المملكة كانت ومازالت تغذي موازناتها ونهضتها بالثروات التي تجنيها من حصاد الذهب الأسود، إذ تزيد مساهمة البترول في الإيرادات عن 85%، وتزيد هذه المساهمة عند احتساب البتروكيماويات معه على 93%. هذا المخزون المتكون عبر مئات السنين مهما كثر، طبيعته النضوب، لذلك تخطط المملكة لبناء اقتصاديات مساندة تعتمد على مصادر أخرى لتكون بديلاً للنفط في تعزيز إيراداتها، هذا التخطيط للأسف لم يقابل بفعل على المستوى المأمول بل ولا حتى جزء منه، فمنذ خطة التنمية الأولى في المملكة العربية السعودية والدعوة لتنويع مصادر الدخل قائمة، وإلى اليوم وبعد أربعين عاماً مازال مستوى الإيرادات غير النفطية متواضعاً لا يتجاوز 8% من إجمالي الإيرادات. نتيجة للوفورات الهائلة في الموازنة الحكومية تتكون الصناديق السيادية، التي تعد الأذرعة الاستثمارية للدول، وقد بلغت أصول الصناديق السيادية السعودية ما يقارب 586 مليار دولار وفقاً لتقرير «معهد الصناديق السيادية» الذي نشرته العربية نت في مارس 2012م، موزعة على (مؤسسة النقد) بنحو 532 مليار دولار والذي يركز على الاستثمارات الخارجية وغالب هذه الاستثمارات في ودائع بنكية وسندات حكومية، و(صندوق الاستثمارات العامة) بنحو 53 مليار دولار الذي يركز على الاستثمارات الداخلية. السؤال الذي يتساءل حوله المخلصون ما هو نصيب الأجيال القادمة من هذه الثروة المستنزفة؟ هل من الأفضل إبقائها في باطن الأرض كمخزون طبيعي.. أم استخراجها وبيعها وانتهاز فرصة حاجة العالم لهذا السائل العجيب وارتفاع أسعاره؟ وهذا يحيلنا إلى استفسار نوعي حول مدى الاستفادة من هذه الأموال في تعزيز الثروات غير النفطية من جهة وحفظها للأجيال من جهة أخرى، خاصة وأن معظم احتياطياتنا تستخرج من باطن الأرض وتستثمر خارجياً في أدوات لا نستفيد منها من الناحية النوعية والإستراتيجية، أما عوائدها فللأسف تقل حتى عن مستوى التضخم الذي نعاني منه. في رأيي إذا لم نستثمر فوائضنا في استثمارات ذكية تجمع بين العائد والأمان والتنويع والحاجة الإستراتيجية، فإن بقاء النفط في باطن الأرض يصبح خيرا لنا من استخراجه.