أمير جازان يشارك أهالي فرسان "صيد سمك الحريد"    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على ضمك    9 غيابات في الاتحاد أمام أبها    ب10 لاعبين.. الرياض يعود من بعيد ويتعادل مع الفتح ويخطف نقطة ثمينة    «التخصصي» العلامة الصحية الأعلى قيمة في السعودية والشرق الأوسط    أمير الرياض يزور مسرح المهندس محمد البواردي بمحافظة شقراء    رحلة نجاح مستمرة    خان يونس.. للموت رائحة    «التعليم السعودي».. الطريق إلى المستقبل    « أنت مخلوع »..!    «مسام» يفكك كميات ضخمة من المتفجرات في قارب مفخخ قرب باب المندب    صدور بيان مشترك بشأن التعاون في مجال الطاقة بين السعودية وأوزبكستان    "تمزق العضلة" ينهي موسم طارق حامد مع ضمك    وزير الخارجية يستقبل الأمين العام للمكتب الدولي للمعارض    سلة الهلال تقصي النصر وتتأهل لنهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    وزير الطاقة يشارك في جلسة حوارية في منتدى طشقند الدولي الثالث للاستثمار    القبض على فلسطيني ومواطن في جدة لترويجهما مادة الحشيش المخدر    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    الإصابة تهدد مشاركة لوكاس هيرنانديز مع فرنسا في (يورو 2024)    الذهب يستقر برغم توقعات ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية    النفط ينتعش وسط احتمالات تجديد الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي    محافظ بلقرن يرعى اختتام فعاليات مبادرة أجاويد2    "شرح الوصية الصغرى لابن تيمية".. دورة علمية تنفذها إسلامية جازان في المسارحة والحُرّث وجزر فرسان    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    المملكة: الاستخدام المفرط ل"الفيتو" فاقم الكارثة بفلسطين    قتل مواطنين خانا الوطن وتبنيّا الإرهاب    هاكاثون "هندس" يطرح حلولاً للمشي اثناء النوم وجهاز مساعد يفصل الإشارات القلبية    مبادرة «يوم لهيئة حقوق الإنسان» في فرع الاعلام بالشرقية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "التحصينات"    الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض الاعتصامات المؤيدة لغزة    السعودية تدعو لتوحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة والعالم    العدل تُعلن عن إقامة المؤتمر الدولي للتدريب القضائي بالرياض    انعقاد أعمال المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات والمؤتمر البرلماني المصاحب في أذربيجان    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    هذا هو شكل القرش قبل 93 مليون سنة !    يجيب عن التساؤلات والملاحظات.. وزير التعليم تحت قبة «الشورى»    جميل ولكن..    أمي السبعينية في ذكرى ميلادها    الدراما السعودية.. من التجريب إلى التألق    متحدث التعليم ل«عكاظ»: علّقنا الدراسة.. «الحساب» ينفي !    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    «العيسى»: بيان «كبار العلماء» يعالج سلوكيات فردية مؤسفة    سعود عبدالحميد «تخصص جديد» في شباك العميد    اَلسِّيَاسَاتُ اَلتَّعْلِيمِيَّةُ.. إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ وَأَهَمِّيَّةُ اَلتَّطْوِيرِ    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    «المظهر.. التزامات العمل.. مستقبل الأسرة والوزن» أكثر مجالات القلق    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسعدي وأفراد الرعية
نشر في الرياض يوم 19 - 07 - 2012

إذا كان المفكران (إدوارد سعيد) ومن بعده (جوناثان هارت) قد أكدا ما يتصل بالشعور بالدونية لأبناء البلاد المستعمرة مقابل المستعمِر، حيث استطاع الاستعمار أن يوجد هذه التركة الثقافية الثقيلة، كما يؤكد ذلك محمد عناني في مقدمته لترجمة كتاب تغطية الإسلام، فإن المسعدي بوعيه النقدي الحاد قد تحرر عمليًا من الوقوع في دائرة (أفراد الرعية) وهو المصطلح الذي يؤكد على هذا الملمح في ثقافات جيل ما بعد الاستعمار، وهو الحقل الذي يقف فيه المسعدي اختلافًا واعيًا لا تابعًا أعمى، ويتجلى تلك بوضوح من خلال مواقف المسعدي وكتاباته وحواراته. ولعل هذا يلخص ذلك الاختلاف الواعي في حواراته "الهوية "بالنسبة إلينا، نحن العرب... فنحن مطالبون بأن نبقى محافظين على ذاتيتنا، أي على طاقتنا الذاتية الخاصة بنا التي تجعلنا نأخذ عن الغير ونهضم الغير. أعني: أن نستبطنه ونقلبه بقوة ذاتيتنا إلى مادة تنصهر في ذاتيتنا". ولعل مفردات القلب والقوة والصهر الواردة في حواره السابق تكشف بقوة عن منهج المسعدي في موقفه؛ فالقوة الاستعمارية تقابلها قوة كتابية، تتمثل مفرداتها في القلب بقوة قلب السيء إلى حسن، وحالة الصهر التي تتمثل في استثمار ما يفيد، وترك ما يخالف لذلك.
