"المواصفات": المنتجات الصينية المعروضة بالمملكة آمنة    "وزير الاتصالات"يطّلع على استعدادات "زين السعودية" لموسم الحج 1445ه    تطوير الاقتصاد أول وعود مرشحي إيران    مدرب الأخضر "مانشيني" يواجه الإعلام .. للحديث عن لقاء الأردن    د. العيسى: ما يعانيه الشعب الفلسطيني سيبقى محفورًا في كل ضمير حيّ    ختام بطولة العالم للبلياردو في جدة    TikTok يختبر خاصية Snapstreak    دراسة: السعودية تنجح في الحد من تأثير ارتفاع الحرارة على الحجاج    المملكة تؤكد أن تأشيرة الزيارة بجميع أنواعها لا تخول حامليها أداء الحج    جازان: إحباط تهريب 220 كيلوغراما من نبات القات    وزارة الدفاع البريطانية تكذب مزاعم الحوثي بتعرض مدمرة لهجوم    أمير القصيم يوجه بتوثيق الطلبة المتفوقين في كتاب سنوي    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعتني بثقافة الحج وتاريخ الحرمين    الجبير يلتقي وزيرة البيئة والمياه والتحول البيئي بالإكوادور    ارتفاع عدد شهداء مخيم النصيرات وسط قطاع غزة إلى أكثر من 300 شهيد    هيئة النقل: أكثر من 10 آلاف عملية فحص رقابية بمنطقتي مكة والمدينة    شفاعة أمير الحدود الشمالية تثمر تنازل أولياء دم الجميلي عن بقية مبلغ الصلح    أمير الرياض يستقبل رئيس الهلال    أمير تبوك يواسي عامر الغرير في وفاة زوجته    2.6 تريليون ريال حجم الائتمان المصرفي السعودي    سمو أمير منطقة الباحة يرعى حفل يوم البر السنوي    استعراض أعمال وجهود الكشافة بموسم الحج في معرض "البهيتة الأمني"    "تعليم الرياض" يطلق حملة إعلامية تثقيفية بالتخصصات الجامعية    الوزاري الخليجي: ثروات المنطقة المغمورة للكويت والسعودية فقط    كيف أصبح هيكل ملكية أرامكو بعد طرح 1.545 مليار من أسهمها    تحذير من مواقع تنتحل هوية «تقدير»    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري للحوار الاستراتيجي الخليجي-التركي    جماهير الأهلي تتصدر "إكس" بسبب كيميتش    بلجيكا تُعول على دي بروين ولوكاكو في يورو 2024    «مسام»: إتلاف 602 لغم وعبوة ناسفة وقذيفة غير منفجرة في أبين    «الموارد البشرية» ترصد 399 مخالفة على المنشآت في تشغيل العمالة الموسمية بالمدينة المنورة    "لذة الوصول" يوثقها الحجاج في ميقات ذي الحُليفة    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء لجنة الحج في مجلس الشورى    محاولة من الاتحاد لضم رحيمي    فريق طبي "ب"مركزي القطيف" ينقذ حياة مقيم    ( نقد) لقصيدة ( في رثاء بدرية نعمة) للشاعرالحطاب    استقبال 683 حاجا من 66 دولة من ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    محافظ البكيرية يتفقد مشاريع الإسكان بالمحافظة    نمو الأنشطة غير النفطية 3.4% بالربع الأول    الأرصاد: ابتداء من غد الاثنين استمرار ارتفاع درجات الحرارة لتصل إلى 48 درجة مئوية    وصول الفوج الأول من حجاج أمريكا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا    شرائح إنترنت واتصال مجانية لضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    ليس للمحتل حق «الدفاع عن النفس»..!    