وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له في حادث تحطم طائرة مروحية    وصول أبطال آيسف 2024 إلى جدة بعد تحقيق 27 جائزة للوطن    «التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول أمطار بعدد من المناطق ورياح نشطة في الشمال    حبس البول .. 5 آثار أبرزها تكوين حصى الكلى    رئيس وزراء اليونان يستقبل العيسى    يوتيوبر يكشف عيباً خطيراً في iPad Pro الجديد    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    4 نصراويين مهددون بالغياب عن «الكلاسيكو»    الفضلي: «منظمة المياه» تعالج التحديات وتيسر تمويل المشاريع النوعية    برعاية الملك.. انطلاق مؤتمر مستقبل الطيران في الرياض.. اليوم    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    «عضو شوري» لمعهد التعليم المهني: بالبحوث والدراسات تتجاوزون التحديات    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    جائزة الرعاية القائمة على القيمة ل«فيصل التخصصي»    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    المملكة تؤكد استعدادها مساعدة الأجهزة الإيرانية    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    وزير الخارجية يبحث ترتيبات زيارة ولي العهد لباكستان    جائزة الصالح نور على نور    مسابقة رمضان تقدم للفائزين هدايا قسائم شرائية    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    تنظيم مزاولة مهن تقييم أضرار المركبات بمراكز نظامية    تأجيل تطبيق إصدار بطاقة السائق إلى يوليو المقبل    أمير تبوك يرأس اجتماع «خيرية الملك عبدالعزيز»    «الأحوال المدنية المتنقلة» تقدم خدماتها في 42 موقعاً حول المملكة    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    هاتف HUAWEI Pura 70 Ultra.. نقلة نوعية في التصوير الفوتوغرافي بالهواتف الذكية    تأملاّت سياسية في المسألة الفلسطينية    الاشتراك بإصدار مايو لمنتج «صح»    "إنفاذ" يُشرف على 38 مزادًا لبيع 276 من العقارات والمركبات    5.9 % إسهام القطاع العقاري في الناتج المحلي    الخارجية: المملكة تتابع بقلق بالغ ما تداولته وسائل الإعلام بشأن طائرة الرئيس الإيراني    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    الملاكم الأوكراني أوسيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    ثقافة سعودية    كراسي تتناول القهوة    المتحف الوطني السعودي يحتفي باليوم العالمي    من يملك حقوق الملكية الفكرية ؟!    بختام الجولة ال 32 من دوري روشن.. الهلال يرفض الهزيمة.. والأهلي يضمن نخبة آسيا والسوبر    يوم حزين لهبوط شيخ أندية الأحساء    «الخواجة» نطق.. الموسم المقبل ضبابي    عبر كوادر سعودية مؤهلة من 8 جهات حكومية.. «طريق مكة».. خدمات بتقنيات حديثة    بكاء الأطلال على باب الأسرة    الانتخابات بين النزاهة والفساد    165 ألف زائر من بريطانيا للسعودية    تحقيقات مع فيسبوك وإنستغرام بشأن الأطفال    جهود لفك طلاسم لغة الفيلة    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    سقوط طائرة هليكوبتر تقل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية    الديوان الملكي: خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد الكفراوي: رمتني الحياة لأفتش عن «السؤال» فمشيت خلف ذلك الألم
ليلة يتيمة واحدة جاءت بالحرمان وبوجع الروح..
