يمثِّل جمال المدن في العالم بأسره عنوان الدول. ومن خلال إلقاء نظرة فاحصة على مدننا نجد أنها تفتقر إلى الحس الهندسي وغارقة في العشوائية!! وتقع بين مطرقة الغياب الهندسي وسندان العشوائية.. ولو أنني أعلم أن مثل هذا التشخيص لا يسُر القائمين على تخطيط مدننا.. ولكن إن كانت هذه هي الحقيقة فإن تجاهلها أمَرُّ وأنكى من ذلك.. وعلى الرغم من أن دولتنا (حفظها الله) لم تدّخر جهداً من أجل أن تنافس مدنُنا غيرَها.. ولكن هذا الإخفاق يعود إلى عدة أسباب تكمن في أن مخططي مدننا لم يستفيدوا من تجارب غيرهم، لاسيما في أوروبا وأمريكا الشمالية، وأنه من الواجب على من يقوم على تخطيط المدن عندنا أن يبقوا على تماس قريب مع تلك المدن فيستفيدوا من ذلك التخطيط الذي يغلب عليه الطابع الهندسي والبعد عن العشوائية.. إن تلك المدن على الرغم من المصادر المالية الشحيحة إلا أن الحس الهندسي يغلب على ذلك، فليس كل شيء يأتي عن طريق المال فحسب، ولكن الفكر الخلّاق أحياناً يصنع المعجزات، فالموارد المالية وحدها أحياناً لا تكفي عند غياب الفكر في النهضة التنموية والحضارية، بل لابد من فكر نيِّر مستنير يكون مع المال، وهذا هو ما عليه تخطيط المدن في الغرب. وهنالك سبب ثانٍ يكمن في أن تخطيط المدن عندنا يقوم عبر المناقصات، أي أن الشركات والمؤسسات القوية تبيع هذه المناقصات على شركات أو مؤسسات هي أقل منها إمكانات وخبرة، ومن ثم عند بيعها إلى مثل هذه الشركات الضعيفة الهزيلة فإن نتاجها الحضاري يصبح ضعيفاً هزيلاً!! وهذا كثيراً ما نشهده عند مرحلة التنفيذ.. وإن من الواجب أن تُلزم الشركات القوية التي رست عليها المشاريع التنموية بأن تقوم هي بالتنفيذ دون اللجوء إلى غيرها، إن مثل هذا السلوك هو الذي جعل بِنيتنا التحتية هزيلة لا تقاوم الزمن، إضافة إلى أن مخططي مدننا قد اتَّكلوا سريعاً على الاكتفاء الذاتي من الطاقات الهندسية المحلية واكتفوا بمهندسين غير أكفاء واستغنوا عن الذين يملكون تجربة وتراكماً علمياً هندسياً يمتاز بالخبرة، إن الاستعانة بالخبرات الأجنبية أمر ضروري عند غياب خبرة الطاقات الوطنية، وهنالك سبب يتعلق بقلة الأمانة والإخلاص والحس الوطني، لذا فنحن اليوم لا نعاني من أزمة موارد بقدر ما نعاني من أزمة فكر..