحاب الاهتمامات الثقافية والأدبية والفنية يستثمرون هذه القنوات للإعلان عن أنفسهم وعن نشاطاتهم ونتاجاتهم، كانت وسيلة الاتصال بالخارج تتم عن طريق الصحف وما يكتبه صحفيون ليسوا في كل الأحوال سوى ناقلي أخبار قد يكون بعضها جاهزا، وربما كان تعبيرا عن رأي واحد في معظم الأحيان وتحت سقف الإمكانية المتاحة. لكننا اليوم نرى الأديب أو الفنان يستطيع بلا رقيب أن ينشر ما يحلو له ويوصل للآخرين ما يود أو يحب إيصاله. لا تتحدد هذه المنشورات في الغالب بمستوى معين فهي سبيل للتواصل والإعلام لا أكثر، لعله تواصل يضعنا في معمعة الوصول إلى أكبر شريحة من البشر وليس بالضرورة من المختصين أو المهتمين بنتاجاتنا أو نشاطاتنا، لذا فلا عجب أن نجد إشارات الإعجاب تملأ صفحاتنا ممن نعرفه ويعرفنا أو ممن لا نعرفه ولا يعرفنا، كما تنهال علينا أحيانا كلمات الثناء والإطراء التي قد تخجلنا أحيانا لكنها عند بعضنا أوسمة نصدقها. كان الخبر أو الإعلام عن نشاطاتنا شحيحا ويعتمد على ظروف وإمكانية التواصل مع الوسائط الإعلامية وليست أكثر من صحيفة أو صحفي نسترضيه ليكتب، أو ينشر خبرا، وتأتي الكتابة حسب قناعاته وحسب المتاح له أيضا، قد يمر نشاط كبير لا يجد من الإعلام ما يستحقه، وأتذكر أن نشاطا مثل بينالي القاهرة الدولي في إحدى دوراته لم يُكتب عنه سوى خبر موجز يوم الافتتاح في إحدى الصحف المصرية لا تتعدى مساحته العمود في ستة سنتيمترات، وفي صحيفة واحدة فقط. الآن فنان أو هاو غير معروف يستطيع ملء صفحته وصفحات غيره بالصور وبكل التفاصيل، لا شك أن غير قليل من أنشطتنا وفعالياتنا الثقافية تستحق أن تتاح لها المساحات، لكن قد يتعارض ذلك مع إمكانيات المطبوعة وقدر اهتمام القائمين عليها، يفرحنا خبر قصير تكتبه صحيفة المنطقة أو أن نجد اسمنا ضمن الخبر، لكننا الآن أمام سيل جارف من الأخبار والتغطيات التي لا تنتهي، وقد تتواصل يوميا وتستمر إلى ما بعد انتهاء المناسبة. أسهمت قنوات التواصل في رسم علاقات بين بعض الفنانين، بل وأقيمت أنشطة ولقاءات انطلاقا من هذه المواقع، وقد يستطيع البعض الإقناع بأهمية برامج وفعاليات مناسباتهم من خلال صور أو كتابات أو تعقيبات بعضها وهمي، بالتالي قد يجدون من يستجيب لدعواتهم التي قد تكون مدفوعة لكن الخلاصة في كثير منها يأتي متواضعا بسيطا لا يعبر عن أكثر من لقاء، لا تميز في المستويات بقدر الترفيه وبعض التسلية، ينجذب إلى مثل تلك المناسبات ممارسون أو فنانون ربما بعيدون عن نشاطات بلدانهم لأسباب مستوياتهم البسيطة أو عدم قدرتهم على التواصل مع مؤسساتها الرسمية أو الخاصة أو حتى إهمال يستشعرونه، فتكون تلك الملتقيات الفرصة الأنسب، تطالعنا بعدها صور الملتقى وأعمال المشاركين وغير ذلك. بالمقابل، فإن مواقع التواصل الاجتماعي منحت عددا من الفنانين والأدباء الحقيقيين فرصة التواصل مع أوساطهم المحلية أو الخارجية بل ومنحتهم مكانتهم التي لم يجدوها من مؤسساتهم الحكومية أو مع بعض من لا يقفون معهم، كما أسهمت في نشر إبداعاتهم مع أطراف متخصصة تعرف قيمة إنتاجهم وتستطيع التمييز بعيدا عن المجاملة. تعارف مبدعون ببعضهم من خلال هذه المواقع، وقد تكون فرصة حقيقية لعمل يأخذ قيمته في النشر والتداول، لكننا أيضا أمام كم هائل من المستويات المتواضعة التي تركض خلف الإعلام، أو الإعلان عن منتجها وتجد مع ذلك ما يصدّقه متلقّون بسطاء معظمهم (يركض مع، أو، وراء الخيل)