مستشفيات وعيادات دله تواصل تقديم رعايتها الصحية خلال إجازة عيد الأضحى المبارك    صور مولود عابس.. تجذب ملايين المشاهدات !    قميص النصر يخطف الأنظار في ودية البرتغال    بارقة أمل.. علاج يوقف سرطان الرئة    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    أثر التعليم في النمو الاقتصادي    اطلاق برنامج أساسيات التطوُّع في الحج    استفزاز المشاهير !    مَنْ مثلنا يكتبه عشقه ؟    مرسم حر    التنظيم والإدارة يخفِّفان الضغط النفسي.. مختصون: تجنُّب التوتّر يحسِّن جودة الحياة    «إنجليزية» تتسوق عبر الإنترنت وهي نائمة    الجهات الحكومية والفرق التطوعية تواصل تقديم خدماتها لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمارة ما بعد الحداثة، هل تناسبنا؟
نشر في اليوم يوم 24 - 06 - 2003

منذ فترة تزيد عن عشرة سنين بدأت مبان كثيرة تظهر في مدن المملكة حاملة معها أشكال العمارة التي سميت بعمارة ما بعد الحداثة. وقد تركزت هذه الظاهرة بشكل محدد في المنازل الخاصة ( الفلل). ولكي نتمكن من مناقشة مدى مناسبة هذه العمارة لمدننا لابد من أن نتعرف أولاً على ماهية عمارة ما بعد الحداثة كفكر وكتاريخ. من المتفق عليه أن عمارة ما بعد الحداثة ظهرت كرد فعل لعمارة الحداثة أو عمارة الطراز العالمي. ولذلك لا يمكن فهم الأولى من دون معرفة الثانية. ظهرت عمارة الحداثة في أوروبة كفكر منذ مطلع القرن العشرين وبدأت بالانتشار والسيطرة على الفكر المعماري في كافة أنحاء العالم حتى نهاية الستينات حين بدأت بذور فكر جديد بالنمو لتفسح المجال لولادة عمارة ما بعد الحداثة. وقد نما فكر عمارة الحداثة نتيجة لتغيرات تقنية ومادية واجتماعية في أوروبة هيأت المناخ المناسب لهذا الفكر الجديد. فعلى الصعيد التقني ظهرت الخرسانة المسلحة كمادة إنشاء ذات إمكانات متفوقة في ذلك الحين سمحت للمعمار أن يصمم بحرية كبيرة وباستقلال عن الهيكل الإنشائي. وفي ذلك الوقت ظهرت الجدران القاطعة الخفيفة وتطورت تقنيات البناء. كل هذه التحولات أدت إلى نشوء عمارة جديدة تتمتع بخواص مهمة ومتميزة منها حرية التصميم الداخلي للمباني بمعزل عن الهيكل الإنشائي مما أوصلنا إلى ما يسمى بالمسقط المفتوح حيث ترتبط الفراغات مع بعضها البعض من دون حواجز. وكذلك من خواص تلك العمارة إمكانية فتح النوافذ والأبواب من الأرض إلى السقف الأمر الذي أعطى المعمار الفرصة لإيجاد فتحات كبيرة وواسعة. وتم كذلك الوصول إلى أسطح أفقية كبيرة بسبب البناء بالخرسانة مما جعل الأسطح أماكن صالحة للاستخدام كحدائق. وسمح البناء بالخرسانة أيضاً برفع المباني على أعمدة فانسابت الحدائق تحت المباني واتصل داخل المبنى مع خارجه. وعلى الصعيد المادي أدت الحربان الأولى والثانية التي تهدم كثير من المدن الأوروبية وكان من الضروري إعادة بنائها بسرعة لإيواء السكان. وكانت عمارة الحداثة أنسب الحلول لكونها عملية وبسيطة ورخيصة. أما على الصعيد الاجتماعي فقد تبلورت في تلك الفترة أفكار كثيرة في أوروبة تدعو إلى المساواة والعدالة انعكست على العمران فدعا المعماريون والمخططون إلى تأمين البيت الصحي والمريح لكل مواطن. وكانت عمارة الحداثة الأنسب لتلبية هذه