الهلال «المنقوص» يقصى الاتحاد ويحجز مقعداً في نهائي «أغلى الكؤوس»    سمو محافظ الخرج يكرم الجهات المشاركة في حفل الأهالي لزيارة سمو أمير المنطقة    سمو أمير منطقة الباحة يستقبل مدير شرطة المنطقة ويتسلم التقرير السنوي لعام 2023    الأمان في دار سلمان    المملكة ترشد 8 ملايين م3 من المياه    مشروع سياحي استثنائي ب"جبل خيرة"    أمير منطقة الباحة يشهد اتفاقية تعاون بين تجمع الباحة الصحي والجمعية السعودية الخيرية لمرضى ( كبدك )    الهلال يتفوق على الاتحاد ويتأهل لنهائي كأس الملك    الدراسة عن بُعد بالرياض والقصيم بسبب الأمطار    الوسط الثقافي والعلمي يُفجع برحيل د. عبدالله المعطاني    من أحلام «السنافر».. مانجا تعزز دورها في صناعة الألعاب    خبير قانون دولي ل«عكاظ»: أدلة قوية لإدانة نتنياهو أمام «الجنايات الدولية»    مدرب بلجيكا يؤكد غياب تيبو كورتوا عن يورو 2024    أمريكا تطلب وقف إمداد الأطراف المتحاربة في السودان بالأسلحة    نمر يثير الذعر بمطار هندي    تطوير العمل الإسعافي ب4 مناطق    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية المكسيك يناقشان آخر التطورات في قطاع غزة ومحيطها    موسم الرياض يطرح تذاكر نزال الملاكمة العالمي five-versus-five    مهتمون يشيدون ببرنامج الأمير سلطان لدعم اللغة العربية في اليونيسكو    41 مليون عملية إلكترونية لخدمة مستفيدي الجوازات    محافظ الريث يستقبل مفوض الإفتاء الشيخ محمد شامي شيبة    عسيري: مناهضو اللقاحات لن يتوقفوا.. و«أسترازينيكا» غير مخيف    «جامعة نايف العربية» تفتتح ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات حول مكافحة تمويل الإرهاب.. في الرياض    أغلى 6 لاعبين في الكلاسيكو    دوريات «المجاهدين» بجدة تقبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر    بطولة عايض تبرهن «الخوف غير موجود في قاموس السعودي»    ميتروفيتش ومالكوم يقودان تشكيلة الهلال ضد الاتحاد بنصف نهائي كأس الملك    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لجودة الحياه    مساعد وزير الدفاع يلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية والعالمية في إسبانيا    نائب أمير مكة يطلع على الاستعدادات المبكرة لحج 1445    وزير الصناعة والثروة المعدنية يرعى أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2024    اجتماع الرياض: إنهاء حرب غزة.. والتأكيد على حل الدولتين    مفوض الإفتاء بالمدينة: التعصب القبلي من أسباب اختلال الأمن    مجلس الوزراء يجدد حرص المملكة على نشر الأمن والسلم في الشرق الأوسط والعالم    3000 ساعة تطوعية بجمعية الصم وضعاف السمع    الحقيل يجتمع برئيس رابطة المقاولين الدولية الصينية    شؤون الأسرة ونبراس يوقعان مذكرة تفاهم    مدير هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة نجران يزور فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    فهد بن سلطان يطلع على الاستراتيجية الوطنية للشباب    وزير الطاقة: لا للتضحية بأمن الطاقة لصالح المناخ    الصحة: تعافي معظم مصابي التسمم الغذائي    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34.535 شهيدًا    فيصل السابق يتخرج من جامعة الفيصل بدرجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الثانية    أمير الرياض يستقبل ممثل الجامعات السعودية في منظمة سيجما الدولية    إطلاق هاتف Infinix GT 20 Pro الرائد    الفرص مهيأة للأمطار    الذهب يتراجع 4.6 % من قمته التاريخية    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    وهَم التفرُّد    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    لوحة فنية بصرية    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    بقايا بشرية ملفوفة بأوراق تغليف    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هكذا يُكتبُ الشعر؟-1/2
نشر في الرياض يوم 21 - 07 - 2005

] قال العماد الأصفهاني: «إني رأيت أنه لا يكتب أحد كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُير هذا لكان يُستحسن، ولو قُدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر».