لقد عكست حوارات المسعدي نوعين رئيسين من صيغ الآخر: أولهما صيغة الآخر الغربي المتشظية في صيغ فردية وجمعية، وثانيهما صيغة الآخر العربي المنبثقة إلى صيغ مماثلة، فلا نكاد نجد تفاوتًا في تناوله لهذين النوعين؛ فالآخر العربي والغربي يتجليان عند المسعدي في واحد من مستويين اثنين: مستوى الكشف فالإعجاب والتبني، أو مستوى الكشف فالرفض والمقاومة، ويجمع بين هذين المستويين كونهما يحددان علاقة المسعدى وموقفه من التراث العربي أو الغربي، وتجدر الإشارة إلى أن تلك العلاقة تُبنى على علاقة هدم وإعادة بناء بصورة توشك أن تتواءم مع المنظور التفكيكي للمنظر (هارولد بلوم Harold Bloom ) حول العلاقة الأديبية في التجربة الإبداعية، لكن هذه العلاقة يمكن أن تتباعد عنها لتتفاعل أكثر مع مفهومي (إدوارد سعيد) حول البنوة filiation التي تقوم على الإجبار، والاتباع affiliation الذي يستند على الاختيار، ويقتضي التفريق بين المفهومين التأكيد على حرية الأديب في الاختيار خلافًا لما يراه (بلوم)، ومن ثم قدرة الأديب على أن يأتي بما لم يأت به الأوائل. لنقل إذًا: كانت علاقة المسعدي بالآخر العربي والغربي مزيجًا من بنوة لا يمكن تجاوزها، واتباعًا يرتهن إلى الخلق والبناء، ولذلك فإن التركيز سيكون منصبًا على هذين المحورين اللذين يتناولان علاقته مع الآخر طمعًا في الوصول إلى منهجه العام في علاقته مع الآخر، الأول منهما آخر التجربة المتطور: من التبني إلى التأبي، أما الثاني فهو الآخر المعادي: الرفض والمقاومة.
يشترك في هذه الصفة (آخر التجربة المتطور) العربي والغربي معًا، وهما اللذان رأى إليهما المسعدي بوصفهما أنموذجًا للتطور الواعي الذي تنبغي الاستفادة منه، واستغلال تلك التجربة إلى أقصى حد ممكن. ويعتمد هذا الآخر على حضور مستوى الإعجاب والتبني الذي يمثل مستوى استهلاليًا في ثقافة المسعدي ووعيه، إذ تبدأ ملامح الكشف فالإعجاب في مرحلة مبكرة من تجربته، لكن هذا المستوى من الإعجاب والتبني لا يلبث أن يخضع إلى إطار نقدي يندرج فيه الرفض وتتجسد فيه المقاومة، فالإعجاب المبكر بالآخر الغربي ممثلًا بالثقافة الفرنسية يبدأ مع المراحل الأولى للتعليم في حياته، ويتجلى هذا الكشف في ملمح إيجابي منصف يصدر في هيئة حكم نقدي بعد سنوات التجربة، يقول: "وفي المدرسة الصادقية اكتشفت بواسطة التعليم الفرنسي لدى أساتذة فرنسيين كان موكلًا لهم تعليمنا ...هؤلاء هم الذين ساعدوني على تحقيق إنسانيتي في ذلك العهد"، ويماثل ذلك جليًا آخر التجربة العربي المتطور الذي يندرج في البدء في مستوى الإعجاب والتبني لكنه يتحول إلى ميزان نقدي يستحق التقدير، ومن ذلك علاقته الثقافية بالأديب المصري طه حسين. ولعل تأثره بطه حسين علامة جديدة تضاف إلى موقفه من الآخر العربي، إذ انطلق من ثناء حسين على كتابه (السد)، وتناول الشرقي في مواقع كثيرة في حواراته.
