أمير تبوك ينوه بالجهود والإمكانات التي سخرتها القيادة لخدمة ضيوف الرحمن    رضوى" تكشف خططها التوسعية في معرض الشرق الأوسط للدواجن    وصول الطائرة السعودية 49 لإغاثة أهالي غزة    فيصل بن فرحان يلتقي وزير خارجية سوريا    سفيرة المملكة لدى واشنطن تلتقي طلبة المنتخب السعودي للعلوم المشاركين في آيسف    أمير منطقة تبوك يدشن التمرين التعبوي (استجابة 14)    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الحدود الشمالية    عزم سعودي-بريطاني على إبرام اتفاقية شاملة وطموحة للتجارة الحرة    تأكيد سعودي- بريطاني على توسيع الشراكة الاقتصادية    مجلس الوزراء: ضوابط لتخصيص عقارات الدولة للقطاع غير الربحي    الرياض: القبض على مقيمين مخالفين لنظام الإقامة لترويجهما حملات حج وهمية    أبو الغيط: التفاوض الثنائي بين إسرائيل والفلسطينيين لم يعد ممكناً    محافظ بيشة يدشن جمعية النخيل الإعلامية    الكلام أثناء النوم قد يتطلب استشارة الطبيب    كلوب لا يشعر بالإحباط عقب تعادل ليفربول مع أستون فيلا    عملية رفح أعادت مفاوضات الهدنة إلى الوراء    سابتكو تواصل الخسائر رغم ارتفاع الإيرادات    تحديد سعر سهم مستشفى فقيه عند 57.50 ريال    وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج الدفعة ال 21 من جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية "كاساو"    اعتماد اشتراطات الإعفاء للأسواق الحرة بجميع المنافذ الجمركية    تغييرات كبيرة في أجانب الاتحاد    جائزة الشيخ زايد للكتاب تفتح باب الترشح لدورتها التاسعة عشرة 2024-2025    وزير الخارجية يترأس الاجتماع الثاني لهيئة متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات على المستوى الوزاري    أولى رحلات مبادرة «طريق مكة» من تركيا تصل إلى المملكة    القمة العربية في البخرين نحو تعزيز التضامن العربي ومواجهة التحديات المشتركة    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    القادسية يحسم لقب دوري يلو    تخريج كوكبة من الكوادر الوطنية لسوق العمل    نائب أمير مكة: منع الحجاج المخالفين ساهم بتجويد الخدمات    التجديد إلكترونياً لجوازات المواطنين الصالحة حتى (6) أشهر قبل العملية    «الممر الشرفي» يُشعل ديربي العاصمة    المملكة رائدة الرقمنة والذكاء الاصطناعي    أمير الباحة يستقبل مدير وأعضاء مكتب رواد كشافة بعد إعادة تشكيله    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية والخدمات المقدمة    الكويت في الصدارة مجدداً    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    وزير التعليم يزور مدرسة معلمة متوفاة    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    اللجنة الوزارية للسلامة المرورية تنظم ورشة "تحسين نظم بيانات حركة المرور على الطرق"    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    في الإعادة إفادة..    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    تركي السديري .. ذكرى إنسانية    أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    الماء البارد    يدخل"غينيس" للمرة الثانية بالقفز من طائرة    إزالة انسدادات شريانية بتقنية "القلب النابض"    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لست وحدك يا مانغويل
نشر في الشرق يوم 03 - 12 - 2013

مانغويل وُلد بين الكتب، نَفَسه الأول امتزج بسحر الكلمات. واستهل حياته بالكتب وجاب بها ومن خلالها عالما لم يوجد إلا لكي «يصب في كتاب جميل». قرأ في الرابعة وكتب في السابعة. ورافق كتبه في ترحالها الدائم بين الثقافات واللغات. لكن لحظته الأثيرة تكمن في الليل، حيث لا شيء سوى رف ممتد وكتب تنتظر. ذلك هو «ألبرتو مانغويل» الكاتب الأرجنتيني الذي استضافته أرامكو قبل أيام ضمن فعاليات برنامج اقرأ، وهو البرنامج الطموح الساعي لتنمية سلوك القراءة في زمن الافتتان الصورة.
لا شك أن مانغويل يسعد بمكتبته، ومكتبته تسعد بفوضى العالم، وتفخر بانتسابها لعائلة من مكتبات أنجبتها بابل. لقد أرخ لها منذ ولادتها في عمله الشيق «المكتبة في الليل»، أما في «تاريخ القراءة» فإنه يقدم لنا «بيوجرافيا» شيقة كاسرة للنسق ومجافية لمسارها الزمني، حيث للقراءة تاريخ لا يشبه التاريخ ولا يتماشى مع الزمن، وفي الكتابين معا تمتزج السيرة بالتاريخ، والتجربة الخاصة بتجارب الخالدين ممن أنجبتهم المكتبة، كأرسطو وابن الهيثم والإسكندر المقدوني وغيرهم.
مانغويل يحثنا على القراءة، لكنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن توطنت نفسه عليها، بعد أن عاشها وعايشها كوطن. ومثل بورخيس الشاعر الأرجنتيني الكفيف، الذي رافقه صاحبنا ليقرأ له، والذي دعا الكون كتابا «وتخيل الفردوس على شكل مكتبة»، ينأى مانغويل بنفسه عن مدن الإسفلت ليؤثث مدينته الفردوسية في صحراء العزلة.. مانغويل اختار موطنه بين الكتب «كنت أريد أن أعيش وسط الكتب» لهذا كان تاريخه تاريخ قراءة، وقراءة إلى الأبد!