وعندما أردت أن أتصدى للشعر الرديء المضحك، الذي خلا من القول الجيد المحكّك، الذي امتلأت به صفحات جرائدنا ومجلاتنا، وتاه به علينا قائلوه، وعرضوه علينا بلا حياء ولا خجل، وأخذوا يرفعون عقيرتهم بقول الشاعر:
أتيه على جنّ البلاد وإنسها
ولو لم أجد خلقاً لتهتُ على نفسي
أتيه فما أدري من التيه من أنا
سوى ما يقول الناس فيّ وفي جنسي
تصديت لهؤلاء المتشاعرين، الذين أساءوا إلينا لأزيّف شعرهم، وأظهر باطله، وهم عصبة يأوون إلى من يشد أزرهم، ويقف بجانبهم.
وقد أساءوا إلى أدبنا، حتى قال عنا أحد النقاد العرب، في مجلة الهلال الصادرة في شهر مارس للعام الميلادي 1997م: «بأن المشرفين على جرائدنا ومجلاتنا الأدبية، لا يميزون بين وزن الشعر، ووزن برميل النفط»..
فكتبت مقالاتي: ما هكذا يكتب الشعر، وجمعتها في كتاب بإيعاز من أهل العلم والفضل، والحصافة والرأي الرشيد، وكنت بإيعازهم أقوى ثقة، ولهم أشد مِقة، وعلى رأس هؤلاء أستاذنا الكبير معالي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، أطال الله بقاءه.
وإني على يقين، ألا أتوق إلى المديح أو الثناء، بقدر ما أتوق إلى النجاة من اللؤم والنقد غير البناء. ومن ألّف فقد استهدف، أي انتصب كالغرض يُرمى، ومن التمس عيباً وجده.
وقد استسعدت بكتابة الدكتور الفاضل الابن ظافر العمري، التي نشرتها جريدة «الرياض» الغراء، في عددها الصادر في يوم الخميس 18 ربيع الآخر سنة 1426ه. وقد تكرم فانضوى قلمه إلى أقلام من نوه عن كتابي (ما هكذا يكتب الشعر)، وعد نفسه ملزوماً بالكتابة عنه، فجزاه الله على كتابته خيراً. وقد أثنى على الكتاب ومؤلفه، وأحسن الثناء عليّ بإطرائه الذي طوق به عنقي.
وقد أخذ على نفسه بكتابة حواش تكون مآخذ على كتابي، وقد راضه العلم على المحاسن بعد أن حذق فنونه، وأخذ يسرد حواشيه، وكانت نمطاً جيداً من الكلام الرقيق اللين، وهو منه مزية ظاهرة، وفضل بيّن..
وكانت الحاشية الأولى: تخطئة شطر بيت صححته من بيت شعر للأستاذ الصديق الفاضل محمد عبدالله الحميّد، وشطر البيت هو:
(كم يقتدي بك من طيّب)، وعده الدكتور ظافر مكسوراً، إذ تحولت فيه (مستفعلن) إلى (فعَلن). وقال: لا أعلم أن (فعَلن) من فروع (مستفعلن)، وأقول له: إن (مستفعلن) التي تأتي في البحر السريع لا تصبح (فعَلن) بتحريك العين، وإنما تصبح (متفْعِلن) وتنقل إلى (مُفاعلن).. و(فاعلن) التي تأتي في البحور (الرمل والمديد والبسيط والمتدارك) تصبح (فعِلن) بتحريك العين، إذا ما دخل عليها (الخبن) وزحاف (الخبن)، وهو حذف الثاني الساكن من الجزء، ويدخل التفعيلات الخمس:
1 - (مستفعلن)، تصير (متفْعلن) وتنقل إلى (مفاعِلن) وذلك في البسيط، والرجز، والسريع، والمنسرح.
2 - (فاعلن)، تصير (فعِلن) بتحريك العين، وذلك في الرمل، والمديد والبسيط والمتدارك.
3 - (فاعلاتن)، تصير (فعِلاتن)، وذلك في المديد، والرمل، والخفيف والمجتث.
4 - (مستفع لُن)، تصير (متفْعِ لُن)، وذلك في الخفيف، والمجتث.
5 - (مفعولات)، تصير (فَعولات)، وذلك في السريع، والمنسرح والمقتضب.
وكنت أنتظر من الابن ظافر، حين تأكد من كسر شطر البيت الذي قمت بتصحيحه، أن يقوم بتصحيحه، ليضفي علي فرحاً شديداً، ولكن خاب ظني، فقد ترك الابن ظافر شطر البيت مكسوراً يئن من كسره فسامحه الله.
