أمين عبدالرحمن شاهدت لقاء تلفزيونيا للرحّالة السعودي مشعل السديري، تحدث فيه عن رحلاته حول العالم على دراجته النارية، متنقلا بين العالم شرقه وغربه شماله وجنوبه، وألَّف في ذلك كتابا عن عجائب البلدان التي زارها وعن الأوصاف والعادات والتقاليد والثقافات من المحيط المتجمد الشمالي إلى الدوران الكامل حول أستراليا، عبورا بكثير من الغابات واجتياز الأودية السحيقة والممرات الصحراوية النائية، إلى اكتشاف عوالم وحضارات كحضارة الأنكا وجزر الجلابجوس وجولمرج وسانت كيتز ونهر مانتاناريس، وعواصم نائية كاثيمبو وعاصمة إقليم الاداق وبحيرة موريري المتجمدة وتيانو، وتاوبو ومواقع تاريخية كقلعة ماكيدا ومعبد كورجي وزانغتوبلري، وقد قطع في رحلته مسافة تقارب الربع مليون كيلومتر متنقلا بين 62 دولة في القارات الخمس. وخلصت من هذا اللقاء الممتع أن الناس يتفاوتون في إدراكهم وفهمهم للحياة بين من يراها من خلال دراجة نارية أو هوائية أو طائرة نفاثة أو شراعية، وقد يستلقي البعض ليشاهدها من خلف الشاشات، كما يتلقاها البعض الآخر روايات شفهية تصف له طعمها دون أن يتذوقها، وقد يكتفي البعض باكتشافها نظريا من بطون الكتب، وقد يراها البعض بأعين عجوز هرم ولى وولى زمانه. كم نحن بحاجة لدراجة السديري لنُركب فيها أصحاب العقول المتيبسة، ونجول بهم في كون الله الفسيح لنغسل أدمغتهم من درن الانغلاق؟!! كم نحن بحاجة لدراجة السديري لنقطف من كل بلد زهرة فنزيّن بها حياتنا وأرواحنا؟!! كم نحن بحاجة لدراجة السديري لنرسل أصحاب العقول المستعصية للفيافي والقفار لترتاح البشرية من شرهم؟!! إن من الأدواء ما لا ينفع فيه إلا التحرك والانطلاق والتحرر من قيود المكان، وكما قال الإمام الشافعي، رحمه الله: "إني رأيت ركود الماء يفسده... إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب"، فالانطلاق بداية التغيير، والاكتشاف يثري العقل ويضيف للإنسان عقلا وإنسانية جديدة. إن المجتمعات المضطربة في حاجة ماسّة لإعادة بناء نسيجها الثقافي عن طريق استنساخ ثقافات أخرى تعيد لها الطمأنينة والاستقرار وتشدّ من لُحمتها. ولو تلاقحت الثقافات واندمج الطيب بالطيب وأُبعد الخبيث من الخبيث لنعمت البشرية بتعايش يُعَمِّر الأرض ويحفظ كرامة البشر.