" أوريك الحين" سمعتها في صغري من طالبة متنمرة في المدرسة تحاول أن تفرض سلطتها على الأخريات، كان التهديد يتكرر بشكل دوري كلما أرادت الطالبة استعراض قدراتها أمام جمهور جديد أو كلما شعرت بالملل وأحبت أن تذكر نفسها قبل الآخرين بما تملكه أو ما تعتقد أنها تملكه. من الصغيرات من قررن أن يصدقن تهدايداتها تلك فشكّلن شلة من الخائفات اللواتي يمشين خلف هذه المتنمرة، ومن الصغيرات من تجاهلن وجودها، ومنهن من اشتكينها لدى إحدى الاستاذات. في النهاية لم يأت "الحين" الذي تتحدث عنه ولم تعرف الصغيرات ما هو حقيقة تهديدها لأنها تراجعت بسهولة تحت رقابة الأستاذة المشرفة التي لم تجعل لها فرصة لتستعرض قدراتها اللفظية أو كي تترجمها على أرض الواقع. كبرت الصغيرات وتفرقت بهن سبل الدنيا والعمل ولا أعرف ما إذا استفدن من تجربتهن مع المتنمرة ذات الصوت العالي، أم أنهن ما زلن يحملن نفس الشعور، ونفس ردة الفعل تجاه المتنمرين الذين يكبرون وتكبر معهم طباعهم. في مجال العمل قد تُبتلى برئيس يظن أنك تعمل لديه شخصياً، وليس تحت إدارته ويصبح الوضع سريالياً إذا ما كان هذا الشخص يعاني من جنون عظمة تعززه بعض العلاقات الاجتماعية التي قوامها "الترزز والتواجد في المكان الصح في الوقت الصح" أو إذا كان من فئة لا تسمع إلا صوتها ولا ترى إلا صورتها. من الناس من يخافون من سلطة "التقييم الوظيفي" من ابتعاد الترقية من التجميد الوظيفي فيخضعون للخوف من هذه الشخصيات أولًا لأنها تملك سلطة إدارية وثانياً لأنه لا يعرف حقوقه الوظيفية أو لأنه في بيئة وظيفية تدار حسب تحالفات الأفراد والشللية. الخوف أو الحاجة للاستقرار الوظيفي من الموظفين تصنع من هؤلاء المتنمرين إداريين أنانيين، يفتقدون أبسط درجات الإدارة الناجحة التي تعتمد على التناغم والأداء الجماعي والانتاجية، وتجعل ممن يعملون تحت إدارتهم قطيعاً خائفاً من عواقب القرارت المشخصنة المزاجية، أو التعنت الإداري الذي يصعب عليهم العمل والانتاجية خارج نطاق الأنا السلطوية لشخص فاشل إدارياً، لكنه ناجح في تلميع نفسه. وتعامل هؤلاء لا يفرق عن تعامل الصغيرات مع المتنمرة، منهم من يشتكي أو يتشكى ومنهم من يظلم نفسه ببقائه تحت مظلة الخوف المرضي الذي يمنعه من رؤية الفرص الأخرى، ومن معرفة قدارته وإمكانياته، ومنهم من يتجاهل وجود هذا المتنمر ويبحث عن مكان أفضل بعيدا عن تهديدات وتصرفات ممزوجة بجنون العظمة، والفرص في كل مكان قد تضطر للتنازل أحيانا من أجل راحة بالك، وعافية مزاجك، وقد تجد فرصا أفضل وتتشبث بها. عودة ل "أنا أوريك" كم مرة سمعتموها، أو قلتوها، ولم تجدوها محققة على أرض الواقع؟ السؤال هو؛ هل نعي جيدا أن هؤلاء المتنمرين في ساحة المدرسة، يقتاتون على خوف الآخرين منهم، مثلهم مثل المتنمرين في العمل لافرق؟