ألا يكفي كل هذا الحزن والإحباط الذي يكاد يُسيطر على نفوسنا وأمزجتنا؟ ألا تكفي كل تلك «التابوهات» وقوائم الممنوعات التي تكاد تخنق كل حركتنا وتواصلنا مع الآخر؟ نحن بحاجة ماسة، لشيء من الحب، بدلاً من كل تلك الجرعات الكبيرة من الحزن والقلق والخوف والإحباط العنوان اعلاه، ليس من عندي، ولكنه مجرد اقتباس مع تغيير بسيط لعنوان الفيلم المصري الشهير "شيء من الخوف". فقط، استبدلت مفردة "الخوف" بمفردة "الحب" لأسباب عدة، سأوردها في ثنايا هذا المقال. لا اذكر بالضبط، كم مرة شاهدت هذا الفيلم المصري الفريد، والذي يُعتبر أحد أهم ايقونات السينما العربية، وقد اختير ضمن أهم 100 فيلم مصري خلال تاريخ السينما المصرية. قبل عدة أيام، وتحديداً في 24 ابريل، مرت الذكرى التاسعة لرحيل عبقري السينما العربية، الفنان المصري الكبير محمود مرسي (7 يونيو 1923 24 ابريل 2004)، عن عمر ناهز الثمانين، بعد رحلة طويلة مع التمثيل زادت على أربعين عاماً، قدم خلالها الكثير من الاعمال السينمائية والتلفزيونية الخالدة، أهمها أفلام "السمان والخريف" و "أغنية على الممر" و"زوجتي والكلب" و"شيء من الخوف". كما قام ببطولة العديد من المسلسلات التلفزيونية، أشهرها "زينب والعرش" و"أبو العلاء البشري". والكتابة عن هذا الفنان الاستثنائي تحتاج إلى مساحات واسعة من الاعجاب والتحليل والدراسة، بل أن الفن بوجه عام، بحاجة للكثير من الاهتمام والالتفات، لما له من أهمية وتأثير وصدى لدى الجماهير بمختلف توجهاتها ومستوياتها. يُعتبر الفن، وخصوصاً السينما والدراما والمسرح، أحد أهم مراكز الجذب والتأثير والسيطرة، والتي تُسهم بشكل كبير في صياغة وتشكيل وتوجيه الوعي العام والسلوك المجتمعي. ومن المؤسف حقاً، ورغم مرور كل تلك العقود الطويلة على ظهور الفنون المختلفة في كل الدول العربية بلا استثناء, إلا انها أي الفنون تتعرض لحملة شرسة من قبل بعض التيارات المتخلفة والرجعية، والتي تُحارب تمظهر كل الفنون بلا استثناء، وعلى رأسها السينما والتلفزيون والمسرح. أعود للعنوان أعلاه، والمقتبس من ذلك الفيلم الرائع "شيء من الخوف"، والذي انتج عام 1969م. وقصة هذا الفيلم باختصار, تتمحور حول حالة الخوف والقلق والتردد، التي كانت تُسيطر على احدى قرى الصعيد بمصر. "شيء من الخوف"، ليس مجرد فيلم سينمائي، ولكنه بكل أسف، يتجسد في واقع الحياة التي نعيش كل تفاصيلها المختلفة. ان مشاهد الحزن والألم والوجع والضجر، تكاد تُسيطر على فكرنا ومزاجنا وسلوكنا. كل شيء, يشي بالحزن والقلق واللوعة، بدءا من نشرات الاخبار التي تصدمنا بأخبار الكوارث والزلازل والفيضانات، ومروراً بالصحف الورقية والرقمية التي تتنافس في تزويدنا بكل ما هو محزن ومؤلم، وانتهاء بمواقع التواصل الاجتماعي التي تتفن بترويج الاشاعات والأكاذيب والعصبيات. انه عصر الحزن والألم والخوف. وسط هذا الركام الهائل من الاحزان والأوجاع، لا بد من بصيص أمل، أو بقعة ضوء في آخر هذا النفق المظلم، لا بد من ذلك. فنحن بحاجة ضرورية لإشاعة الحب والبهجة والأمل والتسامح في كل تفاصيلنا، الصغيرة والكبيرة، لأن سيطرة الواقع الذي نعيشه بكل آلامه وأحزانه وصعوباته، سيزيد من نسبة الاحباط واليأس والخوف التي تُسيطر علينا، لاسيما اجيالنا الشابة التي تُمثل أغلبية سكان هذا الوطن الكبير. هذه الاجيال الناشئة التي تتكون في مرحلة زمنية حرجة، يسودها الاضطراب والقلق وعدم الاتزان، ما جعلها تفقد ايمانها بالكثير من المسلمات والقناعات، بل والثوابت أيضاً. ألا يكفي كل هذا الحزن والإحباط الذي يكاد يُسيطر على نفوسنا وأمزجتنا؟ ألا تكفي كل تلك "التابوهات" وقوائم الممنوعات التي تكاد تخنق كل حركتنا وتواصلنا مع الآخر؟ نحن بحاجة ماسة، لشيء من الحب، بدلاً من كل تلك الجرعات الكبيرة من الحزن والقلق والخوف والإحباط. كثيرة، هي البرامج والملتقيات والمهرجانات التي تتناول العديد من الافكار والقضايا والرؤى، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن وسط كل هذا الزحام الشديد من تلك الفعاليات، تغيب الدعوة للحب والبهجة والأمل، وينعدم التركيز على قيم المواطنة كالتعايش والتسامح والاندماج والتكامل. وهنا، لا بد من سؤال: من المسؤول عن غياب مثل هذه الثقافات والسلوكيات المهمة عن فعالياتنا المختلفة؟ ولكي لا ابدو طوباوياً، أو محلقاً في الخيال، أذكر مثالاً رائعاً، يُجسد المعني الحقيقي لصناعة الحب والتسامح والانفتاح, ولتكريس مبدأ المواطنة والمسؤولية والعطاء، والابتعاد عن حالة اليأس والحزن والكسل. "ملتقى شباب مكة"، الذي اسدل الستار على نسخته الثالثة قبل عدة أيام، يُمثل تجربة وطنية رائدة في صناعة الحب والعمل والتميز. هذه التظاهرة الرائعة التي يقف خلفها بكل قوة, خالد الفيصل, عرّاب المبادرات الوطنية. "شباب مكة"، حالة وطنية مميزة بحاجة ضرورية لان تُستنسخ، بل وتتمدد على تراب الوطن، كل الوطن. اتابع هذا الملتقى الرائع، بكل حب وإعجاب ودهشة، وكم كنت اتمنى من كل وسائل الاعلام الوطنية المختلفة الاحتفاء بهذا المنجز الوطني الرائد بشيء من التكثيف والتركيز والاهتمام, لأنه ظاهرة وطنية مميزة تستحق أن تتصدر مشهدنا الوطني. مازلت اذكر جيداً آخر مكالمة مع خالد الفيصل، هذا المسؤول الصارم، والإداري الناجح، وقبل كل ذلك، الانسان الرائع. عباراته الدقيقة ونبرة صوته وثقته بشباب مكة، والكثير من مفردات التفاؤل والأمل والطموح، مازالت تتردد في سمعي, بل في فكري: "ملتقى شباب مكة، ليس مجرد تظاهرة شبابية عادية، ولكنه تأسيس حقيقي لثقافة وفكر وسلوك شباب مكة، بل شباب الوطن، لأنهم المستقبل الذي نثق ونفخر به".