توفي هذا العام الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم (1939-2014) الذي صدر له أول مرة ديوان "مواكب الشمس" (1958) من الناصرة، وتوزّعت أعمال سميح القاسم ما بينَ الشعر والنثر والمسرحية والرواية والبحث والترجمة. طبعت معظم أعماله ما بين الناصرة وعكا وحيفا والقدس بينما طبع خارج فلسطين أول ديوان في بيروت "سقوط الأقنعة" (1969). إذ عرفت أشعاره في حناجر خليجية في الربع الأخير من القرن العشرين. هذه الحلقات عنها. إن تأبين كل شاعر ممكن إلا تأبين شاعر فلسطيني فهو تأبين مؤجل. إذا كانت الأندلس هي سردية "الفردوس المفقود" و"المجد الضائع" في القرن الرابع عشر الميلادي، فإن فلسطين هي سردية "الأرض المحتلة" و"إسرائيل المكذوبة" أو كما قال عبدالله القصيمي "إسرائيل ليست موجودة". أي بمعنى هي سردية ذهنية لا أكثر وخلقت صورتها على الأرض. وإنما ليست موجودة. كمثل ما يقول وإنما بوجه آخر: "إن وجود إسرائيل قد يكون هو أقوى صفعة مهينة توجهها الأقدار، ويوجهها العالم، وتوجهها هيئة الأممالمتحدة، وتوجهها الدول الكبرى إلى العرب، ويوجهها العرب إلى أنفسهم لكي تخرج بهم من جمودهم المميت، لكي تخرج بهم من قبور آبائهم ومن ضعف آبائهم ومن صحراء آبائهم ومن تأريخ آبائهم المريض بالكبرياء" (القصيمي، طُبع 2007، ص: 49). يدعم مقولة القصيمي فشل التنقيبات الآثارية في تثبيت ماضيها تسنده جدياً نتائج الدراسات الكتابية –المتاح مجادلتها- الكاشفة إما عملية التدوير والإخفاء للتراث البابلي والمصري والآرامي باعتبارها مصادر معمية للعهد القديم كما عرف في دراسات روبرتسن سميث وجيمس فريزر وجان بوتيرو وسواهم أو لجغرافيا العهد القديم خارج المكان الفلسطيني في جنوب الجزيرة العربية عبر أبحاث أبكار السقاف وكمال الصليبي وفراس السواح وفاضل الربيعي وسواهم. إذا كان محمود درويش يمثل وجهاً للبرتقالة الفلسطينية فإن الوجه الثاني سميح القاسم برغم تباين التجربة الشعرية غير أن التقاطعات الحادة على المستوى السياسي هي التي ألصقت التجربتين ببعضيهما. رغم التصاق تجربة محمود درويش ضمن إطار "الأغنية السياسية" في تجربة مرسيل خليفة الاحتكارية غير أن سميح القاسم حبس فيها فقد تهيأ لدرويش فرصة الخروج بنصوصه من دائرة "الأغنية السياسية" نحو "الأغنية التعبيرية" عبر أعمال أنجزتها فرقة أجراس وخالد الشيخ.