المتطلبات. ومع أن هذه الأفكار والأحداث قد تطورت في أوروبة إلا أنها كانت ذات طابع إنساني عام يمكن تكراره وتعميمية في أي مكان. لذلك انتقلت عمارة الحداثة إلى أمريكة على أيدي المعماريين الأوروبيين الذين هاجروا إليها وانتشرت في كافة بلاد العالم من خلال تبادل الخبرات أو استيرادها أو فرضها، فأصبحت هذه العمارة عمارة عالمية بكل معنى الكلمة لأنها انتشرت عالمياً ولبت احتياجات سريعة وملحة في بلاد كثيرة فأطلق عليها اسم الطراز العالمي. ولكن شيئاً ما حصل مع نهايات الستينات، إذ بدأ فكر مناهض للطراز، العالمي أو عمارة الحداثة بالظهور في أوروبة وأمريكة متهماً الأخيرة بالبرود والقبح وصورها كعمارة تضعف العلاقات الاجتماعية وتجعل من الإنسان آل انعزالية. واتهمها أيضاً بعدم الارتباط بثقافة أو تاريخ. اقترح هذا الفكر الجديد العودة إلى الأصول التاريخية لتطوير عمارة جديدة لها جذور مرتبطة بثقافة المنطقة. ولذلك دعا أصحاب الفكر هذا للعودة إلى العمارة الإغريقية والرومانية لكونهما تمثلان أصل الحضارة الأوروبية والأمريكية. فبدأ المعماريون الجدد بدراسة العمارتين الإغريقية والرومانية ليبنوا طرازاً جديداً ينبع منهما ويعبر عن روح العصر الحديث في آن معاً. من هذا المنطلق بدأت عمارات متنوعة بالظهور تفصح عن رؤى جديدة ومتنوعة كترجمة عملية للفكر الجديد. وسمى الطراز الجديد بعمارة ما بعد الحداثة لأنه ظهر بعد العمارة الحديثة وكان من الصعب الوصول إلى اسم لهذا الطراز الجديد وهو لا يزال في مرحلة التطور والتبلور. من هذه الرؤى التي ترجمت الفكر الجديد اعتماد الأشكال الإغريقية والرومانية كما هي من حيث النسب والتكوين ولكن بناؤها بمواد معاصرة وتقنيات حديثة. تعتمد هذه الرؤية على فكر يؤمن بضرورة تأكيد استمرارية الفنون الأوروبية القديمة من خلال الاستمرار في استخدامها. وقال بعض المعماريون بضرورة استخدام العمارة الرومانية والإغريقية كتعبير عن ديمقراطية الحضارة الأوروبية والأمريكية التي تعتبر استمرارية للديمقراطيات القديمة في أثينا وروما,. من جهة ثانية، اتخذ معماريون آخرون من العمارة الإغريقية والرومانية مصدراً للمفردات المعمارية يختارون منها ما يشاؤون فيركبونها مع بعضها البعض بطرائق جديدة تسعى إلى الوصول إلى أشكال فرحة وملونة وممتعة بصرياً وفي الوقت نفسه تذكر بالارتباط الوثيق مع الحضارات الغربية القديمة. هذا غيض من فيض وخلاصة لا تخلو من نقص عن الطراز العالمي وعمارة ما بعد الحداثة. ولكن يجب الانتباه إلى فارق مهم بين العمارتين هو أن الفكر الذي بني عليه الطراز العالمي عام وقابل للتطبيق في أي ثقافة وأي بلد بغض النظر عن مدى نجاح هذا الطراز وفكره في تلك الثقافات والبلاد. أما عمارة ما بعد الحداثة فقد بنيت أصلاً على فكرة الخصوصية الغربية والارتباط الحضاري مع الثقافة الإغريقية- الرومانية بالتحديد. لذلك جاءت أشكال العمارة الحديثة غير مرتبطة بعمارة قديمة معينة أو ثقافة محددة وإنما معبرة عن ثقافة وتقنيات الحقبة التاريخية الخاصة بها التي تشاركت فيها معظم بلدان العالم. أما أشكال عمارة ما بعد الحداثة فهي إغريقية ورومانية مهما عدلها المصمم المتبع لهذه العمارة .
