الهلال يتغلب على الأهلي ويقترب من الفوز بلقب الدوري    المتشددون يطالبون باقتحام رفح.. وذوو الأسرى: أعيدوا أبناءنا أو نحرق إسرائيل    مناورات نووية روسية رداً على «تهديدات» غربية    تحذيرات من استخدام الذكاء الاصطناعي في كشف الكذب    بالهاتريك السادس.. رونالدو يطرق أبواب التاريخ في الدوري السعودي    وصافة الخلود في اختبار هجر.. الفيصلي للتعويض بجدة    المسافر راح.. وانطفى ضي الحروف    "البحر الأحمر السينمائي" مشاركًا في "أفلام السعودية"    «سعود الطبية» تقلص فترات علاج زراعات الأسنان    بايدن يحذّر نتانياهو مجددا من أي اجتياح لرفح    سعود بن بندر يرعى حفل تخرج كلية المجتمع بالدمام    صندوق البيئة يعزز الاستدامة المالية لخمسة قطاعات    انخفاض أرباح شركات التكرير الأميركية مع اضطرابات المصافي الروسية    الشورى: سلامة البيانات الشخصية تتطلب إجراءات صارمة    النائب العام يلتقي عدداً من قيادات السلطات القضائية والدستورية في البحرين    "آل هادي" إلى رتبة "لواء" ب"الشؤون القانونية للجوازات"    القيادة تعزي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان في وفاة ابنه    «مهرجان الحريد».. فرحة أهالي فرسان    اتحاد تسع جهات حكومية لحماية طلاب مكة سلوكياً وفكرياً    اجتماع سعودي-بريطاني يبحث "دور الدبلوماسية الإنسانية في تقديم المساعدات"    لاعب النصر على رادار بلباو    تطوير للطرق والمحاور بالخبر    أوامر الاحتلال بإخلاء رفح تؤكد قرب الغزو البري    23 يونيو موعدا لإيقاف Google Podcasts    أمير منطقة تبوك يستقبل أمين مجلس منطقة جازان ويشيد بدور المرأة في دفع عجلة التنمية    القبض على مقيم بمكة المكرمة لترويجه مادة الميثامفيتامين المخدر    انطلاق تمرين «الغضب العارم 24» بين القوات المسلحة السعودية ومشاة البحرية الأمريكية    السعودية تحذر من مخاطر استهداف الاحتلال لرفح وتهجير سكان غزة    100 ميدالية بالأولمبياد الخاص    أمير الجوف يعزي في وفاة معرّف أهالي قرية إثرة بمحافظة القريات    "البيئة": 54 بحثًا للابتكار وتنمية المجتمعات الريفية    برنامج "مساعد طبيب أسنان" منتهٍ بالتوظيف    سمو محافظ الخرج يكرم متدربي كلية التقنية بالمحافظه لحصولهم على جائزة المركز الأول في مسابقة الروبوت والذكاء الاصطناعي    أمير الرياض يرعى حفل تخريج الدفعة ال68 لطلاب جامعة الإمام.. غداً    تقديم الاختبارات النهائية بمدارس مكة    خطط وبرامج لتطوير المساجد في الشرقية    إعلان نتائج أرامكو غدا.. ترقب من سوق الأسهم وتوصيات المحللين    مخبأة في حاوية بطاطس.. إحباط تهريب أكثر من 27 كيلوغراماً من الكوكايين بميناء جدة الإسلامي    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    هيئة فنون العمارة تحتفي ب"يوم التصميم العالمي" بالخبر    تقديم الإختبارات النهائية للفصل الدراسي الثالث بمنطقة مكة المكرمة.    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُنظم مؤتمرًا دوليًا في كوريا الجنوبية حول "تحديات وآفاق تعليم اللغة العربية وآدابها"    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    550 نباتاً تخلق بيئة نموذجية ب"محمية الملك"    "المرويّة العربية".. مؤتمر يُعيد حضارة العرب للواجهة    أمطار ورياح مثيرة للأتربة على عدد من المناطق    السعودية.. الجُرأة السياسية    اللذيذ: سددنا ديون الأندية ودعمناها بالنجوم    سمو ولي العهد يهنئ ملك مملكة هولندا بذكرى يوم التحرير في بلاده    انطلاق بطولة كأس النخبة لكرة الطائرة غدا    المجرشي يودع حياة العزوبية    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    الدور الحضاري    افتتح المؤتمر الدولي.. الراجحي: المملكة عززت منظومة السلامة والصحة المهنية    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجاحهم في التعليم وفشلنا
نشر في الوطن يوم 31 - 10 - 2022


1
ما أكثر المقالات الصحفية عن الصحويين الذين أمسكوا بمفاصل التعليم في المملكة، وكيف أثروا في المتعلمين. وما أكثر الحوارات التليفزيونية مع ما تسميهم تلك البرنامج بالمهتمين أو الباحثين في الجماعات الإسلامية. لكنني لم أقرأ مقالًا واحدًا، ولم أسمع خبيرًا يسأل هذا السؤال المهم: لماذا نجحوا في ذلك؟ ولماذا فشلنا؟. أعني ب(نا) الدالة على الفاعلين، كل العاملين في المؤسسات التعليمية وأنا أحدهم.
