يبحث كتاب "الرقص مع الحياة" لمؤلفه مهدي الموسوي عن الأسرار الخفية للسعادة، والمفاتيح الصغيرة للبهجة التي تدوم. وهو يضع كتاباً يتعاطف مع الإنسان عندما يرجع من رحلات صيد فاشلة، ومواساة المهزومين في معركة الحياة للتخفيف من خيبات أملهم إذا ما تبخرت أحلامهم مع الناس والحياة، ليس تقديسًا للحزن، بل الرقص فرحًا بالحياة رغم الجروح وتناسي الحروب الضارية التي يقودها الإنسان ضد نفسه يوميًا وبلا رحمة، ومحفزٌ له رغم ذلك، للاحتفال بالحياة والاستمرار في الغوص في بحور نفسه واكتشاف درره الخفية والفوز منها بأجمل الكنوز والأسرار.
الامتنان كنز الحكماء بينما كنت سائرًا بين أزقة إحدى الأسواق العتيقة في مدينة موغلة في القدم، رأيت رجلاً قد ناهز عمره الثمانين عامًا منكبًّا على عمله وهو ينحت بعض الكلمات المبهمة بكل دقة واهتمام على فصّ من الفيروز الصافي، وتوجّه بروحِه وقلبِه لإنجاز ذلك العمل، ثم قام بتثبيت ذلك الفص الجميل على خاتمٍ من الفضة الخالص، فشدّني منظرُه تمامًا ودفعني الفضول لمعرفة ما قد كتب على تلك الفيروزة، فقرأتها وكان قد كتب عليها كلمة (الامتنان)! فسرعان ما اشتريت منه ذلك الخاتم وكأني ملكت الدنيا واكتشفت سرًا غامضًا من أسرار الحياة. إن الامتنان للأشياء مهما صغرت سيجلب البهجة إلى قلوبنا ويجعلنا نحب الناس والحياة. وإذا رضينا عن كل شيء في حياتنا فإن الله سيمنحنا جوهرة الامتنان وهي حالة من السكون والسلام الصافي الذي يغمر القلب بالرضا فيفيض على محيانا بالجلال والنور. إن الرضا العميق على كل يوم يمر علينا وما نلاقيه من صعاب، وتقبل تضاريس أجسادنا مهما كان شكلها، وقبول الناس على اختلافهم، وقبول الماضي رغم آلامه، والحاضر رغم عثراته، والتعهد التام بالرضا عن كل ما تهبه لنا الحياة في أيامنا القادمة، والاستسلام الكامل لكل أمر لا نقدر على تغييره، وتقبّل كل حالاتنا وما نملكه وتقبّل نقائصنا ومشاكلنا والاعتراف بذلك بكل صدق مع أنفسنا، ثم السعي بهمّة وثبات وبكل لطف وبلا ضغط أو تكلّف لتحسين الحال نحو الأفضل، ذلك هو جوهر العيش بامتنان وهو غاية الحكماء في عيش حياة طيبة. تقبل لحظات الخسارة مثلما تزهو بلحظات الفوز. دع الآخرين يفوزون ويفرحون مثلك واجعلهم يفتخرون بأنفسهم مثلك، وعندما تخسر جزءًا من أموالك فتقبّل ذلك واعتبر أن ذلك الجزء قد ذهب إلى من هو في أمسّ الحاجة إليه. كن ممتنًّا بما تهبه لك الحياة حتى لو كانت نعمًا صغيرةً.
افعل جميلاً بلا مقابل إن من يوزع الورد على الآخرين فإن بعضًا من عطر الورد سيلصق بيديه. - أكرم أصحابك سرًا بدون أن يراك أحد، ولا تهمس حتى مع نفسك راجيًا انتظار شيء مقابل ذلك. - امنح عطاياك لشخص مجهول ولا تسأله عن اسمه أو عنوانه. - أنقذ صديقك من محنته بدون أن يشعر بذلك ولا تكشف له عن هويتك أبدًا. - ادعُ لشخصٍ منكوب دعاءً قلبيًا حارًّا لينجيه الله من أزمته بدون أن تخبره بذلك.
تقبل الآخرين كما هم تقبل الناس على ما هم عليه واسمح لهم بان يكونوا أنفسهم. لا تصرّ على أن يكونوا مثالاً للكمال قبل أن تحبهم. إن القبول هو الاحتفاء بالآخرين كما هم بلا شروط، وتقبلهم على علاّتهم وحقيقتهم، ومقاومة رغباتنا الداخلية في تغييرهم ليصبحوا كما نرغب ونريد، وأن نتعايش معهم بكل لطف ومحبة وبدون قسر أو تعنيف، وأن نفتح لهم نوافذ الحياة ليُظهِروا أفضل ما لديهم. وفي كل الأحوال علينا تقبّل حالاتهم وقدراتهم.