إن شطر البيت المكسور للأخ الأستاذ محمد عبدالله الحميهد، وهو: «ويقتدي أمثالك الطيبين» الذي جاء هكذا: «كم يقتدي بك من طيب» بعد تصحيحه، ونشر التصحيح في جريدة «الرياض» الغراء في عام 1412ه، وقد نشر خطأ في الجريدة، ولم أنتبه للخطأ حين نُشر شطر البيت في كتابي، وهذا من سقط الكلام، الذي تفاجئنا به الجرائد والمطابع، وانظر إلى مقالتك المنشورة في جريدة «الرياض»، ففيها من الأخطاء المطبعية ما تعشي البصر، وبالرجوع إلى مسودة أصل مقالتي التي أحتفظ بها، وجدت الشطر مصححاً هكذا: «كم يقتدي من سيد فاضل» وتقطيعه هكذا.
كم يقتدي: «مستفعلن»، من سيْيدن: «مستفعلن»، «فاضلن»: «فاعلن». وهو ما قمت بتصحيحه في حينه، وسامح الله من تسبب في هذا الخطأ الذي كنت به بصيراً.
وكم كنت أتمنى أن تقوم أيها الابن الفاضل بتصحيح هذا الشطر المكسور عروضياً، حتى أطمئن على هذا العلم (علم العروض)، الذي يكاد ينقرض من مدرجات الجامعات.. ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، فالابن الدكتور ظافر، لايلمّ بعلم العروض إلا بالنزر، ومع هذا تكلف الخوض فيه، وقد استرعت جراءته وشجاعته نظري، وأشكره على نقده، ولعله بعد ذلك يطلب هذا العلم على من برز فيه.
والشيء يتبع الشيء، فإن لي قصيدة من البحر السريع الذي عروضه مطوية مكشوفة (فاعلن)، وضربه مثلها مطويّ مكشوف (فاعلن)، كتبتها بمناسبة بلوغ حفيدتي (بوران) أربعة أشهر من عمرها المديد (إن شاء الله)، وقد جنبت هذه القصيدة زحاف (الخبْل)، الذي لا أستحسنه في البحر السريع، والقصيدة من وزن الشطر الذي كُتب خطأ في كتابي، (ما هكذا يكتب الشعر)، وقد نشرتُ بعض أبياتها في كتابي (ما هكذا يكتب الشعر) في الصفحة (121). ولا أشك في أن الابن ظافر قرأها بتؤدة وتأن، وحاول أن يجد فيها خطأ عروضياً كما يبدو لي من كتابته، ولكن الله سلمني من الأخطاء المطبعية، وفاتته الفرصة، ولم يستطع أن يغتنمها ويفوز بها.
وكسر الشطر الأول من البيت:
«كم يقتدي بك من طيّب
يستلهم الإخلاص كي يهديه»
كتب عنه الأستاذ الدكتور الناقد سلطان بن سعد القحطاني، في المجلة الثقافية التي تصدرها جريدة الجزيرة، في عددها الصادر في يوم الاثنين 29 من ربيع الآخر سنة 1426ه، فقال: «وسنقف مع الشاعر والناقد في آن واحد حول هذا البيت الغامض، فقد تدخل الناقد في إصلاحه، ولا أدري هل صلح، أو أن العطار لم يستطع إصلاح ما أفسده الدهر، فهل يرى الناقد أن هذا البيت مستقيم الوزن في شطره الأول، قد يكون خطأ مطبعياً، والبيت من هذه القصيدة محير حقاً، فلم نجد لكلمة الطيبين من تأويل إعرابي، مع أن العبادي التمس لها العذر، أو أولها إلى الفاعل من الفعل يقتدى. والدكتور سلطان يريد بيت الشاعر ابن حميد الذي يقول فيه:
«ويقتدي أمثالك الطيبين
يستلهم الإخلاص أو يهديه»
ومع تصحيحي البيت، إلا أن البيت قد حيرني كما حير الدكتور سلطان القحطاني، (حفظه الله) وقد وضعني هذا البيت في حرج شديد، ولا فض فوك أيها الدكتور سلطان القحطاني، فإن العطار لا يستطيع أن يصلح ما أفسده الدهر، ولقد عانيت من تصحيح القصائد التي تطرق إليها الكسر، وشملتها العيوب العروضية، وكابدت وقاسيتُ الكثير في إصلاحها، ودعوت الله أن يجنبني الخطأ في الكلام، ويحميني من كدورة الفكر، وخيْس الخاطر، وهُجنة الطبع، ويعصمني من الزلل عصمة الشيوخ، ويجعلني عند حسن ظن الأساتيذ والقراء.
