النزعة الرأسمالية القائمة على حب (الأنا)، هي نزعة ربما تكون فطرية وأصيلة في الإنسان، الآية الكريمة في سورة الفجر (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)، تدعم هذا المعنى وتؤكد عليه في حدود معينة، انطلاقاً من ذلك فإنَّ سلوك الناس عادةً ما يتشكل بناءً على الحدود القانونية المفروضة ومدى اتساعها وضيقها بعيداً في كثيرٍ من الأحيان عن أي اعتبارات أخلاقية أخرى، مثال العقاريين هو مثال واضح في هذا السياق، فالاستحواذ على الأراضي المحيطة بالمدن والمضاربة فيها ورفع الأسعار إلى قيم فلكية، لم يكن إلا حينما لم يكن هناك قانون يمنع ذلك، حينذاك لا يمكن مخاطبة التاجر بلغة الأخلاق، فالتاجر عادةً ما يبحث عن الفرص الاستثمارية في إطار القانون والقانون فقط. الحلول القانونية المنطقية مصطلح تقابله الحلول القانونية التي تمنع فعلا ما بالقوة، بادرة فرض رسوم الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني وبتاريخ سنوي ثابت هي بادرة منطقية، سيكون لها عواقب حسنة جدا، ألا يمتلك التاجر سببا اقتصاديا يمنعه من احتكار الأراضي داخل النطاق العمراني دون استثمار سيؤدي كنتيجة حتمية لارتفاع أسعارها، الجميل في موضوع الرسوم هو أنَّها مرتبطة بالعقار لا بصاحبه، بمعنى أنَّ الضريبة ينبغي أن تدفع سنوياً على الأرض البيضاء وبتاريخ محدد، ولو أراد التاجر التخلص منها قبل موعد الضريبة فإنَّ المشتري الآخر سيكون ملزما بدفع الضريبة وفي نفس التاريخ المحدد، لذا فإنَّ التلاعب بملكية العقار لن تتسبب في التملص من دفعها، وهذا كما أظن ما سيساهم -في الوضع الطبيعي- في تخلص بعض المحتكرين من عقاراتهم الكبيرة وسيؤدي بالنتيجة إلى إعادة الأسعار إلى مستويات أكثر منطقية. سلسلة المخالفات القانونية التي تحتاج إلى (حلول منطقية) كثيرة جداً، هذه المخالفات تشكل في مجموعها مستوى الفساد الحقيقي في أي بلد، التقدم الحقيقي في مضمار محاربة الفساد يعني أن ينتهج هذا البلد فكراً تشريعيا يقوم على دراسة الدوافع الحقيقية للمخالفات ووضع نظام أو قانون يمنع الإنسان تلقائياً من فعلها، مشكلة البطالة أحد الأمثلة الواضحة لذلك، فرض نسبة سعودة عددية بالقوة على الشركات لم يتسبب إلا في مزيد من السعودة الوهمية وفي تسريح الموظفين السعوديين أصحاب الأجور المتوسطة والمرتفعة نسبياً، المبادرة إلى فرض نسبة أجور للسعوديين مقابل إجمالي أجور موظفي الشركة، بالإضافة إلى النسبة العددية هو ما سيجعل صاحب العمل يُدرك أنَّ عليه البحث عن موظفين سعوديين وبكفاءات عالية ومنحهم رواتب جيدة عوضاً عن أن تكون أولوية التوظيف هي لجميع مواطني دول العالم باستثناء السعوديين، والأمثلة في هذا السياق كثيرة ويبقى الشاهد أنَّنا لا نحتاج في كثيرٍ من الأحيان إلى جهاز استخبارات عظيم لكشف الفساد، ما نحتاج إليه هو تشريعات منطقية تدفع المواطن إلى سلك الطرق النظامية. بادرة الرسوم على الأراضي البيضاء هي بادرة –إن تحققت- فستشكل كما أعتقد سبباً مهما في إعادة الآمال لنسبة عالية من مواطني هذا البلد لامتلاك المسكن الذي طالما حلموا به، وطالما وقف العقاريون سداً منيعاً دون تحققه، ولا أعتقد أنّ المشكلة الحقيقية فيهم، المشكلة هي في وجود ثغرات قانونية وتشريعية جعلتهم يبحثون عن مصالحهم على حساب قوت الناس وحياتهم.