نشر في الرياض يوم 17 - 05 - 2014

عند نهر البساتين كانت تقف فتيات تغسلن أحلامهن عند الماء.. فيما كانت أغنيات قلوبهن تحلق نحو السماء.. حافية القلب أتيت أغسل روحي في الهدير.. صخب الأشجار يحاصر السماء، ورائحة التراب البكر تتقاذف أنامل أقدام تعيش فيها كل يوم حكاية «حب» لا تسأم من غزل الحنين.. هناك كان صبي صغير ينظر إلى ماخلف الركام.. يتوق إلى الأفق كلما أخذه الطهر إلى أصوات بداخله تأتي له بنهارات متدافعة كغزلان فرت من السرب إلى فاجعة الواقع.. هناك وجدته يقص قصصه ولا يسأم من الحكايات.. وجدته يقرأ عدد حواجزه، ويصغي إلى الغروب كلما تسلق شجرة التوت التي تمددت في قلب «الطريق» لتأخذه إلى احتمالات شاسعة وليجد في تلك المتاهة ذاكرة لم تشبع من الامتلاء من كل الجمال الذي كان يأتي به صوت «الأذان» فوق سطح ذلك البيت القديم.. بيته الأول الذي تعلم فيه كيف يكون صبياً يتوق للأحلام التي دست في عمره مزيداً من السنوات ليتحول إلى «رجل» يصلح ليعيش كل الأزمنة، ويصلح لكل الخيارات..
علينا أن نمنح عواطفنا للوجود فالحياة جديرة بالعيش
ذلك الصبي.. لم يكبر.. مازالت الأطفال تتسلق الورق بداخله لتجعل الحياة ممكنة.. «سعيد الكفراوي» الذي تسلل إلى أحلامي وقال لأسئلتي «الشجاعة بحسب الموقف».. ثم يضحك بفكاهة الرجل الذي يلتهم كل التفاصيل في الحياة بشهية عالية.. إنه القاص الذي يحكي للإنسان والوجود.. وهنا يقص لي.. فأضحك في الوقت الذي أتوق فيه كثيراً لذلك الضحك الذي غاب.. هنا يقول لي الكثير.. ويحول الأسئلة في المكشوف إلى كؤوس مقلوبة ليقول لي «هيا.. ضعي أصبعك على حوافها واعزفي ما أحببت من الأغنيات واتركي للفقاعات أن تكبر وتتحول إلى أحلام وردية «.. هنا يضع حروفه على كل استفهام ليقول لي أشياء تحكى وأخرى تختفي..
القاص والإنسان جداً والمدهش «سعيد الكفراوي».. يأخذ بيدي إلى «المكشوف» ليقول لي «بداخلي أكثر من «سعيد» يتآمرون علي ويتصارعون للوصول للحقيقة « أخبره عن عصفوري الذي نقر حياتي يوما بالمفاجآت ثم غادر.. فيهمس لي «سامح الله ذلك العصفور»!!.. هنا يضع يده على قلبه ويشير إلي أن أفعل ثم يقول «المنظر الحسن مفتوح على القلب الحسن «اغسلي قلبك من الحنين»
في قريته على رأس حقله
قلب مؤثث بماء الأنهار لا يصلح إلا أن يكون «ملاكاً»
سطوة الأحلام:
* نقلب الصفحة لأن في ذلك تطهير لدواخلنا من تجارب سابقة كم غيرتنا. أوجعتنا وربما أبكتنا.. نقلب الصفحة ففي ذلك بدايات أخرى مفتوحة.. لاحتمالات جديدة.. كيف صفحاتك الحياتية القديمة؟ ماالذي قلبته منها، ومالذي ما يزال مفتوحاً بداخلك حتى الآن؟.. هل يوجد صفحات في عمرنا لا يمكن قلبها؟
- تمضي صفحات أعمارنا، مثل كل يوم، وأنت على شاطئ نهر يسيل ماؤه مثل الأحلام. لا أحد بقادر على إيقاف الزمن، والذاكرة توأم الخيال، وما جرى في الماضي يظل حاضراً، والكاتب الجيد يمتلك روحه القادرة على أن تعيش كل الأزمنة.. أنا كما تعرفين اكتب بقدرتي على استحضار تلك الصفحات الغواية: الطفولة التي لم تغادرني بعد، وأطفالها يسعون على الورق كأنهم مازالوا يمارسون العيش.. صفحات من الأمكنة والشخوص والحكايات: ظلت جدتي الفلاحة العجوز تخبرني قبل رحيلها: بأن أثق أن كل شيء ليس كما نراه.. وكانت تحذرني من الحنين: طهر روحك حتى لا ينكسر قلبك. الأوراق مشرعة والحياة لا تنفصل عن الكتابة على نحو يسمح بفض تلك الأوراق لنعيش ونكتب ونتعلم!! والحياة المنقضية حاضرة في الروح على نحو مجنون، والماضي له سطوة التحكم في القلب لأنه سلطان الأزمنة حيث يذهب إليه الحاضر والمستقبل وكلها أوراق مشرعة على القلب ونحن نسقط ونحلم بأن يتشكل لنا الجناح.
