يبدو أن لدينا هوساً غريباً بالألقاب والمسميات، ويتضح ذلك على الصعيد الإعلامي والشعبي، بدءاً بالخبير الاستراتيجي، وليس انتهاءً بالشاعر العملاق؛ ما أسهم في تفريغ تلك الألقاب من معانيها ومدلولاتها الحقيقية، لنصل إلى حالة مزرية من اختلاط المفاهيم وتشتت المصطلحات، ومن أمثلة هذا اللغط الفكري ما يلمسه المتابع للواقع الاجتماعي، وطريقة تعاطي العقلية الاجتماعية مع لقب «الشيخ»، الذي كان يحظى سابقاً بحصانة شرعية وعلمية جعلته خاصاً بالصف الأول من العلماء الأجلاء، الذين أفنوا أعمارهم في طلب العلم الشرعي، واشتهروا بالعلم والتقى، بل إن سِيَر الأعلام منهم تشي بتواضعهم وتنزههم عن الألقاب والمسميات، مصداقاً لمنهجهم وتطبيقاً لمبادئهم، أما هذه الأيام -وبكل أسف- فقد أصبح اللقب مستباح الحمى «كالمشلح المستعار»، يلبسه كل ليلة عريس، فكم من شابٍ يافع لم ينضج بعدُ عقلاً ولا علماً تحصَّن خلف بعض الملامح الشكلية، وحفظ آيةً قد يخطئ في تلاوتها، أو حديثاً قد لا يعرف إن كان صحيحاً أو موضوعاً، وكم من منحرفٍ سلوكياً وأخلاقياً أنعم الله عليه بالهداية، ولايزال يحبو ويتلمس مساره على طريق العلم والاستقامة، وكم من حاصلٍ على شهادة جامعية تعيّن بموجبها في أحد القطاعات التي لها علاقة بالشأن الشرعي، رغم بلادته الفكرية وحصيلته العلمية الفقيرة طوال مشواره الدراسي، أصبح كل واحد منهم يحمل لقب «الشيخ» كمنحة اجتماعية جعلته متورماً، يهرف بما لا يعرف، ويفتي بما لا يعلم، وكان من الأولى أن يلقب ب»الشيخ الجاهل».