في أوائل التسعينات قرع طبول قصيدة التفعيلة واشتغل على النص الشعبي، ثم سرعان ما توقف فجأةً عن غنائه منكفئاً بالعزلة. ثمّ يعود بعد عشرين سنة دافعاً بعمله الشعري الأول للضوء «هلوسة تعتمل في فمي» 2010. كانت المجموعة التي تسربت لأصابع الصحافة والنقاد بهدوء شديد لتقف كعلامة فارقة في قصيدة النثر السعودية، وليعلن حسين آل دهيم من خلالها حالة الطلاق بينه وبين ذاكرته الشعرية السابقة. من هنا بدأ نص دهيم يتشكّل في منطقة اعتقد المتابعون بأنها تحمل كروموسومات شعرية مختلفة عن اشتغاله النثري. لكنهم سرعان ما رجعوا بالخيبة. قبل أسابيع قليلة أصدرت دار «مسعى» البحرينية مجموعته الشعرية الثانية «أوبة الهرطيق» ليؤصل دهيم من خلالها ما بدأه في الهلوسة. نتوقف في النصوص الأولى من المجموعة مع «الرائي» و«جنين العبارة» و«المعنى يغادر بيته المغتصب»، «سلمى» ليصيبنا آل دهيم بعدوى الأرق نفسه الذي يصيب العابرين على الأسئلة الوجودية المرهقة حيال الحياة ووجعها. لكنّ آل دهيم لا يتمشّى في مجموعته بذات الوجه الشعري، إذ سرعان ما يغيّر ملامحه من نص لآخر. ففي الوقت الذي تسكن القارئ فضاءات القصة القصيرة جداً في نص «حامد» يستسلم للومضة الشعرية الخاطفة في نصوص «تشكيل آخر لحافة الهاوية». الأمر نفسه سيلحظه القارئ لنصوص «سورة الأصدقاء» التي تأتي بمناخ منسجم مع المجموعة لكنها ذات تكون شعري موندرامي ينطلق من ملامسات الشاعر الشخصية جداً لأرواح أصدقائه: أحمد الملا، عبدالوهاب العريض، دخيل خليفة، هاني الصدير، حسين الجفال، محمد المرزوق، ومحمد الدميني، وآخرين. وربما هذا الأمر جعل «أوبة الهرطيق» منسجمة مع المخطط الشعري الذي رسمه الشاعر حين قسمه لثلاثة مفاصل شعرية: «سيدي الشعر كان هناك» و«سورة الأصدقاء» وتشكيل آخر لحافة الهاوية».