ويقول الابن ظافر: في الصفحة ذات الرقم (72) أورد عبارة نصها: رغبوا مني أن أُظهر وأبين الحقيقة لذوي المعرفة، وفعل (رغب) يتعدى بأحد حرفي الجر (في وعن)، ويلزم إظهار الحرف ليتضح المعنى، لأن أحدهما يعطي الفعل معنى ضد معناه مع صاحبه، وليست عبارة المؤلف من باب قوله تعالى: {وترغبون أن تنكحوهن}. فإن الرغبة في الآية، يراد بها الوجهان كلاهما، الرغبة في النكاح، أو الرغبة عن النكاح، وهو التوجيه الذي يوافق معنى الآية، ويجري على قاعدة النحو، كما أنه ليس في قول النحاة: (إن حرف الجر قد يحذف مع أن المصدرية)، تصحيح لحذف أحدهما بعد (رغب)، فإنه يستثنى الفعل (رغب) من هذا القول، فكان الصحيح أن يقال: رغبوا إلي في أن أظهر وأبين، أو رغبوا في إظهار الحقيقة..
وأقول للابن ظافر: إن استقامة الجملة، في مقالتك، أن تقول: يراد بها الوجهان كلاهما الرغبة في النكاح في حال، والرغبة عنه في حال أخرى، ولا يستقيم أن يكونا مرادفين معاً في حالة واحدة. ومن أين جئت بهذا الاستثناء، وليتك استوعبت ما أشار إليه العلماء، عند شرح قول ابن مالك (رحمه الله):
نقلاً وفي (أنَّ) و(أنْ) يطّرد
مع أمن لُبس كعجبت أن يَدوا
فحرف الجر الذي يحذف قياساً، ما كان قبل (أنْ) أو (أنّ) المصدريتين، وقولي: (رغبوا مني) ليس من هذا القبيل، فهو قريب من قولك: (رغب إلي المؤلف)..
قال الشاطبي (رحمه الله): «لابد في جواز الحذف من شرط، وهو ألا يؤدي حذف الجار إلى اللبس، وذلك قوله (مع أمن لبس)، أي أن الحذف يطّرد مع (أنَّ وأنْ) إذا أمن اللبس، كالأمثلة السابقة، فإن وقع بسببه لبس، لم يحذف ولزم إثباته، نحو قولك: رغبت أن يكون كذا، فإن هذا الحذف غير جائز... وأما قول ابن مالك (رحمه الله): عجبت أن يدوا، والأصل (عجبت من أن يَدُوا)، أي من أن يعطوا الدية، فيجوز حذف حرف الجر قياساً مطرداً، بشرط أمن اللبس، فإن لم يكن هناك لبس فلا ضير في الحذف. وهل ترى ضيراً أن يقول مسلم في مكة: رغبت أن أطوف، أو يقول معتدى عليه، آثر الحلم على الاقتصاص: رغبت أن أصفع السفيه.
ويقول الابن ظافر: في الصفحتين (74) و(75) لم يشر إلى ما عهد من نقل (متفْع لن) إلى (مفاعِلن) و(فالاتن) إلى (مفعولن) وأحسب أن كاتبنا لا يجهل هذا، وإنما أردت هنا تذكيره، وهو خِريّتها وابن بجدتها..
وأقول للابن ظافر: لا اعتراض على ما ذكرته (بارك الله فيك)، ولكن التفعيلات تختلف كتابتها عند العروضيين، فبعض العروضيين يُخضع كتابة التفعيلات للجانب الصناعي، وبعضهم يخضع كتابتها للجانب الصوتي، فكتابة: (مستفعلن) التي تتكون من سببين خفيفين، فوتد مجموع، غير التي تكتب (مستفع لن) التي تتكون من سبب خفيف فوتد مفروق، فسبب خفيف. والتفعيلة الثانية لا يجوز فيها الطي، وهو حذف الرابع الساكن من التفعيلة (مستفع لن)، وهناك من العروضيين من لا يلتفت لهذا الأمر، ويكتب التفعيلة ويخضعها للجانب الصوتي، كما أفعل أحياناً. والحديث يطول لو أفضت فيه.