لقد تأكد الجهاز التعليمي إن صح التعبير منذ 11 سبتمبر أن هؤلاء يستخدمون التعليم لأهدافهم، وبدأ في مراقبة المعلمين والكتب المدرسية، وبعد 22 سنة مازلنا نتحدث عن أنهم مازالوا مؤثرين. هناك مجهودات كبيرة تبذلها وزارة التعليم، غيرت وعدلت في الكتب المدرسية، واهتمت بتحسين البيئة المدرسية، وسأفتح قوسا لأتحدث عن هذا التحسين من حيث هو نموذج لما فعلناه من أجل أن نغير، لكن لا يتغير شيء.
في أحد عهود وزارة التعليم انصب الاهتمام على البيئة المدرسية، لكن بدلًا من أن يكون هذا الاهتمام في مصلحة الطالب كأن تكون المدرسة مكانًا جاذبًا، أصبحت البيئة المدرسية هدفًا في حد ذاته. تحسنت البيئة المدرسية، لكن المدرسة تحولت إلى ديكور، وبدلًا من أن يهتم فريق العمل بالطالب اهتم بالمدرسة كمبنى. شكل من دون محتوى. حماس أكثر منه درب آمن للتعلم. لا يكفي أن نعرف أهمية تحسين البيئة المدرسة، إنما التحسين الذي ينمي قدرات الطلاب المعرفية، ومهاراتهم. الأهم في المدرسة أن قيمة ما يتعلمه الطلاب يكمن في تحرير عقولهم. المدرسة ليست مكانًا فقط إنما هي مكان جماعي، يمكن لكل طالب أن يخرج من عزلته ليشعر بالاطمئنان والانتماء إلى وضع إنساني مشترك. كان كل شيء في المدرسة يبرق، لكن لا شيء في هذا الشيء ليساعد الطلاب على تنمية قدراتهم.
2
إذن لماذا نجحوا وفشلنا؟ أحد الأسباب الرئيسية التي جعلتهم ينجحون في عملهم التعليمي هو أنهم يعرفون بشكل جيد الإنسان الذي يريدون. سألوا أولًا ما الإنسان الذي نريد؟ ثم سألوا ثانيًا ما الوسائل الممكنة لتكوينه؟ ثم شرعوا في العمل على مستويات متعددة. لم يقتصر عملهم في المدرسة، بل امتد عملهم إلى خارج المدرسة، كالمسجد والحفلات، والرحلات، إلخ حتى أنهم ألفوا كتيّبات عن عذاب القبر للأطفال.
نحن أيضًا ساعدناهم في تحقيق أهدافهم؛ لأن تصورنا عن الإنسان الذي نريد لم يختلف عن تصورهم للإنسان الذي يريدون. فأصبح أي تغيير نشرع فيه من دون أن نسأل عن الإنسان الذي نريد تضييعا للوقت. وهنا يمكن القول بأن هناك نوعين من الإنسان هما: الإنسان التقليدي والإنسان الحديث. ويحق للقارئ أن يسأل عن هذا التصنيف الذي يجعل الإنسان التقليدي في جهة والإنسان الحديث في جهة أخرى. في الواقع فإن هذا ليس تصنيفا للإنسان، بقدر ما هو وصف لثقافتين وتفكيرين وذهنيّتين، وفي الوقت ذاته وصف لتغيرات في منحى المجتمعات بمعنى تغيّر ذهنيّتها، وطريقة تفكيرها.