تكيف مع الظروف القاهرة انتشرت السلاحف في أرجاء الأرض لقدرتها الفائقة على التكيف مع الظروف القاهرة أما الديناصورات فإنها سرعان ما انقرضت لعدم مرونتها في التعامل مع المستجدات التي طرأت على بيئتها. كل ما يحيطنا في تغير دائم فعندما تشرق الشمس فجر الغد فإنه يكون قد أشرق علينا يومٌ آخرُ جديد يتطلب منا التكيّف مع ما يحمله من فرص فريدة أو تحديات أو أحزان. تقبلوا التغيير الذي يطرأ على حياتكم بصدر رحب وبدون تذمر وبأمل أن ذلك التغيير مهما بدا ثقيلاً ومتعِبًا فإنه قد يحمل بشائر تطور ونمو نحو الأفضل. عندما تجابهك التجارب الأليمة، فلا تجعلها حجة لاعتزال الحياة، تأقلم مع المحن ولا تدعها تنتصر عليك بل واصل السير إلى الأمام.
عش وقتك الحاضر إن من أخطر مهامنا نحن البشر في هذا الزمن هو إتقان فن الإمساك باللحظة، والذوبان فيها والتحايل من أجل العيش فيها حتى الثمالة. إن التركيز على اللحظة الراهنة فن عظيم يمنحنا وسعاً لا متناهيا لرؤية الأشياء بأبهى صورها. إن الطيور لا تفكر بالغد لأنها تعيش أهدافها في ذات اللحظة بغريزتها، لذلك يأتيها رزقها رغدًا وفيرًا. نحن لا ندعو إلى إغفال المستقبل ولكن عش وقتك الحاضر بكل لحظة من لحظاته.
أحبب نفسك إن جلد الذات واستعذاب تأنيب النفس يعكّر صفو روحك ويعكّر مزاجك ويمنع عنك رؤية نفسك على حقيقتها. أعطِ لجسدك حقه واحترم كل جزء فيه، فإن جسدك هو الماكينة التي تعيش بها في هذه الحياة. لا تقسُ عليه وتحمّله أكثر من وسعه، فإذا احترمت جسدك فإنه بالمقابل سيحترمك ويهبّ لنجدتك ويتحمل همومك المتنوعة وأمزجتك المتغيرة، دع جسدك يستريح من الضغط المسلّط عليه من عقلك وأفكارك. أحبب نفسك، ولا ترمِ عليها بالحصى، فما دمت تفعل ذلك فمن الاستحالة رؤية الصفاء الذي يضيء جوانحك.
حرر نفسك من المخاوف ما دمت قد فكرت واستشرت، فامضِ في طريقك بعزم وجرأة. تجاهل الأصوات التي تنبع في داخلك والتي تدعوك للخوف والانتظار، وأهمل اعتقادات الآخرين وشكوكهم وتهويلهم الأمر عليك وثابر في المسير، فإذا بالطريق قد انكشف لك وأنجزت لنفسك نتائج مذهلة. إن الخوف هو حالة طبيعية لدى كل الناس ولكن علينا بعد ذلك أن نتحملها ثم نمضي قدماً ونواجه خوفنا على الرغم من ذلك. لا تدعو الخوف يسكنكم. تحدثوا عن الأشياء الحسنة في حياتكم لأن روح العالم في حاجة كبرى لفرحكم. إن الخوف والشجاعة لا يجتمعان. إن السعادة في الشجاعة. ضع مخاوفك جانباً، وأقبل على الحياة بقلب شجاع وستكتشف فيما بعد أن أغلب مخاوفك كانت أوهاماً.
لا تتوقع الكمال في ما حولك حرر نفسك من الرغبة في أن تصبح الحياة كما تتمنى. حرر نفسك من أن تنسجم الأشياء حسب تصوراتك ورؤيتك للحياة فلن يكون الأمر كذلك أبداً. حرر نفسك من كل قيد يصور لك أن الحياة التي ستعيشها ستكون كاملة من كل نقص. حرر نفسك من التعلق بأي شيء يقيدك ويحد من نشاطك. عش في هذه الدنيا وأقبِل على الحياة بلا توقعات حالمة بأن الأمور ستسير على ما يرام. لا تستغرق في التفكير ولا تقضِ وقتًا طويلاً في التخطيط وتقليب الأمور. لا تغرق في النظريات والحديث عما ستفعله يوم ما، ولا تُطلْ النقاش وتقضي الساعات الطوال في التفاصيل فتضيع أيامك ما بين خوف وشك، ثم تصحو وقد ذهب العمر في الكلام، بل سارع في إنجاز الأشياء واخطُ خطوة وافعل شيئاً ما، وسرعان ما تجد أن قوى الكون تتعاون من أجل مساعدتك في إنجاز عملك.