وإذا أردتَ أن تكتب (مفاعلن) حين تقطّع البحر الخفيف، فاكتبها هكذا (مفاعِ لن)، لئلا يشكل الأمر على بعض قراء علم العروض، لأن (مفاعلن) تأتي أيضاً من (مفاعيلن) إذا دخلها القبض وتختص بالطويل والهزج والمضارع..
ويقول الابن ظافر: ذكر المؤلف في الصفحة ذات الرقم (95) أن البحر البسيط أسهل الأوزان للشاعر الناشئ، وأخشى أن يكون مراده أنه مستباح الحمى وتطاله الألسن، ولا أحسبه يجهل أن النقاد والأدباء يعدُونه ثاني اثنين أولهما الطويل، من جهة مكانتهما لدى كبار الشعراء، وما نظم عليهما من عظيم القصائد التي تضج بها دواوين فحول الشعراء.
وأقول للابن ظافر: البحر البسيط من البحور الطويلة، وهو قريب من البحر الطويل، وهما من البحور الشائعة لدى الشعراء الكبار، وأما مجزوءه فقليل الاستعمال، لأن إيقاعه ثقيل، وقد عده قدامة بن جعفر الكاتب (رحمه الله) من الشعر قبيح الوزن، الذي يميل إلى الانكسار.. ومن أجمل ما قرأنا في وافي البسيط لامية العجم، وبائية أبي تمام في عمورية، تلك البائية التي قال عنها أبو العلاء المعري، كما قال في دالياته: «لو تمثلت بائيات أبي تمام ودالياته أشخاصاً، وخرجت خلف نفسه، لضاق بها الفضاء»، وقرأنا أيضاً في وافي البسيط قصيدة المتنبي (عيد بأية حال)، وقصيدة الحزين الكناني في مدح عبدالله بن عبدالملك بن مروان، المنسوبة إلى الفرزدق، في مدح زين العابدين بن علي بن الحسين بن أبي طالب، وقصيدة الخنساء الرائعة في رثاء أخيها صخر، وقصيدة الشريف الرضي، «يا ظبية البان»، ورائعة الشاعر الكبير حمزة شحاتة (نفيسة) التي أربت أبياتها على التسعين، وقصيدة الشاعر الكبير حسين سرحان «توديع» وقصيدة أحمد شوقي «قم ناج جلق»، وقصيدة حافظ إبراهيم «لم يبق شيء من الدنيا»....
والبحر البسيط، أسهل الأوزان وافيه، وسمي بسيطاً من البساطة التي هي السهولة، فلما كان سهلاً في الذوق سمي بذلك، وهو البحر الثالث من دائرة المختلف المشتملة على الطويل والمديد والبسيط، أي هو البحر الثالث، وليس البحر البسيط، ثاني اثنين أولهما الطويل، كما قلت في مقالتك، وقُدم البحر الطويل في هذه الدائرة على المديد والبسيط، لأن أوله وتد مجموع، والبحران الآخران، كل منهما أوله سبب، والوتد أقوى من السبب وعندما قلت: إن البحر البسيط أسهل الأوزان للشاعر الناشئ، وهو ما شاهدته شخصياً، لأن الشاعر الناشئ إذا ما تمكن من كتابة الشعر العمودي، كتب في البحر البسيط الوافي، لأن أخطاءه العروضية بسيطة، ولا يكلف المبتدئ شططاً، ما دام يملك الذائقة الشعرية، ويتكلم بالسليقة، ويكون سليقياً، كما قال الشاعر:
ولست بنحويّ يلوك لسانه
ولكن سليقيّ أقول فأْعربُ
وكثير من البحور غير البسيط، تكتنفها الصعوبة في كتابتها، كالبحر المديد الذي أفاض في الحديث عنه شيخنا وأستاذنا محمود محمد شاكر (رحمه الله) في كتابه (نمط صعب ونمط مخيف). وما قلته عن البسيط بأنه أسهل الأوزان، يعد قولي هذا من تطور الدلالات.