لكن لماذا لم نطرح هذا السؤال المهم؛ أعني نوع الإنسان الذي نريد؟ لأننا نتفق معهم من دون أن نعي ذلك بأن الإنسان محدد بشكل مسبق، وقد تحدد عبر قرون طويلة. ما أكثر المثقفين السعوديين، والتربويين الذين تحدثوا وكتبوا وحاضروا وألفوا عن النهضة والتنمية والتقدم والأصالة والمعاصرة إلخ. لكن لا أحد منهم طرح سؤال: من أجل أي إنسان سعودي تكون النهضة أو التنمية أو التقدم إلخ؟. لم يطرح أحد من هؤلاء هذا السؤال على اعتبار أن الإنسان السعودي محدد سلفًا، وقد اكتسب فعلًا محتواه الفعلي على مر القرون.
لا أحد من المثقفين السعوديين أو من التربويين أو من يهتم بمستقبل وطننا طرح رؤية شاملة للإنسان ترى أن الإنسان السعودي المرجو يجب أن ينتمي إلى العصر الحديث؛ لأن هذا العصر يحتاج إلى الإنسان الحديث، وسيعقبه عصر أحدث، وعلى النظير يجب أن يعقب بناء الإنسان الحديث بناء الإنسان الأحدث. وهكذا يأخذ مفهوم الإنسان كتطور وليس كمحتوى ثابت، كما ظنوا، وظننا نحن معهم.
تكمن راهنية الحديث عن تكوين الإنسان السعودي الحديث؛ لأن إعادة تكوين المجتمع السعودي التي تجري هذه الأعوام، سيكون تكوينًا ناقصًا من دون تبني مفهوم الإنسان الحديث.
فالإنسان الحديث هو الإنسان الذي يؤمن بقيم العصر الحديث. وإذا ما استقر الرأي على الإنسان الحديث، بقي سؤال مهم وهو: ما الإنسان الحديث؟ هل هناك إنسان حديث بحيث أستطيع أن أصفه؟
نعم. هناك سمات معينة للإنسان الحديث معروضة في الدراسات الاجتماعية التي تتحدث عن المجتمع الحديث، وسمات المنتمين إليه. إذا تحددت سمات الإنسان الحديث الذي نريد؛ فهناك وسائل معينة لتكوينه. هذه الوسائل مضمنة في مجالات التعلم الأساسية، وهي مجالات مرصودة، ومعروفة في الأدبيات التربوية لاسيما إصدارات اليونسكو.
3
وإذا ما أردت أن أواصل الحديث عن كيف ساعدناهم على تحقيق أهدافهم، فإن حسن النية يأتي في المقدمة، من غير أن نفكر في أن حسن النية قد يورد المهالك.
مثلا أنشأت الوزارة أقسامًا للتوعية الإسلامية، فتجمعوا فيها، وتوسعت في فتح مدارس تحفيظ القرآن الحكومية فتوسعوا أكثر. أنشأت الوزارة قسما للإعلام التربوي فتحول إلى الإعلام الإسلامي.
هناك أشياء لم تتغير لبدهيتها عندنا. فقسم التاريخ في إحدى الجامعات الكبيرة في المملكة يتبع كلية الشريعة. لكي نفهم سنسأل لماذا لا يتبع كلية العلوم الإنسانية؟ وقسم الجغرافيا يتبع كلية التربية؟ لماذا؟ والاقتصاد يتبع كلية الشريعة. لماذا؟ إذا أراد أحد أن يعرف لماذا هذه فليراجع المواد المقررة على الطلاب، والرسائل التي يقدمها الطلاب في الدراسات العليا.
كنا خائفين فلم نستطيع أن نعترض على حفظ سورة البقرة شرطًا لمناقشة الماجستير، والبقرة وآل عمران شرطا لمناقشة الدكتوراة. كنا خائفين من أن نقول إن هذا الشرط مكر ودهاء يشبه قميص عثمان أو لا حكم إلا لله.
كنا خائفين، ومن لم يخف منهم كان يخاف من المجتمع. أتذكر معلمين لم يكونوا يعدون دروسهم إعداد ذهنيا، وحين ناقشتهم في أن ذلك مهم لعملهم لعلاقته بالأهداف التي يريدون تحقيقها، والأساليب والإجراءات المناسبة لتحقيقها، والتقويم فيما إذا تحققت الأهداف أم لم تحقق. أجابوني بأن «العلم في الرأس وليس في القسطاس».