مع الشاعر فاروق شوشة
طوال الوقت كنت في عذاب مع القلب بسبب ذلك «القاسي»
اكتشاف السؤال:
* نترك أشياء من أجل أن نمشي خلف أشياء أخرى في الحياة نرى فيها (السر) "من الذي سيكتشفنا أو ربما يعيرنا" "قلوب بلا حواجز".. ما هو الشيء الذي تركت كل شء ومشيت وراءه في هذا الطريق الطويل؟.. وهل يمكن أن نقضي حياتنا في البحث عن أشياء حينما نصل إليها نكتشف بأنه لا قيمة لها أو أنها كاذبة؟.
- في زمن موغل في القدم.. كانت قرية ونهر، وسموات مفتوحة على قلة الحيلة.. واقع مثل الخسران، وبؤس عام كأنه الفضيحة.. طقوس للميلاد والموت.. وزمن للمحاصيل وجني الثمار.. وبنات بكارى تراهن في البكور عند النهر يطلقن الأغنيات وأنت ترى كل يوم كم حياة غابت وكم حياة جاءت.. وسط هذا الركام كانت تتشكل للصبي أحلامه بعيدا عن عالم القرية التي يقيم بها.. زمن للسينما أول الأحلام.. ثم اكتشاف ألف ليلة وليلة.. ومن قبل كان كتاب سيدنا الذي علمني أول حروف الهجاء، وقراءة القرآن بصوت حسن.. من اللحظة الأولى اكتشفت أن الحياة في مصر تسير بقدر.. رمتني تلك الحياة للبحث عن سؤال، دفعني لمحبة المعرفة لأكتشف الأدب والفنون حيث منتهى الآمال التي تسير وراءها.. السر الذي اكتشفته وأعطيته عمري.. السر الذي مشيت وراءه بنفس مكروش، وبألم!!
أمل دنقل
تلك الفلاحة العجوز قالت لي: طهر روحك حتى لا ينكسر قلبك
الجمعة اليتيمة:
* كتبت في "شفق ورجل عجوز وصبي"("قالت لي جدتي: إن جدي كان شهما وكان سيد الرجال، قلت لها: يا جدتي لماذا هذه الجمعة يتيمة؟ قالت لي: في ليلة جاء رجال غرباء وأخذوه من حضني، قلت لهم: متى يعود؟ حدجوني ومضوا به).. هل عشت يوماً (ليلة) في حياتك كانت "ليلة يتيمة".. ماذا تفعل لتواسي الأيام اليتيمة بداخلك ولتخفف عنها وجع الوحدة والألم؟
- في هذه القصة "الجمعة اليتيمة" الناس يأتون من الحياة إلى كتاب الحكايات.. من الأسطورة إلى الوعي بالواقع.. ومن الماضي إلى سؤال المصير.. كانوا قديما يخضعون لسلطة القهر يمثلها العمدة في القرية، والمأمور في المدينة، وفي العاصمة صوت البطريرك القديم سواء كان الفرعون أو الوالي التركي أو سيادة رئيس البلاد.