وعلى الرغم من كون هذا المستوى الأولي المتصل بالإعجاب قد يبدو سلبيًا أو متهافتًا أمام الآخر، إلا أنه يشكل مدخلًا مهمًا للدرس النقدي، الذي يفترض أن تكون صورة الآخر لديه واقعة في وضع عادل لا مجحف، ولعل معظم الصور المتصلة بالقيم الإنسانية والحضارية قد جلبت هذا المستوى إلى تجربة المسعدي، أما حين يصل الأمر إلى تحديد الهوية في إطار الآخر فإن المسعدي لا يتردد في فضح المستعمر، وكشف دسائسه، ولاسيما ما يتصل بهويته التونسية والعربية، فهو يرى إلى الأصالة من خلال كونها "قوة القريحة والقوة الذاتية التي بها تستطيع أن تنصرف لمعرفة وممارسة بل وملابسة غيرك، بدون أن تشعر بأنك قد جدت أو زغت قيد أنملة عن كيانك الذي أردت أن تكون"، ويتوافق هذا بصورة جلية مع العلاقة مع الآخر العربي الذي تتشاكل معه أبجديات الثقافة والوعي، ليحظى بالإعجاب والتبني "كنا دوما منفتحين في عهد المصلحين جمال الدين الأفعاني ومحمد عبده، فالخاصية الهامة في حركة الإصلاح هي المحافظة على الذاتية مع الانفتاح على الغير".
يخضع أفق المسعدي النقدي دائمًا لمراجعة علاقة الشرق بالمغرب والتأثير المتبادل بينهما، ويمارس الآلية نفسها بين المشرق والمغرب، إذ يؤمن أن المقارنة بينهما ظالمة وغير منصفة، فالحضور الشرقي يبدو أكثر انتشارًا على الرغم من عمق الحضور المغربي، وللشرق العربي صيغة أبوية تستند إلى التاريخ، ويتفاعل حضورها مهمشًا المغرب العربي، فيتفاعل مع ذلك نقديًا "كل كلمة تقال في الشرق يُسمع صداها في المغرب العربي، وكل شويعر أو كويتب يظهر بالشرق يصل صيته إلى المغرب وقد فخمته الأبعاد ودوت به أبواق الصدى المترامي..."، لكن هذه المواقف في مجموعها عند المسعدي لا تكتفي بموقف المفكر الأديب أو الأديب المفكر فحسب، بل تمتد في تجربته لتصل إلى موقف المسؤول الذي يعد خططًا تطويرية لمجتمعه انطلاقًا من معتقد تحرير الإنسان والنهوض به "الفكرة الأساسية التي حبتني في كل ما قمت به من عمل كمرب وكمسؤول عن التربية وشؤون التعليم في البلاد لا تزال فيما أعتقد أن تكوين التربية والثقافة أداة تحرير للطاقات الإنسانية الجذرية في الكيان الإنساني لأن الإنسان كما لا يزال عندي هو الطاقة الخلاقة".
ينجح المسعدي في خلق صورة مختلفة وواضحة للآخر المعادي، وتستند هذه الصورة على مسار التجربة، ولاسيما تجربة الدراسة في أوروبا، فيورد صورًا فردية وجمعية عدة، ولا يكتفي بذلك بل يورد أمثلة ونماذج مخالفة يدحض بها مقولات هؤلاء، ويكرس فيها لذات معرفية تتوشح بالقيادة، وتتوسل بالشك المعرفي الفاحص الذي يزن ما حوله بميزان دقيق، ولعل المقتبس الآتي يكشف جوانب من ذلك: "لا أزال أذكر ما كان يعلمني أستاذ الفرنسية، عندما كان يفسر الأدب، ويقول: عن هذا الأدب الفرنسي... عن راسين... عن فكتور هيجو ...عن فولتير ...عن بودلير ...عن رامبو ينبغي أن تأخذوا ما به تصبحون بشرًا يشعر بكامل مسؤولية الوجود الإنساني ...كنت أتساءل: أيوجد عندنا، نحن العرب، من يمكن أن أتعلم عنهم كيف يكون الإنسان إنسانًا" ومن ذلك الوقت بدأت البحث عن أصلي، وعن ثقافتي القديمة... بعد ذلك اكتشفتهم بنفسي عندما رحت أدرس الأدب العربي واللغة العربية في الكليات الفرنسية في السوربون ...".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.