ويقول الابن ظافر: ورد في غير ما موضع من الكتاب تسمية الشعر العربي الأصيل بالشعر العمودي، وهي تسمية أحسبها جرت على ألسنة بعض من المحدثين من البلاد العربية الذين لا يولون التراث اهتماماً، وربما قصد من ورائه عند أولئك التقليل من شأنه، لما في العمودية من معنى الجمود، الذي ينافي التجديد عندهم، فلو سميناه الشعر التراثي أو الأصيل، لكان أقرب، وقد أعجبني رأي للعقاد حول الشعر الحديث المنسلخ عن النظام الخليلي في العروض، مع اعتماده على التفعيلة، حيث جرى لمعاصري العقاد تسمية هذا النوع بالشعر الحر، فكان يأبى أن يُكسى شعر التفعيلة هذه التسمية، ويرى أن الحر هو الخاص من كل شيء، والخاص (خطأ مطبعي، وصحته الخالص)، وكلامه ناظر لقول صاحب اللسان: (الحر كل شيء فاخر من شعر وغيره) فلا تصح التسمية، لأن شعر التفعيلة، ليس هو الشعر الخالص.
وأقول للابن ظافر: لقد جازفت في كلامك عن الشعر العمودي، لأن هذه التسمية قديمة جداً. سماه بها علماء لا يريدون بهذه التسمية التقليل من شأنه كما زعمت (هداك الله)، وليست العمودية من معنى الجمود.
وأول من سمى الشعر الفصيح بالشعر العمودي، الشاعر البحتري المتوفى سنة 284ه، عندما قال عن نفسه وعن أبي تمام، عندما سئل: «كان أبو تمام أغْوص على المعاني مني، وأنا أقْوَم بعمود الشعر منه». وعندما وضع الآمدي المتوفى سنة 370ه كتاب (الموازنة بين أبي تمام والبحتري)، قال الآمدي في كتابه: «البحتري أعرابي الشعر مطبوع، وعلى مذهب الأوائل، وما فارق عمود الشعر المعروف» ويقول القاضي الجُرجاني، المتوفى سنة 392ه في كتابه (الوساطة بين المتنبي وخصومه): «وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن، بشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، وتسلم السبق فيه لمن وصف فأصاب، وشبه فقارب، وبدَهَ فأغزر، ولمن كثرت سوائر أمثاله، وشوارد أبياته، ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة، إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض».
ثم يأتي أبو علي المرزوقي المتوفى سنة 421ه في مقدمة كتابه (شرح حماسة أبي تمام)، ويلقي الضوء على هذه التسمية (الشعر العمودي)، فيقول: «فالواجب أن يُبين ما هو عمود الشعر المعروف عند العرب، ليتميز تليد الصنعة من الطريف، وقديم نظام القريض من الحديث».
ثم يقول (رحمه الله): «وهذه سبعة أبواب، هي (عمود الشعر)، ولكل باب منها معيار، ثم يعدد هذه الأبواب ويوضحها، ويذكرها باباً باباً، ويقول:
1) شرف المعنى وصحته.
2) جزالة اللفظ واستقامته.
3) الإصابة في الوصف.
4) المقاربة في التشبيه.
5) التحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن.
6) مناسبة المستعار منه للمستعار له.
7) مشاكلة اللفظ للمعنى، وشدة اقتضائها للقافية حتى لا منافرة بينهما..
ثم يشرح معيار كل باب من الأبواب السبعة..
فتسمية الشعر العربي الفصيح بالشعر العمودي، تسمية قديمة كما ترى، ولم تأت التسمية اعتباطاً، ولم تقلل هذه التسمية من شأن الشعر الفصيح، ولم يكن في تسميته بالشعر العمودي معنى الجمود، كما تقول (بارك الله فيك).
والكلام الملقى على عواهنه، من غير فكر ولا روية، يضر نقدنا النزيه، ويلحق بأبنائنا الأكاديميين ما يشين سمعتهم العلمية، والكتب التي استقصيتُ منها تسمية الشعر الفصيح بالشعر العمودي، مطروحة للباحثين والدارسين من أمثال ابننا الفاضل الدكتور ظافر العمري، وإخاله اطلع عليها، وهو المتخصص في علوم اللغة العربية، وخير النقاد من كان الحق غايته، ولزم فيما يكتبه القصد والصواب، ولكن تعست العجلة، والعجلة فرصة العجزة، كما جاء في المثل العربي.
وإليك ما قاله الأستاذ الكبير أحمد أمين (رحمه الله) في تصديره لكتاب (شرح ديوان الحماسة)، للإمام أحمد بن محمد المرزوقي، المتوفى سنة 421ه، يقول الأستاذ أحمد أمين (رحمه الله): «فكم كنا نقرأ في كتب الأقدمين عن (عمود الشعر)، ونحفظ الكلمة، ولا نفهم معناها، حتى شرحها لنا المرزوقي شرحاً دقيقاً وافياً، وكم له من حسنات أخرى غير هذه».