كانوا في زمن يجمعونهم لتسفيرهم للبلاد البعيدة للسخرة، وتنفيذ الأوامر، حتى إنهم لم يكونوا يعودون أبداً.. لذا كانت آخر جمعة في رمضان هي الجمعة اليتيمة.. جمعة البكاء والعديد على الغائبين في رحلة النسيان.. حين أكتب أنا أحافظ على ذاكرة، وأخاف أن تتآكل وتذهب للنسيان.. أما عن الجمعة اليتيمة في حياة الكاتب فهي بلا عدد.. تأتي مع الحرمان وممارسة المظالم، والآمال المحيطة – تأتي بوجع الروح، وتأتي من تغير الأحوال!!
الشاعر نزيه ابو عفش
ازدحم بشخصيات تعذبني لأني أقفلت عليها الأدراج
الصعود إلى الاحتمالات:
* في البيت الأول الذي نعيش فيه طفولتنا يبقى هناك دائما شيء ما يربطنا بذاكرتنا، برائحة ذلك البيت، بالناس الذين عبروه.. بشكل الحياة التي تدفعنا إلى أن نكبر.. في قرية "كفر حجازي" بمحافظة الغربية كان بيتك الأول الذي ولدت فيه.. ماذا تحمل له من رائحة وذكريات، وفي أي مكان تضع مصر في قلبك؟ وبماذا تعدها؟.
- يقول "جارثيا لوركا" الشاعر الاسباني العظيم "وإذا أنا لم أعد أنا وإذا بيتي لم يعد بيتي، حينئذ يكون لقمم سمائنا سقف" والبيت القديم له المكان في القلب وهو في الكثير من القصص التي كتبتها ذاكرة ضد النسيان.. والأماكن التي ماتزال حاضرة، شكلت يوما خيال الكاتب.. يتوازى مع العمر الحجرات القديمة، وهسيس الصمت، والأخيلة، وعلى سطح الدار يأتي صوت الأذان مثل تيار من حنين.. وأمام البيت ضريح لولي من أولياء الله.. وشجرة توت كنا نصعد عليها لنقطف ثمراتها، والطريق فيه يفضي إلى الاحتمالات وتنفتح مسالكه على المتاهة ويختم جارثيا لوركا قصيدته "دعوني أصعد أسواره العالية لأصل إلى القمر حيث تتفجر المياه" البيوت القديمة التي أزيلت ماتزال بداخلنا تحمل ذكرياتها.
في المغرب مع ميسون صقر القاسمي وحياة الرايس والقمحاوي ويوسف القعيد
شجرة توت كنت أصعد عليها أفضت بي إلى الاحتمالات
عضو بلا رحمة:
* كتب نزيه أبو عفش (الآن وقد غابت شمس، أتذكرني.. الآن وقد مالت أغصاني وتنكر لي. أتذكرني.. الآن وقد اقفل دوني باب الأبواب.. وغادرني أصحابي. أتفقدني.. فأراني صرت وحيداً..) متى يتنكر القلب لصاحبه؟.. ومتى آخر مرة تفقدت "سعيد الكفراوي" فوجدته يعيش شعور الخذلان والحزن؟
- الشاعر نزيه أبوعفش من شعراء العواطف النبيلة.. سلالة طيبة أخلصت للقصيدة.. ونزيه شاعر ينتمي للجيل الذي أنتمي إليه. جيل انكسار الآمال، والهزائم المقيمة، والمظالم التي لا تنتهي، وقمع السادة لفقراء هذا الوطن.. عشنا خسارات كثيرة تضني القلب، حتى اكتشفت فجأة أن العمر قد ولى، ولم يعد باقياً إلا القليل في راحة اليد وحل مكان الفرح الخذلان والألم وتنكر القلب أحياناً.. الوعي بما نحن فيه على مدى هذا العمر الطويل، والشعور بأن ثمة شيء غامض وقاس، القلب يهمشنا، ودائما كان يستبعدنا، جعلنا طوال الوقت في عذاب مع القلب، ومع الواقع، لذلك فاغلبنا مريض بهذا العضو الذي لا يعرف الرحمة.