ماذا يعني هذا؟ التفكير المسبق وفق حكم وأمثال، وتحكم الماضي في الحاضر، بل وفي المستقبل، وسلطة القديم حين قالوا لي صراحة: إن أحدًا من الصحابة لم يكن يعد دروسه، ولا من الأئمة الذين ملأوا الدنيا علما، ومن المؤسف أنني أيضًا أنسحب خاسفًا من النقاش، فالتهمة جاهزة بأنني عدو للصحابة وأئمة العلم أو على هذا ما فكرت فيه. قد لا يصدق أحد ما فعله أحد المعلمين باعتبار ما فعله وسيلة تعليمية.
حدث هذا في إحدى المدارس؛ فقد كفن معلم طالبا، وحمله طلاب على النعش ليذكرهم بالموت، والعمل من أجل ما بعده.
وكما هو واضح فإن ثقافة معينة حلت محل ثقافة أخرى، وفي جزء من هذه الثقافة البديلة ثقافة الترهيب مقابل ثقافة الترغيب، وثقافة الموت في مقابل ثقافة الحياة.
علاوة على ذلك لقلما يحتاج القارئ إلى أن أخبره بخطأ التقسيم إلى عقل ومادة، أو إلى روح وجسد. لكن ذلك ما كان يحدث، فقد ناقشت بعض معلمي التربية البدنية، والتربية الفنية الذين نقلوا إلى طلابهم، بل قالوا صراحة إن تلك المواد تضييع للوقت، وأن اغتنام الزمن في العلوم الشرعية أفضل.
ناقشتهم في أن هذا لا ينسجم مع الرؤى الحديثة للتربية التي تتكافأ فيها الأهداف المعرفية والوجدانية والمهارية.
ساعدناهم بأن أبقينا في صميم العملية التعليمية والتعلمية على أن المعرفة تتمحور حول النصوص وحفظها، وأن الحقيقة ليست موجودة في الواقع إنما موجودة في النصوص، وأن المعرفة لا تتأتى بملاحظة الواقع وتصنيفه واكتشافه؛ إنما تتأتّى بقراءة النصوص، وخضوع الواقع للنصوص وهيبتها، والبرهان الأقوى هو الاستشهاد بالنصوص.
ساعدناهم لأننا أبقينا الحفظ في قلب نظرية المعرفة. والمحفوظ كما نعرف من الدراسات التربوية الحديثة له دور في تحصيل المعرفة الجديدة، لكنه يندمج بشكل تعسفي في بنية المتعلم المعرفية من غير أن يتفاعل مع ما هو موجود لديه فعلا.
الحفظ لا يؤدي إلى معرفة حقيقية، إنما يظل معلومة سطحية. ومن الممكن أن يعيد المتعلم ما يحفظه، لكن في الوقت نفسه ربما لم يفهمه.
الحفظ لا يجعل المتعلم يعرف بالمضمون الأكثر تعقيدًا لكلمة (يعرف). وهو لا يناسب عملية بناء المعرفة الجديدة. لماذا الإصرار على الحفظ؟
لسببين أساسيين: أولهما لأن الحفظ عند رجال الدين الأكثر فائدة في تعلم ما يعتقدون بأنه حقيقة. وثانيها هو مساعدتهم على تلقين ما يعتبرونه معنى المحفوظ؛ وبذلك فالمعنى يقع خارج المتعلم، وما على المتعلم إلا أن يتقبل المعنى، وإذا ما تقبله فهو غير قابل للتغير؛ أي أن المعنى ليس مؤقتًا إنما معنى نهائي.
ساعدناهم لأننا لم نكن نفرق فهؤلاء هم العلماء، وقد نتج عن ذلك اللّبس الذي ما يزال قائمًا بين عالم وعالم في الإشارة إلى رجل الدين أو رجل العلم بالمفهوم الحديث، وكذلك حلول البيئة الدينية بدلًا من البيئة العلمية الذي انعكس على ثقافة المجتمع العلمية.
فبدلا من أن يتبع المجتمع سياسة علمية بإنشاء مؤسسات علمية تدرب على العلوم الطبيعية اتبع سياسة دينية تجعل من الدين هو الهدف الأول للسياسات التربوية والتعليمية والثقافية، حيث ينشئ مؤسسات تدرب على الدين.
ساعدناهم لم نجعل من كلمة (علم) بمعنى التفكير الذاتي، إنما بمعنى العلم بالنصوص، أما ماعدا ذلك؛ فلا يحق أن يسمى علمًا، ولا صاحبه عالمًا.
لا يظن أحد أنني خرجت عن موضوعي وهو تكوين الإنسان، لأن الإنسان هو محور العمل التعليمي، وكل ما يجري حول هذا المحور يجب أن يصب في تكوينه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.