وفي الأربعينيات الميلادية، تحول نمط الشعر العمودي، إلى نمط جديد، هو الشعر الحر، ليكتب الشاعر ما يعن له من خطرات، يصوغها في أبيات من الشعر، غير متقيد ببحر واحد، أو قافية واحدة، أو إيقاع، وسمي بالشعر الحر لتحرره من بعض القيود الخليلية، وأما الحر، بمعنى: الخالص من الشوائب، فيقال: ذهب حر، وفرس حر، فهذا معنى لم يقصده من سمى الشعر المحرر من بعض القيود الخليلية، بالشعر الحر...
وفي غضون القرن العشرين الميلادي، أخذت النهضة الفنية تتبلور حتى بلغت ذروتها، وظهرت في العالم العربي: جماعة الديوان، وجماعة المنثور، والشعر المطلق، وقصيدة النثر، وهي أسماء في غير موضعها.
وكانت الشاعرة (نازك الملائكة) رحمها الله، رائدة الشعر الحر في العالم العربي، فقد كتبت قصيدتها (الكوليرا)، واستخدمت فيها (فعْلن) بسكون العين، بأعداد مختلفة في الشطر الواحد، وكان إيقاع قصيدة (الكوليرا)، يشبه إيقاع البحر المتدارك.. ويدعى الشعر الحر أحياناً شعر التفعيلة.. والشعر الفصيح المقفى، ديوان العرب، وبه تكوّن تراث الأدب العربي الخالد.
ويقول الدكتور ظافر العمري: فيما يتصل بالأسلوب، ورد في الصفحة ذات الرقم (176) قوله: وأعود إلى أبيات ابن الزبعري الذي بدأها بقوله:
ألا لله قوم ولدتْ أختُ بني سهْم
فاستعمل المؤلف الاسم الموصول (الذي)، وقد كان ينبغي أن يستعمل (التي) في الموضعين، وأعلم أن لها وجهاً في النحو، لكن التفريق بين الاستعمالين قد يلتبس على كثير من الناس، ولربما عسر التفريق بين الاستعمالين، فلذلك أنبه هنا إلى شيء، وهو أن الكاتب حديثه ينصب على الأبيات لا الشاعر، لذا فإن الأبيات هي الأوْلى بالوصف بالموصول لا الشاعر، لأن جل الحديث منصب على الأبيات أولاً.. ثم أخذ الدكتور ظافر يشرح الآية الكريمة: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرّمها وله كل شيء} النمل 91.
فظاهر الآية يقتضي أن تكون الصفة للبلدة لمصاقبتها لها،فيكون الاسم الموصول المناسب في الآية هو (التي)، وهي قراءة لابن مسعود وابن عباس (رضي الله عنهما).
وأقول للابن ظافر: (الذي) اسم موصول عائد على الشعر، وهو ماقصدته وأردته (بارك الله فيك). والكلام عن الاسم الموصول (الذي) يطول.. وفي القرآن الآية رقم (17) من سورة البقرة، يقول الله عز وجل: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله، ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون} .
فإن (الذي) ها هنا بمعنى (الذين) لأنه نزّل (الذي) منزلة (من)، و(من) يرد الضمير إليها تارة بالإفراد، وتارة بالجمع، ونظير هذه الآية، قوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدّق به} بالإفراد، ثم قال عز وجل: {أولئك هم المتقون} بالجمع. وهذه الآية، آية (33) من سورة الزمر.
وانظر: صفحة (59) من الجزء الأول من كتاب (البيان في غريب إعراب القرآن) لأبي البركات ابن الأنباري (رحمه الله)، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1980م.