قلب من انهار:
* هناك من يمتلك قلباً مفتوحاً ويدين ممتدتين.. ذاته مؤثثة بماء الأنهار ووجهه كمقلة الطفل.. لا يؤذي حتى إن آذاه البعض.. هل ألتقيت بمثل هذا القلب المختلف؟ أين وجدته؟ وماذا حملت له بداخلك من هدايا؟
- هذا القلب الذي تصفينه لا يصلح إلا أن يكون قلبا لملاك. الآن القلوب ماجت بها المشاعر المختلفة وتضاربت، والإنسان الآن في ظل ما نعيشه من متغيرات يتحول بين النهار والليل. والقلب الذي مايزال ينبض بداخلي قلب جدتي التي كانت تأخذني عند النهر وتهمس لي "لولا النور ما كان الظلام، والحياة آخرتها الموت، وكانت تنظر في عيني وتهمس لي: المنظر الحسن مفتوح على القلب الحسن.
في قريته مع الإنجليزي دينيس جونسون ديفيز
الحياة تستلزم أن نفض الأوراق ونتعلم لنعيش
الفرار بشجاعة:
* تتطلب الحياة منا قدراً من الشجاعة، من الإصرار.. من الحزن أحياناً حتى نتخطى الفجائع بنقاء وقوة.. كيف هي شجاعتك؟ أي المواقف خانتك فيها الشجاعة فرأيت "سعيداً" يخشى القفز فوق حواجزها؟
- الشجاعة فيما اعتقد حسب الأحوال والمواقف. وأنا شجاعتي مرهونة بالموقف الذي أنا فيه.. عراك في شارع تخرج فيه السكاكين، ويسيل فيه الدم، أفر أنا مثل غلام هب في وجهه كلب ينبح.. شجاعتي أواجه بها الأدعياء، أصحاب الصوت العالي، الكذابين، قتلة المواهب. كنت أرى "أمل دنقل" وأنا معه يطردهم من جلسته بشجاعة كانت تبهرني. كما أنني لا أخشى الليل، والشيء الذي أقفز فيه من فوق الحواجز هو تلك الخيالات التي تتلبسني أحياناً بالرعب والمخاوف، فيها أفر من نفسي!! وأبحث عن ملاذ آمن.
قصة غياب:
* كتبت على لسان أحد الشخصيات في قصة "شرف الدم" "( أقف في الممر بين المقابر، أتأمل أبا الهول البارك فوق ظهرها وأشم رائحة الرماد، شواهد من رخام مطموسة اللمعة تحت أسماء من رحلوا").. ما الذى يفعله الموت بنا حينما يحمل بين يديه من أحببناهم، وربما من كانوا جزءاً من القلب؟ أخبرني كيف هو طعم الأشواق لمن غادرنا إلى القبور؟
- كتبت الكثير من القصص عن الموت. الموت عبر القصص يمثل الارتحال من حياة إلى حياة أخرى. في قصة "غياب" شارك الغلام بالرؤية عندما وارى الأهل البنت في المقبرة، عندها بكى وسف التراب حين رأى البنت تغيب وأن الكاتب يكتب بحرقة عندما راجعت القصة بعد أيام عند المشهد الذى أبكى الغلام، وفي الدانمارك عندما قرأت ممثلة الدانمارك القصة مترجمة في حضوري بكت في نفس المشهد مما أدهشني جداً، وآمنت يومها أن للألم معنى واحداً!!
أخاف من الخواتيم، وأرى في الكتابة دفعاً للموت وأنا من المؤمنين بمقولة كافكا "ماذا يمكن أن يجذبني إلى هذه الأرض المهجورة سوى الرغبة في أن أمكث هنا"
وأنا -كما تعرفيني- انتمي لسلالة أقامت للموت تلك المقابر الضخمة وآمنت بأن الموت استكمال لمشوار الحياة ولكن بطريقة أخرى.