أما إذا كان الكتاب كونا، أو الكون كتابا، فليس ثمة فرق. إذ كل شيء في هذا العالم قراءة، كل شيء نص يترقب قارئه ليفك شفراته وينفخ فيه من روحه، تتسع دلالة القراءة لتعيد صياغة العلاقات الإنسانية، وتحيل العالم إلى مسرح تحتشد فيه نصوص وعلامات. فحينما نقرأ فإننا لا نقرأ وإنما ننشئ معنى ونقيم دلالة لنص نقرأه، القارئ يستولد معناه، ويعيد كتابة النص، بل هو الذي يحييه، يموت النص وينسحب المؤلف ليبقى القارئ.. إن مانغويل في كتابه هذا «تاريخ القراءة» يقدم لنا نشيدا في مديح القراءة.. مديح قارئ وليس مجرد متبجح.
وكما أن مالك القيثارة ليس بالضرورة عازفا، فإن قارئ الكتب ليس هو فقط من يسرقها ليؤثث بها مكتبته، ليس مدمن القراءة جدير بالانتماء لنادي القراء، وليس كذلك كل من يحث عليها.. هنالك من يحث على القراءة لكنه لا يقرأ، يدعو إلى شيء لم يتورط به، القراءة تورط صاحبها بجوع سرمدي.
يحسن لمانغويل أن يضفي على مكتبته جميع الألوان، المكتبة مثل «قوس قزح» أو لا تكون، مما يعني أن القراءة بحصر المعنى هي ذلك النشاط الذي يصحح ذاته باستمرار، ويسبح ضد مجراه: أن تقرأ هنا وهناك، للفكرة ونقيضها، أن لا تقرأ نسقيا، أن لا تقرأ وأنت في سجن أيديولوجي.. هذه نصائح لتكوين «الكتب بألوان قوس قزح» لعلنا نتعلم كيف نجعل من كل كتاب نقرأه إضافة حقيقية، أن يكون ثمة «ما قبل» و «ما بعد» بعد كل كتاب، وهذا يعني أن القراءة النوعية هي القراءة المتنوعة لا تلك القراءة الأحادية التي لا تضيف شيئا.
كان بورخيس يلتهم كتبه حتى وهو كفيف، «أخشى أن أموت قبل أن أنهي هذه الكتب» إنه قلق فريد لكائن غريب الأطوار يخترع له مانغويل تعريفا جديدا: كائن يقرأ/ كائن له مليون سيرة ذاتية/ كائن محكوم عليه بالتشرد في صحراء خالية إلا من الكتب/ كائن قلق لأن كتبا تصطرع في داخله، ولأن أفكارا تطرد بعضها في حركة دائبة تزيد من سعار نهمه للقراءة، الخوف من الموت خوف على مشروع لم يكتمل، ولن يكتمل، ربما لهذا السبب تتسم حياة بورخيس بوصفها قراءة بنوع من العبث والعطش الدائم والقلق، وما أحوجنا إلى هذا النوع من القلق.
إذا كان تاريخ القراءة هو تاريخ القلق، تاريخ التعساء المحكوم عليهم بشقاء الفضول الدائم وكأنه لعنة جاءت من بابل، فلأن القراءة لا تبعث السعادة، هذا ما يعتمل في ذهن كافكا، فالقارئ هو من يسبح ضد التيار وهو من يفجر الأسئلة، أما الكتاب الجيد فهو الكتاب المزعج، كافكا لا يقرأ لكي يزيد من تلك الطمأنينة أو لنقل الغباء والشرود المتأصل، بل يقرأ لاستعادة بابل ذاتها، بإحالة القراءة إلى فعل تتطاير منه الأسئلة مثل شرر، أجواء كافكا أجواء كابوسية، لذلك فللقراءة عنده طبيعة الكابوس.. إنه ذلك الحلم المزعج الذي يترك مساحة للسؤال، «إذا لم يوقظنا الكتاب الذي نقرأه بلكمة في الرأس، فلماذا نقرأ الكتاب إذا؟» يعطي كافكا نكهة بابلية لكل عملية قراءة، الكتاب وجد لكي يعصف ويثير بلبلة وزوابع ضد ركود الأفكار، وفي عالم لم يشهد ولادة بابل.
وصفة كافكا تقيم تراتبية بين القراء، تقيم فصلا مانويا بين قارئ حقيقي وآخر مزيف، فالمرء لا يقرأ إلا لكي يطرح الأسئلة ويشاغب، وهكذا يجدر بالقارئ الذي لا يتغير أن يحرق كتبه، وبالكتاب الذي لا يربك أن يرمى في سلة المهملات، ليست القراءة متعة بارتية، كما يراها بارت، إنها هنا مع كافكا، وكما يلاحظها مانغويل برهافة، سلطة تخيف: «أطلقوا سراح النص بقراءته» لكن شريطة الاستعداد لبابل الجديدة، لشقاء التشرد والقلق البورخيسي، للانزلاق في مستنقع الاختلاف والتحول والتعدد المبدع مثل أوركسترا، وحينها فقط لن يكون الكتاب وحيدا، ولن يكون مانغويل وحيدا، ذلك القارئ النهم الذي ديدنه القراءة والتهام الكتب: «إنني إذن لست وحيدا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.