عِش حياةً حقيقية عِش حياةً فيها معنى.. عِش وتعمّق في جوهر الحياة، وركّز فيما وراء الصور والأشكال، عندها ستأخذك الحياة بعيدًا حيث النور والصفاء واللحظات السامية. ابحث عن جواهر الأشياء بعيدًا عن ظواهرها. ارمِ ببصرِك إلى أعماق البحار حيث الدرر والكنوز الدفينة. لا تُلهِك الزخارف الخارجية عن حقائق الأشياء.
كنوزك بين جوانحك إن الله قد أودع فينا كل ما نحتاجه من الذخيرة والطاقة كي تعيننا على عبور الجسور والمتاهات التي تقابلنا أثناء مسيرة الحياة. إن الله أودع فينا الأسرار الكبرى والهبات العظيمة ويسّر لنا السبل للوصول إليها لتمنحنا البهجة وتعيننا على الأيام. إن كنوزنا العظيمة هي معنا، كامنةٌ بين جوانحنا لترفدنا بالطاقة اللازمة لمجابهة ما يعترضنا من آلام ومحن أثناء مسيرة الحياة.
كن لطيفًا مع الآخرين اجعل قلبك ينبوعًا لا ينضب من اللطف تجاه الآخرين وازرع في نفوسهم الأمل بأن الدنيا لا زالت بخير، اجعل اللطف طريقك إلى قلوب الناس بعيدًا عن الشدة والقسوة. عندما تُقرَع الأجراس لتعلن إليك عن قرب ساعة الرحيل عن هذه الحياة، فإن أكثر ما سيؤلمك في تلك الساعة هو الندم على لحظات الحنان التي لم تمنحها لأحبابك. عامل كل من تقابله في الحياة على أنه شخص مهم للغاية. عامل كل من تراه وكأنك سوف لن تراه مرة أخرى.
قوِّ عالمك الداخلي إن السعادة إحساس بالرضا ينبع من الداخل. اجعل الرضا ينبع من داخل نفسك. وإن كنت غير راضٍ عن الناس من حولك وتتذمر من هفواتهم وأخطائهم الصغيرة فلأنك تعتمد على الآخرين في إسعاد نفسك وتريد منهم أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمداراتك والاهتمام بك. إن المشكلة هي عندما ننسى أن سعادتنا وتعاستنا هي مشكلتنا ومسؤوليتنا. قوِّ عالمك الداخلي وحصّنه من أية أفكار سلبية ترِدُ إليك من ذوي النوايا السيئة أو الطباع القاسية أو النفوس المتمردة على الفطرة السليمة، واحمِ نفسك من الداخل بما يشبه درع الحماية من أية تأثيرات سلبية تشع عليك من العالم الخارجي. اجعل سعادتك مرهونةً بنفسك وذاتك وقوتك الداخلية.
شاطر الآخرين نعمتك إذا حظيت بالنعمة فلا تنسَ الآخرين. وإذا أصابك وفرٌ من المال فلا تستأثر به لوحدك فإن مصيره النقصان والزوال. إذا غنمت بأوقات طيبة فتذكر أصحابك. إذا فاضت عليك الحياة بالنعم وحصلت على ثروة عظيمة فاستحضر من ساعدك أثناء الطريق. إنّ إشراك الآخرين في النعمة يضاعفها.
المحبة سرّ الحياة من أعظم مواهب الإنسان هي قدرته على الحب. وأعظم صفات البشر هي قابليتهم على توليد المحبة في داخل نفوسهم ونثرها مثل الأزهار على الآخرين. ومن أعظم المواهب هي قدرة الإنسان على دفع الآخرين لاكتشاف طاقات الحب الدفينة في أعماق نفوسهم، إن الموت الأكبر هو فقدان القدرة على الحب. اجعل المحبة شعارك وعنوانك وطريق حياتك. فإذا كان بوسعنا أن نحب فإن بوسعنا أن نعمل العجائب. لا تدع المحبة تفارق قلبك مهما دارت بك الأيام فهي التي تضيء أيامك من كل ما يعكر صفوها.