في قريته
للماضي سطوته ونحن نسقط ونحلم فيتشكل النجاح
أشخاص الألم:
* كتبت أحلام مستغانمي (ماخنتك.. لكني رحت أخون الزمان بعدك.. أعصي عادة العيش بإذنك، أنسى انتظاري لك.. فرحتي حين يهل رقمك. ازدحام هاتفي بك.. منذ افترقنا ماعاد الأمر يعنيني.. سيان عندي إن غدرت أو وفيت).. حينما نحاول نسيان انتظارنا للحبيب كما كنا نفعل قبل الفراق، حينما نتوقف عن الفرح إذا ماسمعنا صوته.. هل ذلك يعني خيانة للحب؟ هل تمرنت - يوما - على نسيان الانتظار لحب كان يخفق به قلبك؟
- تنتمي الشاعرة "مستغانمي" إلى كتابة أخرى أحذر كثيراً من الاقتراب منها. مدرسة التعبير عن الموقف الإنساني بالكلمات التي تستبدلها بالمشاعر.. لذلك ينتهي الأمر عندها إلى المزيد من الكلام.. والكلام خادع، وفي بعض الأمور لا يبقى منه سوى الصدى. أنا أنتمي لكتابة تتحدث بالرمز والدلالة، لا أتحدث فيما أكتب عن الألم ولكنني أضع أشخاصي في وضع الألم.. الألم الذي لا ينسى.. عند أحلام المزيد من الكلام يقود الكتابة إلى زحمة الشعبوية ويبدو عما تكتبه تحت الطلب، لذا هي كاتبة الرواج العظيم!!
في قصة لي عن الحب اسمها "بيت للعابرين" التقى رجل بامرأة كان يحبها من أربعين عاماً، فوجدها شابة وجميلة مثلما تركها قديماً.. اختلطت عليه أموره.. وكان يرى سيدة عجوزاً تبكي في الحديقة. وعندما انتهت المقابلة ومضى، وجد السيدة العجوز تطل عليه وتبكي بالدموع عند ذلك اختلطت عليه أحواله، أكثر فأكثر ومضى يقتله السؤال.
مع الراحلين الشاعر محمد عفيفي مطر وفاروق عبدالقادر
ياقلب مين يشتريك:
* كتبت قصة تحمل اسم "يا قلب مين يشتريك" والتي تدور حول رجل ستيني مهجور في دار المسنين تركه أبناؤه ورحلوا ليواجه الألم وحيداً.. لماذا يوجد هناك ارتباط وثيق بين تقدم السن للإنسان وبين الوحدة وربما جحود البعض؟ " هل قلت يوماً لقلبك "يا قلب مين يشتريك"؟
- كانت رواية قصيرة أو قصة طويلة.. كانت جدلاً بين وحدة الكائن ورحيله. رجل يجري جراحة لقلبه فيموت للحظات، عند ذلك يقابله والده الراحل ويرده إلى الحياة، عندها يكتشف غنى الوجود الإنساني وان الحياة جديرة بأن تعاش، وأنه على الإنسان أن يمنح عواطفه للوجود مهما كانت ظروف العيش فيه كل المحبة والعرفان، يمنحها برضا وامتنان كان الكاتب العظيم "جارثيا ماركيز"يرى أن حب الإنسان العظيم "يؤكد إيمان "فرويد" بأن الحب الكثير جدا هو قناع لغريزة الموت. ووحدة الإنسان، وهجرانه تمثل في عالمنا شهادة ورؤية. كان العجوز يتذكر وجوده في دار المسنين وهو يخلع أسنانه الصناعية ويضعها بجواره على الكوميدينو الخشب ويتذكر أولاده الغائبين.