وللفائدة أقول: تحذف الياء من (الذي)، فمنهم من يسكّن الذال بعد الحذف، ومنهم من يدعها مكسورة على لفظها، ومنهم من ينطقها بتشديد الياء، ويأتون بالشاهد:
وليس المالُ فاعْلمه بمال
من الأقوام إلا للذيّ
وفي جمع (الذي) لغتان: الذين في الرفع والنصب والجر، والذي بحذف النون، ومنهم من يقول: (الّذون) في الرفع، والذين في النصب والجر، ويقال في مثناه: - اللذان واللذانّ (بتشديد النون) واللذا، ومنه .. قول الأخطل:
أبني كُليْب إنّ عمّيَّ اللذا
قتلا الملوك وفكك الأغلالا
ونظير هذا حذف الياء من (الذي)، ويأتي النحاة بالشاهد:
فظلْتَ في شرّ من اللذْ كيدا
كمن تزبى زُبية فاصطيدا
ونظيره أيضاً حذف الياء من (التي) وإسكان التاء، وأتوا بقول الشاعر:
فقل للتْ تلومك إن نفسي
أراها لا تعوّذ بالتميم
ونظيره أيضاً حذف الياء والتاء من (اللواتي) وأنشد الزجاجي:
جمعتها من أينق غِرار
من اللوا شرفن بالصرار
ويحذف الموصول، وتترك الصلة، كقول يزيد بن مفرّغ:
عدسْ ما لعباد عليك إمارة
نجوت وهذا تحملين طليق
أراد «وهذا الذي تحملين» فحذف. ولبعض النحاة رأي آخر لا داعي لذكره.
ويقول الابن ظافر: في الصفحة ذات الرقم (196)، يأخذ الكاتب على الشاعر الأستاذ الدكتور منصور الحازمي، نصب كلمة (موعداً) في قوله:
كلمتْ قال صاحبي
من تُرى قلت موعدا
ويزعم أنه لا محل له من الإعراب، وقد رأيت معالي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الخويطر، نبّه الكاتب إلى إعادة النظر في مأخذه، لأن للكلمة وجهاً في العربية، وشاهده في القرآن الكريم ما ذكره المؤلف، وذكر أيضاً وجه ذلك، ولعل الذاكرة لم تخني إن زعمت أن الكاتب حين نشرها في صحيفة «الرياض» لم يذكر الآية، بل خطّأ الشاعر، ثم استدرك على نفسه في الكتاب، ثم أخذ الابن ظافر يستطرد كلامه، ليبين للقراء ما يحتفظ في كُنّاشته من فوائد وشوارد في هذا الباب.
وأقول للابن ظافر: إن ذاكرتك قد خانتك (عافاك الله)، فإن مقالتي التي نشرتها في جريدة «الرياض» الغراء، في عددها رقم 11252 الصادر في يوم الخميس 29/12/1419ه، قد أشارت إلى ما ذكرتَه في مقالتك، ولم تكن الآية الكريمة: {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيراً} (النحل: 30).
مما استدركته في كتابي (ما هكذا يكتب الشعر). ومعالي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، (أطال الله بقاءه) قد نبهني لأخطاء لم أفطن لها، فله عليّ الفضل أولاً وأخيراً..
وأما قولك، ثم إن من العرب من ينصب بعد القول بغير تقدير فعل محذوف، على أن القول نفسه هو الناصب، أي أن مقول القول منصوب عندهم، وهم بنو سُليم - بضم السين. إلى آخر ما قلته (بارك الله فيك).
وأقول للابن ظافر: هذا إعمال له في مفعولين، قال ابن مالك:
وأُجري القول كظن مطلقا
عند سُليم نحو قل ذا مشفقا
فقد أشار ابن مالك (رحمه الله) إلى المذهب الثاني للعرب في القول، وهو مذهب (سُليم)، فيجرون القول مجرى الظن في نصب المفعولين مطلقاً، سواء أكان مضارعاً أم غير مضارع، وجدت فيه الشروط المذكورة أم لم توجد، وذلك نحو: قل ذا مشفقاً، (فذا) مفعول أول، و(مشفقاً) مفعول ثان. وأما نصبه على المفعولية المحضة، فلا يكون إلا على التضمين أو إرادة محذوف.
ويقول الدكتور ظافر العمري: في الصفحة ذات الرقم (200) ورد في السطر الثامن: (أن) المفتوحة بعد حيث، والصحيح أنها تكسر بعدها، ثم أخذ يستعرض ما درسه في الجامعة على معلميه.
والخطأ الوارد في الكتاب خطأ مطبعي، وقد ورد في مقالته المنشورة في جريدة «الرياض» أخطاء مطبعية لم ألتفت إليها ولا يؤبه بها، لأنها أخطاء مطبعية معروفة، وليست كتاباتي التي تُنشر في الجرائد معصومة من الخطأ المطبعي، ومهما يجتهد الكاتب في المراجعة فلن يسلم منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.