بالتالي يمكن تشبيه فكرة عمارة الحداثة بتقنيات السيارات مثلاً، إذ مع أنها قد تطورت في الغرب والشرق الأقصى إلا أنه لا يوجد ما يمنع من تعلمها وتطبيقها لبناء سيارات محلية. ذلك لأن هذه التقنيات عملية بحتة لا ترتبط بالنواحي الاجتماعية أو الثقافية، وبالتالي فهي مجردة وصالحة للتطبيق في أي مكان . أما فمرة عمارة ما بعد الحداثة فيشبه طريقة العيش الغريبة المعتمدة على مبادئ فكرية واجتماعية ودينية مختلفة تماماً عن فكر منطقتنا وعاداتنا وثقافتنا. ففكر عمارة ما بعد الحداثة ليس مجرد ولكنه مرتبط ارتباطا وثيقاً بالثقافة وطريقة التفكير الغريبة. لذلك يبدو من الصعب استيراد هذا الفكر إلى بلادنا لاختلاف الثقافات والأصول التاريخية إن من الناحية الفكرية أو الفنية. بمعنى آخر قد يمكن للمكسيكيين مثلاً أن يستوردوا عمارة ما بعد الحداثة إلى بلدهم لوجود الأصول التاريخية المشتركة مع أوروبة وأمريكة، بينما يبدو غريباً أن تتبنى هذه العمارة دولة كالهند لعدم وجود العامل التاريخي المشترك بينها وبين أوروبة وأمريكة .
من هذا المنطلق يبدو من غير المنطقي أن نستورد الأشكال المعمارية الغريبة ذات المعنى الفني والاجتماعي الخاص بالغرب، والتي تعكس فكراً محدداً ذا ارتباطات قومية وثقافية بعيدة عن ارتباطاتنا وثقافتنا. قد يقول قائل أن للفرد الحرية الكاملة في اختيار ما يشاء وتهواه نفسه من طرز أو أشكال معمارية ليبني وفقها بيته أو مبناه طالما أنه لا يخالف قوانين البناء واشتراطات البلديات. وهذا حق ولكن فقط لمن لا ثقافة ولا فكر ولا تاريخ. أما من يتمتع بثقافة وتاريخ فعنده ما يكفيه من التراث الذي يمكن الإفادة منه لبناء عمارة خاصة به .
لا يعني هذا الكلام أنه لا يمكن الاستفادة من الغرب أو الشرق، ولكنه يعني أن لا نكون مقلدين من دون تفكير. فمن الممكن تبرير تقليد العمارة الحديثة مثلاُ لوجود العامل المبررة لهذا التقليد، كتوفر مادة الإنشاء نفسها التي اعتمدت عليها عمارة الحداثة وهي الخرسانة المسلحة، ووجود الحاجة الملحة للبناء السريع والاقتصادي. أما عمارة ما بعد الحداثة فيصعب ربطها على أي صعيد بفكرنا وثقافتنا .
أمران هنا لابد من ذكرهما، أولاً: تتمتع عمارة ما بعد الحداثة بجمال لافت للنظر لا يمكن إنكاره، ولكنه خاص بمجتمع مختلف عن مجتمعنا. لذلك سيكون من الذكاء أن يدرس معماريونا هذه العمارة ليستخلصوا منها دروساً أو مبادئ أو أشكالا فنية بشكل مجرد عن الخلفية الثقافية والفكرية لهذه العمارة، ثم يطبقوا ما وصولا إليه في عمارتهم. والأمر الثاني أن فكرة استنساخ مفردات معمارية من عمارات قديمة محلية لاستخدامها في مبان معاصرة تأسياً بفكر عمارة ما بعد الحداثة القائل بالعودة إلى العمارة الإغريقية والرومانية، لا تبدو سائغة أيضا لأنها لا تعتمد على أسس فكرية حقيقية أو تجربة اجتماعية واقعية كما حصل في الغرب. وغنما هي أيضا عملية تقليد أعمى لا فكر يدعمه ولا حاجة تبرره .
أخيراً فقد ظهر بعد عمارة ما بعد الحداثة مذاهب معمارة وتوجهات فكرية عديدة انعكست على تصاميم تبنى في كل حدب وصوب. ونحن نستورد هذه المذاهب والتوجهات ونستخدمها في تصاميمنا . ولكننا لا نشارك في صناعتها أو صياغتها، وإنما نكتفي بأن نكون مقلدين لذلك ستبقى مدننا من دون طابع أو هوية وإنما معرضاً لطرز غريبة عن المكان والبيئة إلى أن نتيقظ إلى ضرورة تشكيل عمارة خاصة بنا ونابعة منا .
@@ أستاذ مشارك، قسم عمارة البيئة
كلية العمارة والتخطيط، جامعة الملك فيصل
استنباط العمارة الرومانية والإغريقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.