عِش بقلبٍ أخضر إذا امتلأ القلب بالمحبة أشرق الوجه. وإذا احتفظت بغصنٍ أخضرَ في قلبك فستأتي إليك العصافير لتغرد فيه. اخلق سعادتك من لا شيء، وابحث عنها بين الأنقاض. ابحث في الزوايا وفي دروب الحياة عن أية فرصة سانحة للسعادة تمنحها لنفسك. كُن أنت الصانع الأول لسعادتك ولا تنتظر أحدًا آخر يفعل ذلك لك. إن فرص السعادة تحوم حولنا ولكن لا ننتبه لها. إن السعادة تطرق أبواب الجميع بلا استثناء فإذا رأتنا مشغولين عنها توارت واختفت. لا تهمل القيام ببعض الأعمال الصغيرة إذا كانت تضيف على الحياة لمسة إنسانية وتجعلها أجمل. إن الأشياء الكبيرة ما هي إلا تراكمات من صغار الأشياء ولولا السواقي لما كانت هناك أنهار. امنح اهتمامك لأي شيء مهما كان بسيطًا ما دام يضفي على دنياك الجمال.
السماح صفة الأبطال إن التسامح هو تلك الموجات الناعمة من الراحة التي تسري في نفوسنا ما إن نبدأ بمسامحة الآخرين. إنه التحرر من الإحساس بالجرح والألم. وهو الذي يجعل نفوسنا مرآة مصقولة لاستقبال أنوار السماء. إن التسامح هو التحرر من هواجس النفس الباعثة بالرسائل السلبية التي تهمس لنا بأننا ضعفاء وضحايا لظلم الآخرين في عالم لا إنصاف فيه. إن القرار بعدم التسامح هو قرار باستمرار المعاناة. إن السماح استرجاع لصفاء أرواحنا، وتمهيد لاسترداد قلوبنا ما تستحقه من سلام وأمان. إن مسامحة أنفسنا على هفواتها الصغيرة ستجعلها لن تتجرأَ على ارتكاب الهفوات الكبيرة.
الموقف الإيجابي في الحياة الموقف الإيجابي هي حالة مزاجية إيجابية تنقلها عن نفسك إلى الآخرين عاكسا الطريقة التي تنظر بها إلى العالم من حولك فتبدو أمام الآخرين أكثر سحرًا وجاذبية، ويمكن للإنسان أن يكسب معركة الحياة في كل اتجاه إذا تبنّى موقفًا إيجابيًا. عندما تتمكن من تخطي بعض المشكلات الخطيرة في العلاقات، لا تتذكر الأوقات الصعبة، ولكن فكّر بالمتعة التي جنيتها نتيجة مرورك بهذه المرحلة في حياتك.
أقبِل على الناس بهدايا ثمينة احفظ لأحدهم سرّه الذي ائتمنك عليه.. ساهم في تحقيق حلمٍ يراود آخر. اسمح لصديقك أن تكون كلمته هي الكلمة الحاسمة. أثنِ على أحدهم صادقًا بكلمة دافئة. اضحك لقصةٍ سمعتَها من أحدهم للمرة الثالثة. اجعل كلَّ يوم من أيامك موعدًا لإضفاء السعادة على إنسان بائس. تلك هي أثمن الهدايا فانثرها ما استطعت على كلّ الكون.
كن دائم المرح إن المرح أشبه بالوقود الذي يبقي حياتنا مفعمة بالدفء والحميمية. إنه ذلك الشيء الذي يجعل الناس تلجأ إليه عندما تكثر عليهم الأزمات. وإن الإنسان المرِح هو إنسان مميز وواثق من نفسه وينسجم مع ذاته ويهفو للقائه الآخرون. عش وابحث عن الجوانب المضحكة في حياتك واقتنص اللحظات السعيدة والكوميدية وستنساب الهموم والأحزان من داخلك. لا تضحك على الناس لأنك ستثير مشاعرهم بل اضحك معهم على الحياة وعلى أحداثها واضحك على هفواتك وعثراتك وأخبر أصحابك عنها وسيحبونك أكثر وسيشعرون أنك إنسان مثلهم ولست أفضل منهم.
املأ صدرك بالحب أسهل ما في الدنيا هو أن تخيف الناس. وأسمى إنجازاتك هو عندما يحبك الناس. والإنسان الخالد هو الإنسان المحبوب.
افتح نوافذك للعالم افتح قلبك للناس وافتح نوافذك للحياة وما هي إلا لحظات حتى تنساب قوى الخير إليك من كل حدب وصوب. وتيقن من أعماق قلبك أن الخير يحيط بك من كل الجوانب.
المؤلف في سطور مهدي الموسوي مهندس مدني دكتوراه في تيسير بناء مساكن الفقراء
