نخشى اليوم – مع الأسف الشديد – أكثر ما نخشاه على الحوار الوطني وعلى الإسلام بكل مذاهبه من (المتطرفين) وليس من العلمانيين أو الليبراليين أو الملحدين، لأن المتطرفين لا يسمحون بحرية التعبير للناس وخصوصاً فئة الشباب لمناقشتهم والحوار معهم، فهم يجعلون أنفسهم في موقع (القداسة) ومتحدثين باسم الله، ورأيهم وكلمتهم هما الصواب والمنتهى..!! هناك آلاف من أبنائنا يدرسون خارج بلادنا في جامعات أوروبية وأمريكية، وهذا بفضل الله ثم بفضل برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك (عبدالله) للابتعاث، هؤلاء يطلعون على مختلف أنواع التيارات الفكرية والدينية والثقافية، ثم يأتون إلى بلدهم بأفكار ومفاهيم جديدة، ولا يمكن التعاطي معهم بالطريقة التقليدية التي يراها المتعصبون. نحن الآن وأبناؤنا في الخارج بمرحلة انفتاح كلي على العالم شئنا ذلك أم أبينا! الإنترنت، الجوالات، الفضائيات، مواقع التواصل الاجتماعي، السفر، وخلافه من قنوات متعددة لذلك يتوجب علينا أن نتعامل معها بطريقة شفافة وأن لا نقصي أي طرف، أو نأتي لمن يختلف معنا منهم بمرشدين وموجهين وكأنهم مرضى قد تلوثت عقولهم بأفكار وثقافات غريبة!!!. يجب أن تكون هناك طريقة سهلة وبسيطة وغير معقدة، وأن يتم ذلك عبر الحوار المنطقي المفتوح المبني على احترام رأي الآخر المختلف والبعد عن المزايدات التي تؤدي إلى الاحتقان المذهبي والفكري. هنالك قلق كبير نعيشه وتعيشه الشعوب العربية والإسلامية من بعض الأفكار حين يتم تحويل الدين إلى وسيلة سياسية أو إرهابية وتغليفها بالنفس الديني لامتلاك بعض هذه الأفكار للأبعاد الثلاثة للقوة المطلقة :«الدين – المال – السلطة -» .. وهو ما نخشاه.. وعندما يشعر الإنسان بأنه بات يمتلك مصادر القوة الأساسية فإنه بطبيعة الحال سيؤدي به ذلك إلى التجاوز على حقوق الآخرين، وإلى نوع من عبادة الذات والعمل على قمع أي مخالف له بالفكر، وكذلك يؤدي إلى نوع من الإصرار على المصالح الذاتية، وأخيراً تنتهي تلك العملية التصاعدية عند هؤلاء إلى الدكتاتورية الدينية الإرهابية المفرطة! اليوم نلاحظ بعض الشباب يميلون إلى الابتعاد عن الدين أو أن يكونوا (لا دينيين)..وبدأوا يتمردون على التقاليد الدينية وبعض التقاليد الاجتماعية الموروثة، كما أنهم بدأوا يشككون بالمسائل والمفاهيم الثابتة التي تزخر بها عقيدتنا وتراثنا ويبحثون عن أجوبة علمية تقنعهم وتشبع رغبتهم بالفهم.. لكنهم مع الأسف لا يجدون من رجال بعض هذه المذاهب غير الدجل والشعوذة، من بعض المتعصبين والمتشددين، أو قل الذين يرون أنهم معصومون!! إلا الصدود والرد العنيف والقول: بأن هذه الأشياء (مسلم بها وثابتة) لا يجوز النقاش فيها أو التحري عنها..!! وتتضح صور التمرد في ظاهرة «الأيمو» على بعض الشباب التي عصفت بالجمهوريات العربية قبل أكثر من عامين، وأحدثت معالجتها الخاطئة (الدموية) ضجة مدوية على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والدينية، وعلينا نحذر من هذه الظاهرة أنه لا يوجد هناك حوار مفتوح مع هؤلاء الشباب، والحوار المفتوح يسمح لكل طرف أن يعبر عن نفسه، كما أن الحوار يقلل ويحد من هذه الظواهر وأمثالها في مجتمعاتنا الإسلامية، فاليوم نجد أن كثيرا من شبابنا وفتياتنا عندما يرتّدون يكون بشكل انفعالي، كنوع من أنواع السخط على من يسمون أنفسهم رجال هذا الفكر، بينما لو أعطيناهم مساحة للنقاش فسوف يتم تجاوز كثير من الأخطاء التي لا نرغب بها التي يثير بعضها السخط والكراهية والارتداد العكسي عن الدين!. إن أكثر الناس اليوم يعيشون حالة احتقان نفسي وتشنج ذهني وهم يتعرضون إلى ضغوط حياتية مختلفة، وهم بلا شك يهربون إلى متنفس من ذلك الاحتقان لأنهم في الغالب يعيشون البطالة، ويعيشون حالة التهميش والإقصاء بسبب الفساد الإداري أيضا ويعيشون حالة لا استقرار نفسي ومستقبل مجهول لمحدودية الوظائف وفرص العمل وقلة الخدمات، والبعض يعيشون حالة احتقان مذهبي. يقال (إن أحد أساطرة الرومان يقول إن أردت أن تهلك أمةً أفش بينهم الفراغ!!)، ثم تأتي المرحلة التي تثير في نفوسهم السخط والتمرد والارتداد وهي حالة القمع الفكري وعدم قبول الحوار معهم أو الاستماع إليهم والإصغاء لما يريدون أن يعبروا عنه، وما يختلج في عقولهم!! أنا مثلاً أعرف: شخصيتي وأفهمها أكثر حينما أتحاور مع الآخر المختلف معي، وأعترف أنه من أكثر الفوائد التي أستفيدها من الحوار هو معرفتي لنفسي .. الله ربي والإسلام ديني والقرآن كتابي ومحمد (صلى الله عليه و سلم) نبيي. حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم ؛ (وكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…) البقرة (140) اما الطرف الآخر فهو إنسان مثلنا يملك فكراً حراً وليس من حق أحد أن يمنعه من طرح فكره والتعبير عن رأيه لأننا نعتقد بالإيمان المنطقي، ولا نؤمن بالإيمان الأعمى!!!!