قصة تزدحم بالأحلام والشجرة في حديقة المستشفى كأنها تزهر في أرض الجنة، والصوت في الليل على النيل كأنه استغاثة.
أمام مكتبته
صوت الداخل:
* بداخلنا "صوت" إما أن يتكلم أو أن يخرس.. ذلك هو الضمير.. كيف تكون في حالة سلام وصداقة مع ضميرك؟ متى آخر مرة مارس "الضمير" عليك وخزاته وأعلن عليك الحرب؟
- ثمة صوت قديم يأتي من زمن التكوين الأول. نبدأ مع هذا الصوت نتعرف على ضمائرنا.. ونكتب على نحو من ممارسة الحياة، التعرف على الحلال والحرام. ثمة حكمة.. وتراتيل.. والإيمان والدين في الأساس أول ما نكتسب من خلاله الخوف من العيب والحرام. تأتي القراءة، والبدايات الأولى للمعرفة التي تدفعنا للثقافة، ومعرفة التقاليد، واكتشاف معنى القانون والعدالة.
نحن بشكل عام نعيش أزمة ضمير طاحنة حيث تحولت تلك الأزمة إلى وجود كامل. ما الذي يجري حولنا من سفك الدم ولا نستطيع نحن أن نفعل له شيئاً.. المثقفون والنخب من أصحاب الضمائر كلهم يعيشون الهاوية.
أحاول بقدر كبير من الإرادة الإصغاء لذلك الصوت الذي يأتي عبر الآماد البعيدة فيرعبني.. كيف يكون الكاتب في حالة سلام مع ضميره في ظل ما يحدث في سورية والعراق وفي مصر أحياناً.. أنا بقدر ما أستطيع أن أصغي بشكل دائم لذلك الفيض الخفي الذي يأتي من داخلي، وانتمي لبعض أحلام البشر الذين أحاول وبصدق الكتابة عنهم.
فقدان الإرادة:
* كم "سعيد" بداخلك يتآمر عليك؟ من منهم يحبك؟ ومن منهم على خلاف معك؟
- كثيرون بالداخل، يتصارعون، ويتقاتلون، في محاولة دامية للوصول لحقيقة غائبة تكفي معركة البحث عن الكتابة، وفقدان الإرادة والهمة، يكفي الإحساس بالرحيل، والشمس الغاربة تبدو على وشك الأفول "
مع بعض الأصدقاء
حزن بلا عطاء:
* ما هو الحزن العاصف الذي يكسر القلب والروح؟
- الأحزان - صدقيني- من غير حد. حزني الكبير المؤلم إنني مزدحم بشخصيات لم تكتب، تعذبني كلها لأنني أقفل عليها الأدراج.. حزن من يمتلك وليس له إرادة العطاء.. والحزن آخر المطاف لا ينفصل عن واقع ما نعيشه من متغيرات، وهو مشرع على الزمن الذي نحيا فيه.. أحاول الخلاص بالذاكرة واستدعاء الماضي ولو من كل عام يوم.. إن أي خطوة استبدل فيها ذاكرتي بذاكرة الجماعة التي أعيش بينها هي خطوة ربما تشكل عزاء إجابة بها الحزن.
طائر الكلمات:
* ذات صباح.. زارني عصفور صغير.. وقف على نافذتي ورمى بداخلي مفاجآت ثم طار بعد أن ترك شيئاً من ريشه على شرفات الروح.. هل زارك يوما ذلك الطائر؟ ما نوع المفاجآت التي قذفها بقلبك ثم طار؟
مع أصلان في رحلة سفر
- سامح الله ذلك العصفور الذي ترك هذه الكلمات:
يخيل
أن كل شيء أعد لإمحاء أبدي
إلى غير رجعة، قلت.
الكتابة للسر:
* ما السر الذي لم تقله يوماً لأحد؟
- دعيني أكتبه، ولك الشكر والعرفان!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.