من بين كل ردود الفعل، وهاشتاقات التويتر التي تصادمت مع افتراءات يوسف زيدان وترَّهاته، وهو يواصل صدامه مع الثوابت وإنكاره التاريخ والموروث العربي، أعجبني كثيراً رد الهيئة الوطنية للسياحة في المملكة «أخبروا يوسف زيدان أن الدراسات أثبتت قوة التواصل الحضاري للجزيرة العربية منذ 3000 سنة قبل الميلاد مع الحضارة في بلاد الرافدين والشام ومصر». في ندوة «نحن أمة تقرأ»، التي عقدت على هامش مهرجان «تويزا» الذي أقيم في مدينة طنجة المغربية، خرج يوسف زيدان بافتراءات جديدة، بينت أنه إنسان يجهل التاريخ ولم يقرأ في تراث العرب شيئاً، ولم يكن غريباً أن نتفاجأ بآرائه وافتراءاته، فبعد كتابته روايته عزازيل التي فاز بها بجائزتي إنوبي والبوكر البريطانيتين، التي ثبت أنها مسروقة عن رواية إنجليزية صدرت عام 1853م، خرج علينا ذات يوم ليقول إن القدس «إليا» كلمة عبرانية وليست مسيحية ولا وجود أصلاً للمسجد الأقصى في القدس، وهو بذلك يروِّج للادعاءات الصهيونية التي تدعي أنه لا وجود للمسجد الأقصى إلا في الطائف في منطقة «الجعرانة»، وقد كفّر بعض العلماء «زيدان» لإنكاره قصة الإسراء والمعراج المذكورة في القرآن العظيم، وقد ذكرت هذه القصة والمسجد الأقصى الذي أسري إليه في سورة الإسراء. أعتقد أنه ليس هناك جديد فيما يفكر به يوسف زيدان ويبدع بتُرَّهاته التي كما يبدو تتماشى وتتوافق مع المخطط الصهيوني في تزوير التاريخ وقلب الحقائق، وإذا كان من أشهر كتابات يوسف زيدان ما كتبه عن متاهات الوهم، فإنه يكتب حقّاً واهماً عن متاهات فكره وتهافتات عقله، يوسف زيدان من ناحية منطقية يحاول الكتابة في كل ما يمكن أن يحدث نوعاً من الجدل والبلبلة، مع الرويبضة، وليس هو بعيداً عن القوم «المرجفون في المدينة» في المرحلة الحرجة من تاريخنا، ونحن نخوض حروباً فكرية ولوجستية وعقائدية طائفية، ونعيش أحداثاً متلاطمة الأمواج، تُخلط فيها الأوراق ويزوّر التاريخ وتتجرد حضارتنا وتراثنا من أصالتها ووجودها. والمرجفون اليوم يأتوننا من كل مكان وعبر مختلف النوافذ والأبواب. الجزيرة العربية منذ الأزل كانت منبعاً للتاريخ واللغة والحضارة، لذلك شد الرحال إليها المستشرقون الغربيون والشرقيون في رحلات عديدة وتذخر بآثارهم ومؤلفاتهم المكتبات العربية والعالمية، وفيها ما يؤكد أن الجزيرة العربية الأصل في الحضارات السامية ومنطلق للغة العرب وتراثهم. وإذا كان رد المؤرخين في دفاعهم عن الحقيقة، يَعدُّون افتراءات وادعاءات زيدان الأخيرة، نوعاً من التشويه والجهل وسوء النية في الترويج لمثل تلك الادعاءات الباطلة، وأؤكد أني مع القول بأنها ظاهرة مرضية أخذت عدواها تستشري في عقول وتفكير كثير من الذين هم محسوبون على ثقافتنا العربية ومن منظومتها الفكرية المعقدة التي تبتعد كثيراً عن الحكمة والعقل والبصيرة. وأذهب لما ذهب إليه الكاتب حبيب الصايغ في قوله «ظاهرة فكر يوسف زيدان توصف بأنها تهريج يراد به لفت النظر، ولو جاء ذلك على حساب الحق والحقيقة».